نظرة سريعة في اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد
تعتبر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي تم التوصل إليها في نهاية عام 2003 من ضمن اهم الاتفاقيات الدولية التي تم التوافق عليها على المستوى الدولي باعتبار الفساد مشكلة لا يكفي التعامل معها على المستوى المحلي والإقليمي بل يتوجب محاربته على أساس عالمي خاصة ان الفساد لم يعد شأناً داخلياً بل اصبح يشكل “ظاهرة عبر وطنية بحاجة الى مرجع دولي تعتمد عليه الدول في مكافحته على المستويين المحلي والدولي. إذ ورد في ديباجة الاتفاقية ان الدول الأطراف : ” تقلقها خطورة ما يطرحه الفساد من مشاكل ومخاطر على استقرار المجتمعات وآمنها مما يقوّض مؤسسات الديمقراطية وقيمها والقيم الأخلاقية والعدالة ويعرض التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر
والاتفاقية هي عبارة عن اتفاقيات خطية دولية ملزمة بين مجموعات من الدول التي تسير وفق قوانين ومعايير متفق عليها بالإجماع وتعبر عن قدر عال من الالتزام السياسي المشترك . وتبنيها من قبل الجمعيات العامة للحكومات ، مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة أو المنظمات الإقليمية ، يشكل إجماعا دوليا حول القضايا التي تشملها هذه الاتفاقيات. هذا الاجتماع يتعزز بشكل أكبر عندما توقع الاتفاقيات من قبل عدد كبير من الحكومات . وتصبح ملزمة عند المصادقة عليها .
لقد تم التفاوض على اتفاقية مكافحة الفساد من خلال العديد من الجلسات التي امتدت لأكثر من عامين في مكتب الأمم المتحدة في فيينا من قبل ممثلين عن أكثر من مائة وعشرون دولة ومنظمات حكومية وخبراء من مختلف الدول، ولقد استندت العديد من بنوده على المعايير التي حددتها اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية التي اعتبرت الفساد عنصرا من عناصر الجرائم المنظمة. وقد قام مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بالإشراف على المفاوضات التي شارك فيها ممثلون عن منظمات المجتمع المدني ، وبتاريخ 31 أكتوبر 2003 تم اقرار الاتفاقية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة و فتح الباب التوقيع عليها في مؤتمر خصص لهذا الغرض في مدينة مريدا في المكسيك في الفترة ما بين 9-11 ديسمبر 2003 . واعتبر التاسع من ديسمبر الذي صادف هذه المناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد.
و في تلك المناسبة القى كوفي أنان، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ، خصت فقرة منه الدول النامية بالقول ان ” الفساد منتشر في الدول الغنية والفقيرة والدول الكبيرة والصغيرة ، لكن أثاره المدمرة هي أكثر وضوحاً في الدول النامية. فالفساد يضر الفقراء أكثر من غيرهم بتحويل الاموال المخصصة للتنمية ، ويقوّض قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الاساسية ، ويؤدي الى عدم المساواة في التغذيه والى الظلم ، وإحباط الاستثمار الأجنبي والمعونة…”.
إلا انه من الملاحظ ان الاتفاقية وغيرها من الاتفاقيات الدولية لم تضع أي تعريفٍ للفساد أو تشريع قانوني موحدٍ له يمكن أن يتبناه المجتمع الدولي ويشكل مرجعاً يمكن أن تعتمد عليه السلطات القضائية عند إتهامها احد الأشخاص بإرتكاب جريمةٍ معيّنة. ولقد تجنب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والتي أوكل إليه مهمة تحضير الاتفاقية الدولية أن يضع تعريفاً موحداً للفساد في الاتفاقية ، حتى في حالة تشابه الاعمال الجرمية التي تعتبر فساداً ، خشية من تؤدي الاختلافات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الدول الى عدم تبني الاتفاقية ، واكتفت بدلا من ذلك بوصف الأعمال الجرمية التي تعتبر من الأفعال المؤدية الى الفساد على مختلف أنواعه الكبير والصغير بنوع من التفصيل في الفصل الثالث من الاتفاقية خاصة من المادة 15 حتى 25.
تتضمن اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة اطارا متكاملا وتدابير وقائية شاملة تهدف الى:
- الحد من مخاطر ظاهرة الفساد قبل وقوعها وفقاً للمبادئ الأساسية المعتمدة في نظامها القانوني.
- معاقبة المجرمين وتجرّم الأفعال الجرمية في القطاعين العام والخاص بعد وقوع الجريمة.
- كيفية إعادة الأموال المسروقة والمهدورة والموجودات، والتي تمّت عبر عمليات الرشوة والاختلاس وغيرها من الجرائم التي تلحظها الاتفاقية.
و تنطلق الاتفاقية من ثلاث مراحل أساسية هي:(الوقاية↔العقاب↔المعالجة) وهي غير مترابطة مع بعضها البعض إلا في حالة وقوع جريمة الفساد، إذ يمكن العمل من اجل الوقاية عبر سن القوانين التي تكافح الفساد ومراقبة تطبيقها من خلال تفعيل دور المؤسسات الرقابية وأنظمة العقوبات الجزائية. ولا تفرض هذه الاتفاقية على الدول الأعضاء الالتزام الكامل بموادها فتقسم هذه المواد الى ثلاث مقتضيات وتدابير تُفصل عن بعضها البعض وهي:
- المقتضيات الإلزامية (عند استعمال تعبير “تعتمد كل دولة طرف”)،
- المقتضيات الاختيارية (عند استعمال تعابير “تنظر في ان تعتمد أو “تسعى الى أن تعتمد”)،
- التدابير المختلفة (عند استعمال تعبير ” يجوز أن تعتمد”).
وتلتزم الاتفاقية في فصولها الثمانية ، وموادها الإحدى والسبعين ، الدول الأطراف ، أي الدول التي أودعت صك التصديق ، بتطبيق تدابير واسعة النطاق ومفصلة لمكافحة الفساد تؤثر على قوانينها ومؤسساتها وممارساتها . تهدف هذه التدابير إلى تعزيز الوقاية من أفعال الفساد وضبطها ومعاقبة مرتكبيها ، بالإضافة إلى التعاون بين الدول الأطراف في الاتفاقية حول هذه الأمور اتفاقية مكافحة الفساد فريدة ، مقارنة مع غيرها من الاتفاقيات . ليس بسبب عالميتها فحسب ، بل أيضا للتفصيل المستفيض لأحكامها .
تتبنى اتفاقية مكافحة الفساد أسلوبا شموليا لمكافحة ومنع الفساد . فهي تشمل تدابير وقائية وعقابية بالإضافة إلى أحكام للتعاون الدولي وتنحصر المجالات التي تغطيها الاتفاقية في الفئات الآتية :-
أولا :- تدابير وقائية
ثانيا :- تدابير عقابية
ثالثا :- التعاون الدولي
رابعا :- استرداد الموجودات
خامسا :- المساعدة التقنية
أولا :- التدابير الوقائية
تشمل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أكثر الأحكام شمولا للتدابير الوقائية في القطاعين العام والخاص . تغطي تلك التدابير سياسات وممارسات مكافحة الفساد ، وإقامة هيئة أو هيئات وقائية لمكافحة الفساد و معايير أخلاقيات وممارسات القطاع العام و سياسة المشتريات العمومية وشفافية الموارد المالية للقطاع العام ، والولوج الى التقارير المعلنة والحصول على المعلومات وحماية المبلغين عن الفساد و موضوع التوعية العامة و معايير عمل القطاع الخاص ، بما في ذلك معايير المحاسبة ومراجعة الحسابات وغسل الأموال ، كما تتطلب الاتفاقية من الدول النظر في وضع معايير لتعزيز الشفافية في تمويل المرشحين السياسيين والأحزاب السياسية.
كما تشمل الاتفاقية أحكام مفصلة حول التدابير الوقائية من قبيل
أخلاقيات وإجراءات القطاع العمومي
- متطلب أن يكون التوظيف والترقية بناء على الكفاءة والشفافية والمعايير الموضوعية مثل الجدارة والإنصاف والأهلية (مادة 7 من اتفاقية مكافحة الفساد)
- متطلب وجود مدونات أو معايير للسلوك من أجل الأداء الصحيح والمشرف والسليم للوظائف العمومية (مادة 8 من اتفاقية مكافحة الفساد)
- فرض قيود على توظيف الموظفين العموميين في القطاع الخاص بعد استقالتهم أو تقاعدهم (مادة 12 من اتفاقية مكافحة الفساد)
المشتريات العمومية
- متطلب وجود أنظمة تقوم على الشفافية والتنافس والمعايير الموضوعية (مادة 9 من اتفاقية مكافحة الفساد)
تمويل القطاع العمومي
- متطلب وجود تدابير ملائمة لتعزيز الشفافية والمساءلة فيما يتعلق بتدابير اعتماد الميزانية الوطنية ، والإبلاغ عن الإيرادات والنفقات في حينها ، ومعايير المحاسبة ومراجعة الحسابات وما يتصل بذلك من رقابة ، وأنظمة فعالة وكفؤة لتدبير المخاطر والمراقبة الداخلية ، وذلك من بين غير ذلك من التدابير (مادة 9 من اتفاقية مكافحة الفساد)
إبلاغ الناس والحصول على المعلومات وحماية المبلغين عن أفعال الفساد
- متطلب السماح لأفراد الشعب الحصول على المعلومات حول كيفية تنظيم إداراتهم العمومية وأشغالها وعمليات اتخاذ القرارات فيها (مادة 10 من اتفاقية مكافحة الفساد)
- متطلب أن يحصل أفراد الشعب فعليا على المعلومات (مادة 13 من اتفاقية مكافحة الفساد)
- متطلب حماية الشهود والمبلغين وضحايا الفساد (مادة 32 و 33 من اتفاقية مكافحة الفساد)
التوعية العامة
- متطلب تعميم المعلومات من خلال أنشطة وبرامج توعية عامة تشمل المناهج المدرسية والجامعية (مادة 13 من اتفاقية مكافحة الفساد)
معايير القطاع الخاص بما في ذلك معايير المحاسبة ومراجعة الحسابات
- متطلب حظر الحسابات والمعاملات غير المدونة في دفاتر الحسابات ، وتسجيل نفقات وهمية ، وقيد التزامات مالية دون تبيين غرضها على الوجه الصحيح ، واستخدام مستندات زائفة ، والإتلاف المتعمد لمستندات المحاسبة قبيل الموعد الذي يفرضه القانون الدولية (مادة 12 من اتفاقية مكافحة الفساد)
غسل الاموال
- متطلب وجود نظام داخلي شامل للرصد والإشراف على المصارف والمؤسسات المالية غير المصرفية (مادة 14 من اتفاقية مكافحة الفساد)
- ضمان أن لدى السلطات المختصة بمكافحة غسل الأموال القدرة على التعاون وتبادل المعلومات على المستوى المحلي والدولي .
- متطلب أن تنظر الحكومات في إنشاء وحدة معلومات استخبارية مالية
ما سبق نماذج على سبيل المثال لا الحصر من مجوعة المواد المشار إليها في الاتفاقية.
ثانيا :- التدابير العقابية
تشتمل الاتفاقيات أيضا على تدابير عقابية ، وتدعو الحكومات إلى تحديد أو اعتبار تحديد مجموعة واسعة من الجنح الجنائية وتتضمن تعريفا واسعا النطاق لعبارة “مسؤول عمومي” .وقد استعملت الاتفاقية تعريفا واسعا جدا لمصطلح “موظف عمومي” والذي يشمل أي شخص يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا في الدولة الطرف في الاتفاقية أو يؤدي وظيفة أو خدمة عمومية . كما تشمل موظفي المنظمات الدولية العمومية وتتطلب تدابير عقابية تطبق على أولئك الذي يقدمون رشوة لهم . تدعو الاتفاقية إلى تبني التشريعات الضرورية وغيرها من التدابير لتجريم أفعال الفساد بموجب القانون المحلي ، وخاصة رشوة موظفي القطاع العام الوطني و موظفي القطاع العام الأجانب وموظفي قطاع المنظمات الدولية العمومية ومتخذي القرارات في القطاع الخاص (اختياري) والإثراء غير المشروع من قبل الموظف العمومي – تم تعريفه في اتفاقية مكافحة الفساد على أنه “زيادة موجودات موظف عمومي زيادة كبيرة لا يستطيع تعليلها بصورة معقولة قياسا إلى دخله المشروع ” . (اختياري) و اختلاس الممتلكات أو تبديدها أو تسريبها آخر من قبل موظف عمومي و اختلاس من قبل أشخاص يعملون في مؤسسات تابعة للقطاع الخاص .(حكم اختياري) والمتاجرة بالنفوذ (اختياري) – تشمل رشوة موظف عمومي من أجل استغلال نفوذه في مؤسسة عمومية. و إساءة استغلال الوظائف (اختياري) وتشمل رشوة موظف عمومي للتحريض على ارتكاب عمل يشكل انتهاكا للقوانين .
إضافة إلى ذلك الجنح الجنائية ذات الصلة بغسل عائدات الفساد و إخفاء أو الاستمرار في الاحتفاظ بعائدات إجرامية والمساعدة والتشجيع على الفساد وعرقلة سير العدالة
كما توفر الاتفاقية غطاء لقضايا مثل المسؤولية الجنائية والمدنية والإدارية للأشخاص الاعتباريين و وجود فترة تقادم طويلة والعقوبات والحصانات والإفراج لحين المحاكمة والإفراج المشروط وتعليق أو إعادة تعيين الموظفين العموميين وسحب صلاحيات الأشخاص لتولي منصب عمومي لفترة من الزمن وتجميد وضبط ومصادرة عائدات متأتية عن جرائم متعلقة بالفساد وحماية الشهود والخبراء والضحايا والأشخاص الذين بلغوا بالوقائع والتعويضات عن الخسائر والأجهزة المختصة أو الأشخاص المختصين لإنفاذ قانون مكافحة الفساد
ثالثا:- التعاون الدولي
توفر الاتفاقية إطارا شاملا للتعاون الدولي يحمل قدرة كامنة لتحسين المساعدة الثنائية فيما يتعلق بتطبيق القانون ، وخاصة في مجال وتسليم المجرمين والتعاون القانوني المتبادل في التحقيقات والمحاكمات والإجراءات القضائية والتعاون في تطبيق القانون ، بما في ذلك إجراء تحقيقات مشتركة وأساليب تحقيق خاصة
رابعا :- استرداد الموجودات
تعد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بأنها المعاهدة الأولى التى اتخذت من مبدأ استرداد الموجودات مبدأ أساسى لها حيث نصت المعاهدة فى الفصل الخامس منها فى المادة (51) على أن :
“استرداد الموجودات بمقتضى هذا الفصل هو مبدأ أساسى فى هذه الاتفاقية وعلى الدول الأطراف أن تمد بعضها البعض بأكبر قدر من العون والمساعدة فى هذا المجال” .
كما أنها تسمح وفقا لنص المادة (54-1-ح) أن يتم استرداد الممتلكات من خلال التعاون الدولى فى مجال المصادرة دون حكم إدانة إذ تنص المادة المذكورة على انه :
“على كل دولة طرف من أجل تقديم المساعدة القانونية المتبادلة عملا بالمادة (55) من هذه الاتفاقية فيما يتعلق بممتلكات اكتسبت بارتكاب فعل مجرم وفقا لهذه الاتفاقية أو ارتبطت به أن تقوم ، وفقا لقانونها الداخلى ، بما يلى :
ح- النظر فى اتخاذ ما قد يلزم من تدابير للسماح بمصادرة تلك الممتلكات دون إدانة جنائية فى الحالات التى لا يمكن فيها ملاحقة الجانى بسبب الوفاة أو الفرار أو الغياب أو فى حالات أخرى مناسبة ” .
ولقد وضعت الاتفاقية على عاتق الدول الأطراف التزاما بضرورة تعديل تشريعاتها وأجهزتها المعنية على نحو يتمشى مع قواعد هذه الاتفاقية و اتخاذ تدابير الاسترداد المباشر للممتلكات حيث نص المادة (53) على أنه :
“على كل دولة طرف وفقا لقانونها الداخلى :
(أ) أن تتخذ ما قد يلزم من تدابير للسماح لدولة طرف أخرى برفع دعوى مدنية أمام محاكمها لتثبت حق فى ممتلكات اكتسبت بارتكاب فعل مجرم وفقا لهذه الاتفاقية أو لتثبت ملكية تلك الممتلكات .
(ب) أن تتخذ ما قد يلزم من تدابير تأذن لمحاكمها بأن تأمر من ارتكب أفعالا مجرمة وفقا لهذه الاتفاقية بدفع تعويض لدولة طرف أخرى تضررت من تلك الجرائم .
(ج) أن تتخذ ما قد يلزم من تدابير تأذن لمحاكمها أو لسلطاتها المختصة ، عندما يتعين عليها اتخاذ قرار بشأن المصادرة ، بأن تعترف بمطالبة دولة طرف أخرى بممتلكات اكتسبت بارتكاب فعل مجرم وفقا لهذه الاتفاقية ، باعتبارها مالكة شرعية لها .
– اضافة الى ذلك فإن الاتفاقية نصت المادة 54 من الاتفاقية على أنه :
1- على كل دولة طرف ، من أجل تقديم المساعدة القانونية المتبادلة عملا بالمادة 55 من هذه الاتفاقية فيما يتعلق بممتلكات اكتسبت بارتكاب فعل مجرم وفقا لهذه الاتفاقية أو ارتبطت به أن تقوم ، وفقا لقانونها الداخلى ، بما يلى :
(أ) اتخاذ ما قد يلزم من تدابير للسماح لسلطاتها المختصة بإنفاذ أمر مصادرة صادر عن محكمة فى دولة طرف أخرى ؛
(ب) اتخاذ ما قد يلزم من تدابير للسماح لسلطاتها المختصة ، عندما تكون لديها ولاية قضائية ، بأن تأمر بمصادرة تلك الممتلكات ذات المنشأ الأجنبى من خلال قرار قضائى بشأن جرم غسل أموال أو أى جرم آخر يندرج ضمن ولايتها القضائية أو من خلال إجراءات أخرى يأذن بها قانونها الداخلى “
خامسا :- المساعدة التقنية
يمكن الحصول على الدعم الفني من العديد من المنظمات الدولية و من اهمها “مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة” وتتنوع نوعية المساعدات وفق احتياجات كل دولة على حده و تشمل على سبيل المثال تقديم المساعدة الفنية للحكومات لمراجعة أطرها القانونية والمؤسسية ولتطوير إستراتيجياتها الوطنية لمكافحة الفساد ، ودعم مبادرات المجتمع المدني التي تشكل جزءا من الإستراتيجيات الوطنية ، ومساعدة الحكومات على تطوير الأدوات واعتماد أفضل الممارسات للوقاية من الفساد وضبطه ، ودعم جهود هيئات مكافحة الفساد لتطوير قدراتها المؤسسية و مواصلة السعي لإقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص في سبيل تعزيز أخلاقيات العمل والنزاهة.
المجتمع المدني
يتسم المجتمع المدني بتنوع ثري في طبيعته وتركيبته. ولهذا السبب، تتفاوت تعريفات المجتمع المدني بدرجة كبيرة استناداً إلى اختلاف النماذج التصورية والأصول التاريخية والسياق القطري العام. وتبنى البنك الدولي تعريفاً للمجتمع المدني أعده عدد من المراكز البحثية الرائدة:
”يشير مصطلح المجتمع المدني إلى المجموعة واسعة النطاق من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية التي لها وجودٌ في الحياة العامة وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية. ومن ثم يشير مصطلح منظمات المجتمع المدني إلى مجموعة عريضة من المنظمات، تضم: الجماعات المجتمعية المحلية، الإعلام، والنقابات، الأكاديميا، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والنقابات المهنية، ومؤسسات العمل الخيري“.
دور المجتمع المدني وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد
النصوص ذات الصلة المباشرة بعمل المجتمع المدني في مكافحة الفساد
ورد ذكر المجتمع المدني في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد UNCAC في موضعين هامين:
- الموضع الأول: الفصل الخاص بالإجراءات الوقائية، فوفقاً لنص المادة 13 من اتفاقية الأمم المتحدة يجب على الدول ”اتخاذ تدابير مناسبة لتشجيع أفراد وجماعات لا ينتمون إلى القطاع العام على المشاركة النشطة في منع الفساد ومحاربته، وزيادة الوعي بشأنه“.
- الموضع الثاني: فوفقاً لنص المادة 63 الخاصة مؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية فقرة ”… يجوز للمؤتمر أن ينظر في المساهمات المتلقاة من المنظمات غير الحكومية ذات الصلة، المعتمدة حسب الأصول وفقًا للإجراءات التي يقررها المؤتمر“.
النصوص ذات الصلة غير المباشرة بعمل المجتمع المدني في مكافحة الفساد
- اعتماد إجراءات أو لوائح تمكّن عامة الناس من الحصول على معلومات متعلقة بالشأن العام. (المادة/10/أ)
- تبسيط الإجراءات الإدارية من أجل تيسير وصول الناس إلى السلطات المختصة التي تتخذ القرارات. (المادة/10/ب)
- نشر معلومات يمكن أن تضم تقارير دورية عن مخاطر الفساد في إدارة الدولة العمومية. (المادة/10/ج)
- حماية المبلغين والشهود والخبراء:
- توفير حماية فعّالة للشهود والخبراء الذين يُدْلون بشهادة تتعلق بأفعال مجرّمة وفقا لهذه الاتفاقية وكذلك لأقاربهم وسائر الأشخاص ألوثيقي الصلة بهم عند الاقتضاء، من أي انتقام أو ترهيب محتمل (المادة/1/32-2-4-5)، (م37/4)
- وضع تدابير تشريعية مناسبة لتوفير الحماية لمن يقوم بإبلاغ السلطات المختصة بأي وقائع تتعلق بأفعال مجرّمة وفقا لهذه الاتفاقية. (المادة/33)
- اتخاذ ما يلزم من تدابير لتشجيع رعايا الدولة والمقيمين فيها على إبلاغ السلطات الوطنية المعنية عن ارتكاب فعل مجرّم وفقا لهذه الاتفاقية. (المادة/39/2)
- التعاون بين القطاع الخاص وجهات التحقيق
- تشجيع التعاون بين السلطات الوطنية المعنية بالتحقيق والملاحقة وكيانات القطاع الخاص فيما يتصل بالأمور المتعلقة بارتكاب أفعال مجرّمة وفقا لهذه الاتفاقية. (المادة/39/1)
- إعادة إدماج الاشخاص المدانين بارتكاب جرائم في مجتمعاتهم
- وضع تدابير لإعادة إدماج الأشخاص المدانين بارتكاب أفعال مجرّمة وفقًا لهذه الاتفاقية في مجتمعاتهم. (المادة/30/10)
- أهمية إنسانية وأهمية مجتمعية
- تعويض المضرورين من الفساد
- ضمان حق الكيانات أو الأشخاص الذين أصابهم ضرر نتيجة لفعل فساد في رفع دعوى قضائية ضد المسئولين عن إحداث ذلك الضرر، بغية الحصول على تعويض. (المادة/35)
- اتخاذ تدابير لمنع ضلوع القطاع الخاص في الفساد منها: (المادة/12/1-2)
- تعزيز الشفافية بين كيانات القطاع الخاص.
- مدونات قواعد سلوك في القطاع الخاص.
- القيام بتحليل اتجاهات الفساد السائدة داخل إقليم الدولة، وكذلك الظروف التي تُرتكب فيها جرائم الفساد. (المادة/61/1)
كما يلعب المجتمع المدني دورا هاما في إعداد تقارير الظل Shadow Reports وهي عبارة عن تقارير موازية للتقارير الرسمية التي تقدمها الحكومة بشأن تنفيذها للمعاهدات الدولية ويجب ألا يكون الهدف الوحيد من تقارير الظل أن تقدَّم إلى المنظمات الدولية المعنية بتنفيذ اتفاقية معينة ويتم اعدادها من منظمات أهلية أو خبراء او تحالفات في القيام بالتقرير من قبل منظمات وطنية وغير وطنية وتكمن أهمية التقارير في الاستفادة منها على المستوى الوطني ورفع الوعي وتوجيه الرأي العام والتواصل مع الدول القائمة على الاستعراض والرقابة الشعبية على ممارسات الفساد في الحكومة والقطاع الخاص و تقديم البدائل للحكومات.
ولإعداد تلك التقارير يمكن الاستفادة من العديد من الوثائق القانونية من قبيل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد و الأعمال التحضيرية للاتفاقية الدولية والدليل التشريعي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والدليل الفني لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والقرارات التي تصدر عن مؤتمر الدول الأطراف والاتفاقات الثنائية الدولية ذات الصلة .
الاستحقاقات
لقد كانت السلطنة من اواخر الدول العربية التي انظمت الى هذه الاتفاقية وعليها ان تواجه العديد من التحديات لتطبيق تلك الاتفاقية بما في ذلك تعديل القوانين النافذة وسن تشريعات جديدة تتلاءم ومواد الاتفاقية و السعي الى إنشاء الأجهزة الرقابية المعنيّة بمكافحة جرائم الفساد، وتعقب مرتكبي هذه الجرائم على اختلافها والعمل على إيجاد الأطر المناسبة لتطبيق مواد الاتفاقية وإيجاد البيئة الكفيلة لقيام الأجهزة الرقابية بدورها على أكمل وجه ، وكذلك مواجهة الإشكاليات المترابطة التي تطرحها الاتفاقية والتي تتمثل في عدم قدرة السلطة التنفيذية تطبيق مواد الاتفاقية وفي كيّفية تنفيذها وسيتطلب على السلطنة في المرحلة الاولى التركيز على المواد الاتية :-
المادة 6: اقامة هيئة او هيئات مكافحة الفساد الوقائية
تنص المادة على وجوب إنشاء هيئة مختصة بمنع الفساد، لكي تقوم بتنفيذ أو ترسيخ سياسات فعالة تعزز مشاركة المجتمع المدني وتجسد سيادة القانون وحسن إدارة الشؤون والممتلكات العمومية والنزاهة والمساءلة والشفافية. ومن المفترض ان تشكل هذه الهيئة اداة في يد مجلس عمان ، تطبق القوانين التي يسنها وتكون تابعة له بعيداً عن التدخلات السياسية.
المادة 7: القطاع العام
تنص المادة على وجوب تدعيم النظم القانونية لتوظيف المستخدمين المدنيين وغيرهم من الموظفين العموميين غير المنتخبين عند الإقتضاء، وإستخدامهم واستبقائهم وترقيتهم وإحالتهم على التقاعد. هذا فضلاً عن وضع معايير تعزز الشفافية في تمويل الترشيحات لإنتخاب شاغلي المناصب العمومية وفي تمويل الأحزاب السياسية.
المادة 8 : مدونات قواعد سلوك للموظفين العموميين
تنص المادة على ان يفصح الموظفين العموميين للسلطات المختصة عن الأعمال والنشاطات الخارجية، وأي عمل وظيفي وإستثمارات وموجودات وهبات أو منافع كبيرة لمنع تضارب المصالح بين الوظيفة العامة والخاصة.والى دفع الموظفين العموميين الى إبلاغ السلطات المعنية عن افعال الفساد عندما ينتبهون الى مثل هذه الأفعال.
المادة 9: المشتريات العمومية وإدارة الأموال العمومية
أبرز ما ورد في هذه المادة ويتعلق بدور النواب، هو وجوب إتخاذ الخطوات اللازمة لإستحداث قوانين تراعي معايير النزاهة والشفافية في تلزيم المناقصات والمزايدات والمشتريات العمومية،على نحو يمنع الهدر وسرقة الأموال العمومية. هذا فضلاً عن إتخاذ عدة تدابير ترمي الى حسن إدارة هذه الأمول للتأكد من تطبيق مبادىء الموازنة العامة الأساسية منها سنوية إقرار الموازنة والشفافية في عرض النفقات والإيرادات.إذ تناط بالسلطة التشريعية صلاحية إقرار الموازنة السنوية.
المادة 12 :القطاع الخاص
ورد في هذه المادة أنه ينبغي على الدول أن تأخذ تدابير لمنع “تضارب المصالح بفرض قيود، حسب الاقتضاء ولفترة زمنية معقولة،على ممارسة الموظفين العموميين السابقين أنشطة مهنية، أو على عمل الموظفين العموميين في القطاع الخاص بعد استقالتهم أو تقاعدهم، عندما تكون لتلك الأنشطة أو ذلك العمل صلة مباشرة بالوظائف التي تولاها أولئك الموظفون العموميون أو أشرفوا عليها أثناء مدة خدمتهم”.
هذا الأمر سيؤدي الى منع النواب من إستغلال وظيفتهم العامة أو بناء شبكة علاقات تمكنهم من تحقيق منافع غير مشروعة لاحقاً.
الفصل الثالث:التجريم وإنفاذ القانون
يتضمن هذا الفصل المواد التي تجرّم الأفعال المؤدية الى الفساد في حال القيام بها من قبل الموظفين العموميين وأشخاص أخرين. وهذه المواد هي على التوالي:
- المادة 15: رشوة الموظفين العموميين الوطنيين،
- المادة 17:إختلاس الممتلكات أو تبديدها أو تسريبها بشكل أخر من قبل موظف عمومي،
- المادة 18:المتاجرة بالنفوذ.(من قبل الموظف العمومي)
- المادة 19:إساءة إستغلال الوظائف.(من قبل الموظف العمومي)
- المادة 20:الإثراء غير المشروع.(الذي يقوم به الموظف العمومي)
- المادة 23 :غسل العائدات الإجرامية.(التي يقوم به الموظف العمومي)
- المادة 24: الإخفاء.(وتعني به الإتفاقية، قيام الموظف العمومي أو الشخص المعني بإخفاء الأموال، مع علمه المسبق أنها متأتية عن اعمال غسل الأموال).
- المادة 25: إعاقة سير العدالة.(من قبل الموظف العمومي)
- المادة 27: المشاركة والشروع.(وتعني بها الإتفاقية المشاركة بأي صفة كطرف متواطىء أو مساعد او محرض في فعل مجرّم وفقاً لهذه الإتفاقية).
المادة 30: الملاحقة والمقاضاة والجزاءات.
تتطرق هذه المادة الى الحصانات التي يتمتع بها الموظفون العموميون خلال ممارستهم لولايتهم، فهي تنص على إتخاذ “ما قد يلزم من تدابير لإرساء أو إبقاء توازن مناسب بين أي حصانات أو امتيازات قضائية ممنوحة لموظفيها العموميين من أجل أداء وظائفهم وإمكانية القيام، عند الضرورة، بعمليات تحقيق وملاحقة ومقاضاة فعالة في الأفعال اﻟﻤﺠرّمة وفقا لهذه الاتفاقية”. إذ يمكن أن تؤدي هذه الإجراءات الى تنحية الموظف المتهم او حتى الى إسقاط الأهلية بأمر قضائي أو بأي وسيلة أخرى).
المادة 38: التعاون بين السلطات الوطنية.
تنص هذه المادة على التعاون بين السلطات العمومية وموظفيها العموميين وبين سلطاتها المسؤولة عن التحقيق في الأفعال الجرمية وملاحقة مرتكبيها من جهة اخرى.
محمد بن عبدالله بن حمد الحارثي
رئيس مجلس ادارة الجمعية الاقتصادية العمانية
صورة رئيس الجمعية مع مؤسس منظمة الشفافية الدولية
البروفوسير الدكتور بيتر ايجين،

