منتدى المستقبل الثامن – الحوار الوطني الأول (2011)

كلمة رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية العمانية

منتدى المستقبل الثامن – الحوار الوطني الأول

24 أكتوبر 2011، مسقط – سلطنة عمان

يسرني إن أرحب بضيوفنا الكرام وبالزملاء اللذين تفضلوا بقبول دعوتنا للمشاركة في اجتماع المشاورات الوطنية الأول الذي يعقد في مسقط لمناقشة توصيات الحلقات النقاشية الإقليمية الثلاث لمنتدى المستقبل الثامن ، وسوف يليه في الأيام المقبلة الاجتماع الثاني والثالث اللذان سيعقدان في مصر وتونس ، وسوف يتم إدارة الجلسة بطريقة ثنائية، واحد من منتدى المستقبل وواحد من الدولة المضيفة.

أقيمَ منتدى المستقبل في حزيران/ يونيو 2004،  حيث أعربت الدول الصناعية الكبرى آنذاك بالتزامها بدعم الإصلاحات في دول المنطقة في اتجاه  تعزيز الديمقراطية و المشاركة المدنية وحكم القانون وحقوق الإنسان وإقتصاد السوق المفتوح، وفي كل منتدى يتم تناول ثلاثة مواضيع: اجتماعي واقتصادي وسياسي ويتم اختيار محاور كل موضوع من قبل المجتمع المدني بالتنسيق مع دولتي الرئاسة ، و يقام المنتدى سنويا، وفي كل مرة تتولى رئاسته دولتان، واحدة من منطقة BMENA والثانية من دول G8 ، وفي المنتدى الثامن فإن الرئاسة أوكلت لكل من دولة الكويت وجمهورية فرنسا، حيث تتولى وزارة الخارجية في البلدين لجنة المسار الحكومي ، كما توجد لجنة للمسار غير الحكومي، وتضم المجتمع المدني وقطاع الأعمال ويسرنا أن نكون شركاؤها في تنظيم ورشة العمل هذه والتي ستضم اربعة جلسات وفق الأجندة المرفقة.

لقد قيل لنا أن الهدف من هذه الورشة هو مناقشة كيف يمكن تنفيذ التوصيات المعتمدة في بلداننا، واعتقد انه قبل مناقشة كيفية تنفيذها يجب علينا مناقشة ما إذا كنا نتفق مع تلك التوصيات أم لا. لقد استوقفتني العديد من النقاط وأود أن أثيرها هنا لأنه لا يمكن المرور عليها مرور الكرام ، خاصة انه من المفترض أن نعمل في جو ديمقراطي ، وأن قرار موافقة الجمعية الاقتصادية العمانية على المشاركة في تنظيم هذه الورشة لم يبنى على أساس اتفاقنا مع رسالة هذا المنتدى ولا على توصياته حيث رفض العديد من أعضاء الجمعية المشاركة في هذه الورشة بحجة أن هذا المنتدى تأسس تحت راية الولايات المتحدة الأمريكية ، ويهدف إلى تعزيز الديمقراطية ، حكم القانون ، حقوق الإنسان والمشاركة المدنية والولايات المتحدة هي أبعد الدول في تحقيق هذه الأهداف لدول الشرق الأوسط خاصة أن مواقفها من القضية الفلسطينية وجرائمها في العراق واضحة للعيان وان ما اقترفته بحق شعوب المنطقة يناقض كل تلك الأهداف، ولكننا ندرك في نفس الوقت إن منتدى المستقبل وغيرها من المؤسسات التي أقيمت في السنوات الماضية، أصبحت اليوم أمرا واقعا ومطبخا تعد فيه الطبخات لدولنا المشاركة في أعمالها،  وأن المستهدف من هذه الورشة المجتمع المدني العماني وليس أعضاء الجمعية الاقتصادية العمانية فقط ، وبحكم مسؤولياتنا رأينا انه من الواجب أن يكون لنا صوتا نبدي من خلاله تحفظاتنا ورفضنا للأجندات التي لا تخدم مصالح بلداننا بدلا من التزام الصمت ، وهذا هو السبب الذي جعلنا نوافق على استضافة هذه الجلسة لمناقشة توصيات الحلقات النقاشية الإقليمية.

من أهم تحفظاتنا الشكلية انه قد تم تسميتنا مؤخرا بدول البـ مينا ، اختصارا لكلمة الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا باللغة الانجليزية ونحن نرى أن هذا المصطلح هدفه عزلنا عن بعدنا القومي العربي ودمج جسم غريب فينا لا يمكننا تقبله مهما طال الزمن ويجب علينا العودة للمسميات التي ترعررنا عليها ونختارها لأنفسنا وان المنطقة التي منحت هذا المسمى تعرف باسم الوطن العربي والشرق الأدنى.

 في الشق الاجتماعي ركزت التوصيات على موضوع (المرأة والمساواة بين الجنسين) واعتقد أن مشكلتنا الأساسية ليست مشكلة الرجل أو المرأة ، كما أنها ليست مشكلة السني والشيعي ، ولكنها مشكلة الإنسان والتنمية ويجب منح الجنسين فرص متساوية في جميع المجالات وفي الوقت ذاته لا ينبغي أن تفرض علينا أجندات تتجاهل واقعنا الاجتماعي وتتجاوزه وتتجاهل أصل التشريعات الحالية المتفق عليها بين الأغلبية العظمى من شعوب المنطقة ، بما في ذلك فرض وصول المرأة إلى بعض المناصب العامة ولو بالقوة، سواء كانت مؤهلة لتلك المناصب أم لا ، بدلا أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب وفق الخبرة والمؤهلات ويكون التركيز على تنمية الإنسان رجلا كان أو امرأة، أننا لا نرى داعيا لتمرير أية توصيات تتناقض مع الشريعة الإسلامية لأنها ستسبب فتنة أهلية وقلاقل نحن في غنى عنها.

في الشق الثاني والثالث  كان التركيز على التحديات الاقتصادية والاجتماعية والتغيير والتكامل في منطقة الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا ، وبناء الديمقراطية دور ومشاركة الشباب والمجتمع المدني ، حيث خلص المسار غير الحكومي المشارك في الورشة إلى صياغة العديد من التوصيات واذ نؤيد معظم تلك التوصيات خاصة المتعلقة بالتمكين، التوظيف وروح المبادرة، التكامل الاقليمي إلا أننا نرى أننا بحاجة إلى وقفة أمام عبارات :-

“مساندة الربيع العربي الديمقراطي والتأكيد على أهمية حماية الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية، ونطالب دول مجموعة الثمانية بإعطاء دعم متساو وغير منحاز، ومتواصل لعملية التحول الديمقراطي في العالم العربي…. وإذ نرحب بشراكة دوفيل “Deauville Partnership” …. “.

بالرغم من تعاطفنا الكامل مع روح وأهداف انتفاضة الربيع العربي، إلا أن عملية استغلالها لأهداف سياسية خارجية كشفت الغموض لدى الكثيرين منا ، خاصة بعد ما رأينا ما يرتكب من جرائم ضد الليبيين لم تستثني أي من الأطراف وتدمير قوات الناتو للبنى الأساسية لليبيا واستعداد تجار الحروب للاستفادة من إعادة بناء هياكلها الأساسية والتي قدرت حتى الآن بحوالي150 مليار دولار، وأخيرا المعاملة أللإنسانية للأسرى وجرائم القتل بدون محاكمة والتي تتناقض مع الأهداف الديمقراطية التي يحاربون من اجلها، وفي سوريا نرى ما سببته التدخلات الأجنبية من فوضى وفتن داخلية تشتم فيها رائحة التدخلات الإقليمية والدولية وما كان لهذه التدخلات أن تنجح  لو كان هنالك احترام لكرامة الإنسان في سوريا وتوافق بين الحكومة والشعب، وفي مصر رأينا كيف تم اختطاف الثورة من قبل الجيش الذي يمثل المكون الأساسي للنظام السابق، وفي تونس ما زال رجال الحرس القديم يسيطرون على الأوضاع الداخلية، وقبل ذلك رأينا كيف تم تدمير بنية الدولة العراقية من قبل الأمريكان باسم الديمقراطية، وبالتالي تساورنا الكثير من المخاوف من الربيع العربي وأنه مجرد حمل كاذب وسايكس بيكو جديدة وشراكة دوفيل ليست سوى مشروع لاحتواء الربيع، وشعوبنا ما زالت ضحايا شعارات ووعود جوفاء ممتدة من أيام الثورة العربية الكبرى بعد الإطاحة بالخلافة العثمانية. خاصة عندما نرى كيفية إعادة تقسيم النفوذ على المنطقة وآلية توزيع امتيازات النفط بين الشركات الغربية وبحيث يعوض من لم يحصل على حصة كافية في العراق بحصة بديلة في ليبيا.

على دول G8 أن تدرك أن قابلية الإصلاح الذاتي وإرادته، تختلف من دولة عربية إلى أخرى ، وان أي تغيير يجب أن يتم بإرادة داخلية ودون أي تدخل أجنبي ، وفي الوقت ذاته نحمل حكوماتنا مسؤولية فتح الأبواب للتدخل الأجنبي بسبب سياساتها الانتهازية التي تمنح الذريعة للتدخل بحجة عدم احترام حقوق الإنسان، ونؤكد هنا على ما توصل إليه العديد من مفكرينا بأن الشراكة الطوعية في الوطن العربي بين الحاكم والمحكوم، هي الوحيدة القادرة على ضمان الاستقرار والتنمية وان على الحكام العرب أن يدركوا  بأن لا خيار لهم سوى طريق الإصلاح، وأفضله وأقله تكلفة، هو الخيار الإرادي ، لقد فشل العرب فشلاً ذريعتا في مشروعهم التنموي، لأنه لم يكن في الوطن العربي مشروع دولة، انما كانت هنالك مشروعات حكم، ومشروع الحكم بتكوينه وآلية الإبقاء عليه، يتناقض مع مشروع الدولة، لقد فشل الوطن العربي في تبني مشروع نهضوي ، لأن موارده استخدمت في الإبقاء على مشروعات الحكم، وأول متطلبات النجاح في المستقبل، هو التحول من مشروعات حكم إلى مشروعات دولة في كل قطر عربي،  ومشروع الدولة في كل قطر، يعني أن السلطة السياسية مؤقتة، والكيان دائم، بينما في مشروعات الحكم، السلطة دائمة، والكيان مذبذب، وأشيد هنا بإسهامات الجماعة العربية للديمقراطية ودراساتها التي تهدف لتعزيز المساعي الديمقراطية في الدول العربية والتي تضيف للموضوع بعداًً من المنظور القومي لا بد من الاستفادة منها.

معذرة على الإطالة وأتمنى لورشتنا هذه النجاح ، كما لا يسعني في هذه المناسبة إلا أن أتقدم بجزيل الشكر والتقدير لوزارة الشؤون الاجتماعية على موافقتها على طلبنا باستضافة هذه الورشة في الوقت الذي تشهد فيه منطقتنا العربية أجواء من عدم الاستقرار السياسي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

Shopping Cart
Scroll to Top