مقال حول مشكلة وجود اعداد كبيرة من العمالة الاجنبية مع  تزايد عدد الباحثين عن عمل من المواطنين  في بداية مارس 2011

مقابلة حول مشكلة وجود اعداد كبيرة من العمالة الاجنبية

مع  تزايد عدد الباحثين عن عمل من المواطنين

بداية مارس 2011

كيف يمكن معالجة مشكلة وجود اعداد كبيرة من العمالة الاجنبية وفي نفس الوقت تزايد عدد الباحثين عن عمل من المواطنين ؟

لقد كان هذا الموضوع احد محاور المؤتمر الرابع للجمعية الاقتصادية العمانية الذي عقد منذ حوالي الشهرين حيث تم تقديم ورقة عمل تحت عنوان تحفيز توطين الوظائف في دول مجلس التعاون من خلال تدوير رسوم توظيف العمالة الأجنبية إلى القطاع الخاص حيث يرى البعض أن أكبر مشكلة تواجهها العمالة المواطنة في دول مجلس التعاون الخليجي وتتسبب في الحد من فرص العمل المتاحة لها في القطاع الخاص أن تأهيلها لا يتوافق مع احتياجات سوق العمل أو أنها تفتقر للخبرة المناسبة.   

ولقد تم خلال المؤتمر استعراض ورقة د. عبدالرحمن محمد السلطان أستاذ الاقتصاد المشارك في قسم الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة الإمام السعودية الذي أشار الى أن العديد من الدراسات أظهرت أن رغبة القطاع الخاص في توظيف العمالة الأجنبية يعود بشكل رئيس لانخفاض تكاليف توظيفها مقارنة بالعمالة المواطنة وليس لأنها أكثر تأهيلاً أو امتلاكاً للخبرة، يدل على ذلك أن معظم العمالة الأجنبية تأتي من بلدانها وهي مفتقرة حتى إلى الحد الأدنى من التأهيل والتدريب.  فسهولة وصول وحدات القطاع الخاص إلى العمالة الأجنبية متدنية الأجر جعلها تتبنى نموذج أعمال يعتمد على استخدام مكثف للعمالة الأجنبية متدنية الأجر والمهارات، أصبحت معه معظم وظائف هذا القطاع غير متاحة أصلا للعمالة المواطنة ويمكن شغلها فقط بعمالة أجنبية أجورها متدنية.

وطالما بقي النظام المتبع حاليا فإن القطاع الخاص سيستمر في تبني نموذج أعمال يعتمد على توظيف كثيف للعمالة متدنية الأجر والمهارات ولن يجد أي دافع لديه للتحول إلى نموذج أعمال يعتمد بصورة اكبر على التقنية العالية وأساليب الإنتاج المتقدمة، وتبني مثل هذا النموذج أمر ضروري جدا كي ترتفع نوعية ومستويات أجور وظائف هذا القطاع بما يسمح بزيادة اعتماده على العمالة المواطنة ولكنه تطبيقه يتطلب وقتا أطول وعليه فإن المعضلة الأهم التي تواجهها العمالة المواطنة في أسواق العمل الخليجية هي عدم قدرتها على منافسة العمالة الأجنبية ليس لأنها أكثر تأهيلاً وخبرة وإنما لكونها أقل أجرا. ما يعني أنه من غير الممكن زيادة قدرة العمالة المواطنة على المنافسة في سوق العمل وإنجاح جهود التوطين ما لم تُضيق الفجوة الكبيرة القائمة حاليا بين تكلفة توظيف العمالة الأجنبية وتكلفة توظيف العمالة المواطنة.

ولقد توصل البحث الى وجود خيارين لمعالجة هذا الوضع ،  الخيار الأول يتمثل في رفع تكلفة توظيف العمالة الأجنبية أما الخيار الثاني فإنه يتمثل في تخفيض تكلفة العمالة المواطنة

الخيار الأول: رفع تكلفة توظيف العمالة الأجنبية

    يتبنى هذا الخيار العديد من المختصين والخبراء في سوق العمل في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، حيث يرونه الحل الأمثل والوحيد لمشكلة تدني أجور العمالة الأجنبية، ففي ظل عدم إمكانية رفع أجور هذه العمالة، بالنظر إلى ظروفها التي تجعلها تقبل بأجور زهيدة، فإنه يمكن التعويض عن ذلك من خلال زيادة رسوم توظيفها ما يرفع من تكلفة توظيفها على صاحب العمل. وهذا الخيار هو ما اقترحته شركة ماكنزي على دولة البحرين كحل لمشكلة الاعتماد الكبير في القطاع الخاص البحريني على العمالة الأجنبية في ظل ارتفاع في معدلات البطالة في صفوف العمالة المحلية، حيث اقترحت ماكنزي على الحكومة البحرينية رفع رسوم استقدام العمالة الأجنبية، بمن فيهم خدم المنازل، إلى 600 دينار بحريني عن كل رخصة عمل مدتها سنتين، ورفع رسم الإقامة الشهري إلى 75 ديناراً شهرياً.

لا أنه وبسبب المعارضة الشديدة من أصحاب الأعمال لم تستطع الحكومة البحرينية في الواقع تنفيذ هذه المقترحات وتم إقرار زيادات محدودة في هذه الرسوم، حيث حدد رسم الإقامة الشهري ب 10 دنانير فقط بدلاً من 75 دينارا، كما حددت رسوم إصدار تصاريح العمل بمبلغ 200 دينار كل سنتين بدلاً من 600 دينار. وحيث أن الرسوم التي أقرت فعلا متواضعة جداً مقارنة بالرسوم المقترحة في دراسة ماكنزي، فإنه لم ينتج عنها رفع ملموس في تكلفة توظيف العامل الأجنبي، وبالتالي لم تسهم بصورة مؤثرة في تضييق فجوة تكلفة التوظيف. وعلى الرغم من اتساع نطاق التأييد لمثل هذا الخيار من قبل المراقبين والمختصين بسوق العمل الخليجية، إلا أننا نرى أن هذا الخيار لا يمكن أن يكون مجدياً في زيادة تنافسية العمالة المواطنة بصورة تجعل القطاع الخاص راغب في توظيفها حتى في حال إحداث رفع كبير في رسوم توظيف العمالة الأجنبية، وذلك للأسباب التالية:

1- أنه لكي يكون هذا الإجراء مؤثراً بشكل ملموس على تنافسية العمالة المواطنة فإن يلزم أن يكون هناك رفع كبير جدا في تكلفة توظيف العمالة الأجنبية، تتضاعف بموجبه رسوم توظيف العمالة الأجنبية عشرات المرات، ما يعني مواجهته لمعارضة قوية من قبل قطاع الأعمال بحيث يصبح تبنيه من قبل دول المجلس أمراً مستحيلا، والتجربة البحرينية خير دليل على ذلك.

2- أنه حتى لو رفعت رسوم توظيف العمالة الأجنبية بشكل كبير جدا فستظل تكلفة العامل الأجنبي أقل بكثير من تكلفة العامل المواطن، وسيتم إيضاح ذلك بشكل تفصيلي لاحقا، ما يحد من جدوى هذا الخيار أصلا، ويجعل آثاره السلبية أكبر بكثير من تأثيره الإيجابي على فرص العمل المتاحة للعمالة المواطنة في القطاع الخاص.

3- أن معالجة اختلال قوى سوق العمل من خلال رفع تكلفة توظيف العمالة الأجنبية من خلال زيادة كبيرة جدا في الرسوم المفروضة على توظيفها سيترتب عليها زيادة كبيرة في أعداد العمالة المخالفة غير النظامية تفاديا لدفع رسوم التوظيف المرتفعة، ما يعني ارتفاع في عمليات تزوير الإقامات ورخص العمل والرشاوي ونحو ذلك من مشكلات أمنية ونظامية.

4-سوف يترتب على رفع رسوم توظيف العمالة الأجنبية بشكل كبير ارتفاع في التكاليف التشغيلية لوحدات القطاع الخاص قد يحد من قدرة منتجاتها على المنافسة محليا وخارجيا ما يؤثر سلبا على ربحية هذا القطاع ويعيق نموه، بسبب طول فترة التكيف والتغير الهيكلي الكبير الذي ستحتاج وحدات القطاع الخاص إلى تبنه، ما يحمل أبعاد سلبية خطيرة على مجمل الأداء الاقتصادي لفترة طويلة قادمة.

الخيار الثاني: تخفيض تكلفة العمالة المواطنة

إلا أن الدراسة رأت بدلاً من رفع تكلفة العمالة الأجنبية على القطاع الخاص القيام بخفض تكلفة توظيف العمالة المواطنة على القطاع الخاص، ما يجعل من المجدي لهذا القطاع توظيف العمالة المواطنة بدلاً من توظيف العمالة الأجنبية.

وذلك عن طريق تدوير رسوم توظيف العمالة الأجنبية، كرسوم الاستقدام، الإقامة، رخص العمل، نقل الكفالات، تأشيرات الخروج والعودة، وغيرها من رسوم، إلى القطاع الخاص على شكل إعانة عن كل عامل مواطن يعمل في منشأة خاصة بشرط تجاوز راتبه حداً معيناً، حيث افترحت مثلاً أن يمنح الموظف راتباً شاملاً لا يقل عن أربعمائة ريال شهريا ، إلا أن صاحب العمل لن يتحمل فعليا إلا جزءاً من هذه التكلفة، باعتبار أنه سيحصل على إعانة عن كل موظف يعمل لديه.   ويحدد المبلغ المدور سنوياً عن كل عامل من خلال قسمة إجمالي رسوم توظيف العمالة الأجنبية التي يتم تحصيلها سنويا على عدد العاملين في القطاع الخاص الذين يستحق عنهم إعانة. وفاعلية هذا الخيار في زيادة قدرة العمالة المواطنة على المنافسة في سوق العمل تأتي من قدرته على تحقيق هدفين متعارضين تحقيقهما في الوقت نفسه أمراً مستحيلاً دون عملية التدوير.

الهدف الأول: هو رفع أجور العمالة المواطنة في القطاع الخاص ما يجعلها أكثر رغبة في العمل في هذا القطاع، والذي تحقق باشتراطنا حد أدنى لأجر العمالة المواطنة لكي يستحق عنها إعانة، ما يعني حصولها على أجر مجز نسبيا يشجعها على الالتحاق في العمل في القطاع الخاص ويحفزها على الاستقرار فيه.

والهدف الثاني: هو خفض تكلفة توظيفها ما يشجع القطاع الخاص على إتاحة مزيد من فرص العمل لها، والذي تحقق من خلال كون هذا القطاع لا يتحمل فعلياً إلا جزء من تكاليف توظيفها في ظل الإعانة التي يحصل عليها عن كل مواطن يعمل لديه.

واختتم البحث بإيضاح لديناميكية خيار تدوير رسوم التوظيف التي تم إيجاز أهم مميزاتها في التالي:

  1. أن تضييق الفجوة بين تكلفة العمالة الوطنية والوافدة يتحقق من خلال رفع محدود جدا في رسوم توظيف العمالة الأجنبية، في حين أن محاولة تضييقها من خلال رفع تكلفة توظيف العمالة الأجنبية فقط، ومن دون عملية تدوير، يتطلب رفع هائل في رسوم توظيف العمالة الأجنبية، ما يعني مواجهته معارضة قوية من قبل قطاع الأعمال تجعل من غير الممكن تبنيه من قبل الدولة أو على أقل تقدير أن ترتفع الرسوم بشكل محدود لا يؤثر بصورة ملموسة على تكلفة توظيف العمالة الأجنبية بالتالي لا يتحقق الغرض منه.
  • أن محاولة تحسين القدرة التنافسية للعمالة المواطنة من خلال رفع تكلفة توظيف العمالة الأجنبية يترتب عليه، وكما أوضحنا سابقا، زيادة كبيرة في أعداد العمالة المخالفة غير النظامية تفاديا لدفع رسوم التوظيف المرتفعة جدا، في حين أن تطبيق خيار صندوق تدوير رسوم العمالة الأجنبية يترتب عليه تضييق لفرص العمل المتاحة أمام العمالة الأجنبية، ما يحد من العمالة السائبة والمخالفة باعتبار أن تناقص فرص العمل المتاحة لها في القطاع الخاص يحد من جدوى بقاءها.
  • أن رفع تكلفة توظيف العمالة الأجنبية يقوم على فكرة معاقبة مشغلي العمالة الأجنبية بجعلهم يدفعون رسوما مرتفعة جدا ثمنا لذلك، بينما خيار تدوير رسوم توظيف العمالة الأجنبية يهدف إلى الحد من جاذبية العمالة الأجنبية وتشجيع توظيف العمالة المواطنة من خلال تخفيض تكلفة توظيفها على صاحب العمل ما يجعله أكثر حرصاً على استقطابها وإتاحة الفرصة لها للتدرب واكتساب الخبرة، كما أن رفع الحد الأدنى لأجور العمالة المواطنة يجعلها أكثر استعدادا للعمل في القطاع الخاص، ما يعني أن هذا القطاع سيتبنى جهود التوطين بصورة طوعية بدلاً من كونها قسرية توجد الحافز لدى منشآت القطاع الخاص للتهرب منها والتحايل عليها كما هو الحال الآن.
  • أن زيادة محدودة ومتدرجة في رسوم توظيف العمالة الأجنبية تكفي لتوفير تمويل كبير لصندوق التدوير، ما يجعله قادراً على مواصلة دوره بكفاءة وفاعلية أكبر حتى في ظل نجاح عملية التدوير في تحقيق نمو كبير في أعداد العمالة المواطنة في القطاع الخاص وتراجع أعداد العمالة الأجنبية، ومحدودية هذه الزيادات وكونها مبالغ يعاد تدويرها بشكل كامل إلى القطاع الخاص يعني أنه ستكون هناك مقاومة محدودة جداً لهذه الزيادات من قبل قطاع الأعمال.
  • أن المبالغ المدورة إلى وحدات القطاع الخاص تسهم في تحقيق خفض كبير في تكاليفها التشغيلية، ما يزيد من قدرة منتجاتها على المنافسة محليا وخارجيا، وتزداد هذه الميزة التنافسية مع النمو الذي تحققه كل المنشأة في نسبة توظيفها للعمالة الوطنية من إجمالي قوة العمل لديها، ما يجعل عملية التوطين مسهمة في رفع تنافسية المنشآت الخاصة لا سبباً في تراجعها كما يراها القطاع الخاص حاليا.
  • أنه مع مرور الوقت ومع الزيادات المتتالية في رسوم توظيف العمالة الأجنبية سترتفع تكلفة توظيف العمالة الأجنبية بشكل كبير يجبر القطاع الخاص على التخلي تدريجياً عن نموذج الأعمال المعتمد على التوظيف الكثيف للعمالة متدنية المهارة والأجر ويتحول إلى نموذج أعمال يعتمد بصورة اكبر على التقنية العالية وأساليب الإنتاج المتقدمة. فلكي تحافظ المنشآت الخاصة على ربحيتها مع ارتفاع تكلفة توظيف العمالة الأجنبية ستحتاج إلى رفع إنتاجية عنصر العمل الذي يمكن تحقيقه فقط من خلال التحول إلى أساليب إنتاج أكثر تقدماً يلزم معها توظيف عمالة بمهارات وتأهيل أعلى، ما يعني نمواً مستمراً في نسبة الوظائف عالية المهارة والأجر في سوق العمل الخليجي سترتفع معه أيضا فرص العمل المناسبة للعمالة المواطنة.
  • أنه لا يترتب على الدولة أي أعباء مالية إضافية مع زيادة المبالغ المدورة للقطاع الخاص، ففيما عدا المبلغ الأولي الذي تتنازل عنه الدولة مع بدء انطلاقة المشروع ، فإن التمويل الإضافي للصندوق يأتي بشكل كامل من رسوم إضافية تفرض  على موظفي العمالة الأجنبية.

أي أن إعانة الشركات التي تنجح في زيادة نسبة توطينها تمول من العبء المالي الإضافي الذي ستتحمله الشركات التي تصر على مواصلة اعتمادها على العمالة الأجنبية، سواء كان ذلك بسبب تخاذلها في بذل جهد أكبر لرفع نسبة العمالة المواطنة أو بسبب أن طبيعة القطاع الذي تعمل فيه يحد من قدرتها على استقطاب هذه العمالة، من ثم فإنها مقابل استمرار السماح لها بتوظيف العمالة الأجنبية يفرض عليها رسوم إضافية تمول توظيف العمالة المواطنة في قطاعات أو شركات أخرى.

نحن بحاجة الى تغيير النمط التقليدي لمعالجة مثل هذه الامور وإستخدام أساليب علمية وإجراء دراسات تقدم حلول متكاملة تأخذ في الاعتبار التصنيف العام لسوق العمل وانواع الوظائف الدائمة منها والمؤقتة ، الممكن التعمين فيها والتي يصعب تعمينها في الوقت القصير وجميع الابعاد الأخرى بما في ذلك خصائص الباحثين عن عمل (التخصصات المهنية والقطاعات والمناطق الجغرافية والفئات العمرية) وتحديد ما إذا كانت توجد بطالة حقيقية والعلاقة بين الأجور والإنتاج والإنتاجية، وكيفية إصلاح تشوهات سوق العمل  بما فيه في ذلك الهوة بين الدخول ومستويات التأهيل، مساهمة المرأة، الخ. و موضوع اصلاح نظام التعليم . 

كما يمكن النظر في انشاء شركة حكومية تتولى مسؤولية استقدام عمالة أجنبية لتدوير الوظائف المؤقتة التي يصعب تعمينها مثل تلك الخاصة بقطاع المقاولات والانشاءات وتحديد تلك الواجب تعمينها مثل الاعمال الخاصة بالكهرباء والميكانيكا والحدادة ويتم استخدام المبالغ المدورة للتأهيل والتدريب ولدعم الاجور على المدى القصير وتمهيدا للإحلال على المدى الاطول.

ان العملية ليست سهلة ولا يمكن تطبيقها بمجرد قرار فهي عملية علمية وادارية وبحاجة الى مراجعات ديناميكية مستمرة وقيادة متخصصة ومتفتحة وتعمل وفق منظومة استراتيجية واضحة ، ومن المهم هنا التذكير بأن الحكومة منذ ما يقارب العقدين من الزمن ناقشت في اجتماعات مكثفة وبالتفصيل موضوع التدرج المهني والتدريب على رأس العمل  واتفق آنذاك بأن يتم تمويل برامج التدرج المهني والتدريب على رأس العمل من خلال مساهمات القطاع الخاص وصدرت  بعد ذلك بموجب قرار هيئة التدريب المهني 4/92  لائحة لتنظيم أحكام التعويض من مساهمات التدريب المهني الخاصة ،  وكما أشرت سابقا يتحقق حاليا من مساهمات القطاع الخاص تلك والتي اقرت اساسا للتدريب المهني وتعدل مسماها الى رسوم استقدام عمالة وافدة اكثر من 110 مليون ريال في السنة  وقد تصل الى 600 مليون ريال عماني خلال الخطة الخمسية الثامنة بينما لم يخصص منها سوى حوالي 27 مليون ريال فقط  لمشاريع التدريب الوطنية خلال الخطة الثامنة، وهذه المبالغ تكفي لتأهيل ما بين 1600 و 2000 متدرب في السنة أي اقل من 3 % من الاعداد المفترضة كفرص عمل متوقع ان توفرها الخطة ، وهذا يعتبر تراجعا كبيرا في التزام الدولة بسؤولياتها بالرغم ان المساهمات يدفعها القطاع الخاص خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار انه في الخطة  الخمسية السادسة تم تخصيص بند مستقل  لتنمية الموارد البشرية بمبلغ 207 مليون ريال عماني اي بمعدل يزيد عن 40 مليون ريال عماني سنويا . ولا ادري هل تراجعت الحكومة عن ذلك بسبب رغبتها في توفيرالمال ام بسبب عجزها وفشلها في ادارة المشروع ، حيث انه من المؤسف  أن يتم الغاء الكثير من البرامج الحكومية رغم أهميتها بحجة فشلها ، والسبب الرئيس لذلك الفشل سوء الادارة والمعايير المستخدمة لتعيين القائمين على تلك المشاريع حيث لا تعتمد على تكليف الاشخاص المناسبين لإدارة تلك المشاريع وبالتالي تكون عملية الاصلاح بالإلغاء.

كيف سيؤدي رفع الحد الأدنى للأجور في تحسين الوضع على المدى الطويل؟

وفق أخر إحصائية لوزارة القوى العاملة حول الرواتب الأساسية في القطاع الخاص العماني حتى نهاية أكتوبر 2009م  وقبل زيادة الحد الأدنى للأجور  أشارت الى أن :-

  • أكثر من 30% من إجمالي القوى العاملة في القطاع الخاص لا يتجاوز أجورها 120 ريال شهريا وتشمل هذه الفئة أكثر من 27% من الذكور و 41% من الإناث العاملات في القطاع الخاص.
  • كما أن أكثر من 85% من العاملين في القطاع الخاص لا تتجاوز أجورهم 300 ريال عماني  وتشمل 86% من الرجال و83% من النساء.
  • وبالتالي فإن 85% من العاملين في القطاع الخاص أجورهم السنوية أقل من 50% من معدل دخل الفرد العماني،

وبالرغم من صدور قرار رفع الحد الأدنى للأجور فإن ذلك سيؤدي الى تعديل طفيف في الشريحة الاولى ذات 120 ريال ولكن سيبقى أكثر من 85% من العاملين في القطاع الخاص لن تتجاوز أجورهم 300 ريال عماني  وتشمل 86% من الرجال و83% من النساء.

ولرفع معدلات تلك الشرائح فإن الامر يتطلب وضع برامج وطنية لتأهيل العمالة الوطنية الجديدة لضمان اكتسابهم حرفة ومهنة وفرص عمل افضل لضمان خروجهم من دائرة مستوى الحد الادنى من الاجور والحذر من خطورة مصيدة التوظيف دون تأهيل وعلى أساس الحد الادنى للأجور  ، لما لذلك من تأثير كبير على مستقبلهم الوظيفي وعلى مؤشرات التنمية البشرية في السلطنة على المدى الطويل.

كيف يمكن معالجة الفجوة بين العرض والطلب في سوق العمل؟

مشكلتنا في عمان كما قلت أكثر من مرة غياب العمالة الوطنية المؤهلة والمدربة حيث أن قطاع التدريب التدريب في السلطنة ما زال يخضع وللأسف ومنذ عشرين سنة للكثير من التجارب والتقلبات دائما تتجه نحو الأسواء ولم يحالفه الحظ الاستقرار حتى الآن بالرغم من وجود استراتيجية للتنمية البشرية والسبب الرئيس لذلك هو غياب التخطيط السليم على المستوى الجزئي وعدم كفاءة الاجهزة القائمة على التدريب واجتهاداتها غير الموفقة التي تفتقد الاستمرارية وتتقلب  بما ينسجم مع  الرؤى القاصرة للقائمين عليها في مراحلها المختلفة ، ولقد حذرت من عواقب ذلك منذ سنوات كثيرة وها نحن الأن ندفع ثمن ذلك.

المشكلة الاخرى تكمن في اعتماد توصيات واتخاذ قرارات وعدم تطبيقها ، فعلى سبيل المثال إعتمدت الندوة الثالثة لتشغيل القوى العاملة الوطنية الكثير من القرارات للمساهمة في رفع نسب التعمين في القطاع الخاص ومن بين تلك القرارات  إعداد خطة خمسية للتدريب في مؤسسات وشركات القطاع الخاص بهدف تأهيل وتشغيل العمانيين حتى تتمشى مع الخطة الخمسية القادمة للحكومة لتنمية وتطوير الموارد البشرية ، ولم يتم تنفيذ ما يتعلق بتلك القرارات إلا زيادات النسب السنوية من التعمين وهنالك مشكلة كبيرة وستزداد مع سنوات الخطة السابقة للتوفيق بين العرض والطلب في القوى العاملة الوطنية ولمعالجة هذه الفجوة يجب علينا  تقويم ودراسة التجربة العمانية ومعرفة أسباب فشلها. وأكرر هنا المقترح الذي طرحته أكثر من مرة بإنشاء صندوق لتمويل برامج التدريب والتأهيل لخطط التعمين المعتمدة من لجان التعمين القطاعية ويؤول اليه جميع رسوم استقدام العمالة الوافدة  وتؤول إليه كذلك مسؤولية ادارة مقترح تدوير رسوم توظيف العمالة الأجنبية إلى القطاع الخاص.

ما هي أفضل آلية لمعالجة الوضع في الخطة الخمسية الثامنة؟

لقد قيل أن تنفيذ الخطة الخمسية الثامنة سيتطلب توفير ما يصل الى 275000 وظيفة جديدة ، ولقد سبق أن  أشرت بإن معظم المشاريع التي سيتم تنفيذها خلال الخطة الخمسية القادمة هي من مشاريع المقاولات والانشاءات ، فإن محدودية الإمكانيات البشرية الوطنية من حيث الكم والنوع ستؤدي إلى زيادة الاعتماد بصورة أساسية على العمالة المستوردة من جهة وزيادة الباحثين عن عمل من العمانيين في الوقت ذاته بشكل عام وفي قطاع المقاولات والانشاءات بشكل خاص بسبب صعوبة العمل من جهة وتدني الاجور من جهة أخرى ، وبالتالي سنجد فجوة كبيرة بين متطلبات تنفيذ المشاريع الواردة فيها والإمكانيات البشرية للسلطنة ، إلا اذا كان ذلك الزاميا بموجب القانون ، إلا أن ذلك سيسبب في المدى الطويل خلالا في التنافسية وكفاءة الاداء، وينتج عنه اضافة الى ذلك تعيين العمال في وظائف بأجور متدنية وسيكون لذلك انعكاسات سلبية على المؤشرات العامة للتنمية بسبب زيادة نسب العمالة المتدنية الاجور.

لقد  نما الى علمي أن من أهم سياسات وآليات الخطة الخمسية الثامنة في مجال النهوض بالتدريب والتأهيل المهني والحرفي للكوادر العمانية تتمثل في:-

  • تنظيم التدريب المهني بالقطاع الخاص لتطويرها
  • اقتران التدريب في القطاع الخاص بالتشغيل والتوسع في التدريب على رأس العمل.
  • التشديد على الشركات والمنشآت الخاصة للمشاركة في برامج التدريب والاستمرار في برامج التدريب المقرونة بالتشغيل ، وفي تطبيقها لسياسة التعمين بإلتزام تام.

لذلك فإن البداية يجب ان تنطلق بإيجاد تناغم وربط بين سياسات وآليات الخطة الخمسية الثامنة في مجال النهوض بالتدريب والتأهيل المهني والحرفي للكوادر العمانية والتشريعات المنظمة للعملية التدريبية في المؤسسات الخاصة ، حيث ما زال القائمين على العلمية التدريبية بوزارة القوى العاملة عاجزين عن التمييز بين (1) اللائحة التنظيمية للمؤسسات التدريبة الخاصة وهي معنية اساسا بتنظيم تسجيل وتصنيف المؤسسات التدريبية الخاصة  و (2) البديل عن لائحة المؤهلات المهنية الوطنية العامة والمؤهلات المهنية  الوطنية الصادرة بموجب قرار اللجنة العليا للتدريب المهني والعمل  رقم 3/96  والتي حلت محل لائحة تنظيم التدريب على رأس العمل والتدرج المهني.

حيث ان اللائحة التنظيمية للمؤسسات التدريبة الخاصة الصادرة بموجب القرار رقم  490/2010 صدرت لتكون بديلة عن اللائحة التنظيمية لمعاهد ومراكز التدريب المهني الخاصة الصادرة بموجب قرار وزير الشؤون الاجتماعية والتدريب المهني رقم  380/98 والتي حلت بدورها محل لائحة تنظيم المعاهد ومراكز التدريب المهني الخاصة الصادر بموجب قرار هيئة التدريب المهني 1/92 ، بينما لم يصدر أي بديل عن لائحة التأهيل على المؤهلات المهنية الوطنية العامة والمؤهلات المهنية  الوطنية الصادر بموجب قرار اللجنة العليا للتدريب المهني والعمل  رقم 3/96 التي صدرت خلال نفس الفترة ، و ما زالت قانوناً سارية المفعول حتى الان بالرغم من تجميد العمل بها ادارياً منذ سنة 2001 بدون صدور قرار رسمي بذلك،  ولقد نجم عن ذلك مشاكل كبيرة خاصة من الناحية التنظيمية والإجرائية ، علما أن تلك اللائحة حلت محل لائحة تنظيم التدرج المهني والتدريب على رأس العمل الصادر بموجب قرار اللجنة العليا للتدريب المهني والعمل  رقم 4/95 التي صدرت كتعديل للائحة تنظيم التدرج المهني والتدريب على رأس العمل الصادر بموجب قرار اللجنة العليا للتدريب المهني والعمل  رقم 2/92.

محمد بن عبدالله بن حمد الحارثي

رئيس الجمعية الاقتصادية العمانية

نائب رئيس اللجنة المشتركة للتعمين في قطاع التعليم الخاص (الجامعات والمدارس والمعاهد الخاصة)

Shopping Cart
Scroll to Top