قرار هيئة حماية المستهلك بين الحكومة والمجتمع
لقد اثار قرار الهيئة العامة لحماية المستهلك رقم 392/2014 بشأن حظر رفع اسعار بعض السلع الرأي العام العماني ولعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورا كبير في ذلك والمتتبع الحيادي للموضوع يلاحظ المشاركة الواسعة لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي التي تتسم بعمق عدم الثقة والغضب على المسؤولين الحكوميين الذين ينظر اليهم كفاسدين وانتهازيين .
و يرى البعض أنه يمكن من خلال تلك المقالات و التغريدات قراءة مقدار التغييرات السريعة التي تحدث في فكر المجتمع العماني ومستوى الثقافة والقيم والعلاقة مع الحكومة وكيف تطورت نظرة الناس الى الامور والقضايا المختلفة و من المؤكد أن السلطنة بحاجة الى وجود مؤسسات بحثية متخصصة لدراسة الاوضاع المجتمعية لدعم صناع القرار.
ومن الملاحظ كذلك ان معظم المداخلات لم ترجع لأصل القرار ولكن الى ما قيل حول القرار وتمحورت الملاحظات على نقطتين رئيسيتين :
الاولى :- قناعة شريحة واسعة من المواطنين بان الهدف من القرار هو دعم التجار وتكريس الاحتكار.
الثانية :- أن الحكومة قررت رفع يدها عن الرقابة فيما عدا ما يخص ٢٣ سلعة
والغريب في الامر ان عبارة الاحتكار التي تم استخدامها بشكل واسع تم استخدمها بعيدا كل البعد عن مفهومها المتعارف عليه علميا ودوليا ، كما ان كلمة “رقابة ” لم ترد في اي مكان من قرار الهيئة ، و هي حق قانوني أصيل للهيئة بموجب مرسوم تشكيلها ليست من صلاحية اية جهة حكومية سحب صلاحيتها ، كما أن الهيئة مستمرة ويجب ان تستمر في عملية الرقابة لجميع السلع والخدمات.
وإذا تأملنا في القرار بتأني وبعيد عن العاطفة نجد انه نص على (1) حظر زيادة أسعار السلع الأساسية والضرورية قبل موافقة الهيئة (2) ترك للجهات المختصة تحديد تلك السلع (3) كلف بتعديل قائمة تلك السلع كلما تطلب الأمر.
شخصيا قرار مجلس الوزراء الموقر قد لا يروق لي كمستهلك لأنه قد يزيد من اجمالي مصروفاتي الشهرية ، ولكن ليس بوسعي القول أنه غير سليم من الناحية الاقتصادية فلقد حاول معالجة الموضوع بشمولية واسعة من خلال الإقرار بمبدأ وجود قائمة مرنة بالسلع الأساسية والضرورية المعتمدة وكلف الجهات المختصة بمراجعة القائمة بشكل سنوي ورفع مقترحات تعديلها للمجلس الموقر وبالتالي فإن المشكلة هنا قد لا تكون في القرار ولكن في اختلاف الآراء حول السلع التي يمكن ان يشملها او لا يشملها القرار وكان بالإمكان كذلك التركيز على أسعار بيع الوكيل للمنتجات التي ليس لديها وكلاء متعددين في السلطنة .
إلا ان إصدار القرار قبل صدور مشروع قانون حماية المستهلك الجديد وقانون تعزيز المنافسة ومنع الاحتكار وتعديلات قانون الوكالات التجارية وقانون الجمعيات التعاونية و تزامنه مع قرب شهر رمضان المبارك قد ساهم في ردود الفعل التي تولدت من إصداره ويرى الكثير من المواطنين أنه لم يعالج اشكالية احتكار السلع التي ليس لديها وكلاء متعددين في السلطنة.
تعود القضية مدار الحديث الى سنة 2011 عندما أصدر سعادة الدكتور رئيس هيئة حماية المستهلك قرارا نص على انه يحظر على مزود السلع والخدمات زيادة الأسعار قبل موافقة الهيئة، وعملية استخدام عبارة المزود لم تأتي من فراغ فوفق التعريف القانوني له في السلطنة هو :-
” كل شخص طبيعي أو معنوي يقدم الخدمة أو يصنع السلعة أو يوزعها أو يتاجر بها أو يبيعها أو يوردها أو يصدرها أو يتدخل في إنتاجها أو تداولها كالوكيل والوسيط أو السمسار”
وبالتالي فان قرار حظر زيادة الأسعار دون موافقة الهيئة شملت جميع انواع السلع والخدمات دون استثناء ، وبمعنى اخر لا يمكن بجانب السلع الاستهلاكية والضرورية حتى زيادة بيع أسعار البترول ولا الذهب ولا بقية السلع التي تتداول في البورصات العالمية و يتغير سعرها من دقيقة الى اخرى وكذلك أسعار تذاكر السفر والتي تمنح تخفيضات موسمية وأسعار الأسهم في سوق مسقط للأوراق المالية التي تتغير وفق اداء الشركات بالزيادة والنقصان و اسعار خدمة السباك … الخ.
مثل هذه السياسات كانت محور السياسات في الاتحاد السوفيتي والصين والهند وأدت الى فشل أسواقها وتأخر تطورها الاقتصادي … وانهيار الاتحاد السوفيتي بينما تداركت الصين والهند الامر وغيرت من سياساتها وشهدت نموا اقتصاديا كبيرا وارتفاعاً غير مسبوقاً في المستويات المعيشية ، من المؤكد ان اقتصادنا يختلف عن اقتصادهم لأننا دولة استهلاكية وتعتمد على الاقتصاد المبني على الريع وأسواقنا استهلاكية ومفتوحة وتعتمد بشكل أساس على الواردات ولكن المشكلة في هذا القرار أنه مثل الابرة المخدرة ويمكن ان يصمد مفعولها على المدى القصير ولكن ليس على المدى الطويل باعتبار أن الاقتصاد العماني مكشوف للأسواق العالمية ولا يعمل في جزيرة مغلقة ، ومعظم السلع التي نستهلكها سواء كانت مواد خام او سلع نهائية نستوردها من الأسواق الخارجية و ليس بوسعنا التحكم في أسعارها سواء بسبب التغييرات في اسعار العملات مقابل الدولار او زيادة تكلفتها من الدول المصدرة لسبب او اخر ، ولقد ادى ذلك القرار الى التوقف عن استيراد العديد من السلع بسبب عدم الموافقة على زيادة أسعارها ، لأن التاجر لا يمكن أن يستمر في استيرادها وبيعها بخسارة. واستمرار القرار على المدى الطويل سيؤدي الى نقصان توفر بعض السلع في السوق المحلي وإيجاد البيئة المناسبة لخلق ما يسمى بالسوق الاسود .
شخصيا لا اعرف أية دولة في العالم يتطلب فيها موافقة الحكومة على زيادة كافة أسعار السلع والخدمات ، هنالك دول فرضت ذلك على سلعة او أكثر لسبب او اخر ولكن ليس على جميع السلع والخدمات وهنالك دول وصلت نسبة التضخم فيها اكثر من 30% ولم تخاطر باتخاذ مثل هذا القرار.
وسأحاول في هذا المقال أن اسلط الضوء على بعض المفاهيم عسى ان تساعدنا في التوصل لفهم افضل لكيفية عمل اقتصاديات الدول :-
بداية يجب ان ندرك أن السياسات الاقتصادية لآي دولة تنبثق عن نظامها السياسي ويجب ان تكون في مجملها منسجمة مع بعضها الاخر وغير متناقضة ولا يمكن ان تعتمد الدول على سبيل المثال نظام الاقتصاد الحر وتتخذ سياسات اقتصاد التخطيط المركزي ، و في السلطنة يمثل النظام الأساسي للدولة الإطار القانوني لتنظيم عمل الدولة و أصبح النظام الأساسي للدولة ، منذ إصداره ، يشكل الأساس لكافة التشريعات القانونية كما أنه يعتبر المرجعية النهائية للسلطة القضائية في سلطنة عمان.
ولقد حدد النظام الاساسي بوضوح المبادئ الموجهة لسياسة الدولة في الجانب المدني بما في ذلك المبادئ السياسية والاقـتصادية والاجتماعية والثـقافية حيث تم تحديد معالم المبادئ الاقـتصادية على أساس أن الاقـتصاد العماني أساسه العدالة ومبادئ الاقـتصاد الحـر ، وقوامـه التعاون البناء المثمـر بين النشاط العـام والنشاط الخاص ، وهدفـه تحقيق التـنميـة الاقـتصاديـة والاجتماعية بما يـؤدي الى زيـادة الانتـاج ورفع مستـوى المعيشـة للمواطنين وفقا للخطة العامة للدولة وفي حدود القانون كما أن حـرية النشـاط الاقـتصادي مكـفـولة في حـدود القانـون والصالح العام وبما يضمن السلامة للاقـتصاد الوطني.
و يتفق فقهاء القانون الدولي والاقتصاد على أن حرية التجارة تتضمن ثلاثة انواع من الحريات الاقتصادية ، وتضم أساساً حرية ممارسة النشاط ، وحرية المنافسة . كذلك تضم أيضاً وبالضرورة ، ولكن بصورة تبعية، حرية التعاقد .
اولا :- حرية ممارسة النشاط :
إن حرية ممارسة النشاط هي إحدى الحريات العامة، التي تتقرر ولو دون نص خاص إذا كانت هذه الحرية فرعا من حرية التجارة، فإنها بدورها تضم ثلاثة أنواع من الحريات .
- أما الحرية الأولى فهي حرية إقامة النشاط: وهذه الحرية تفترض الاعتراف لكل مواطن بالحق في الوصول إلى ممارسة أي نشاط مهني لا يكون محلا لتقييد قانوني. ويترتب على ذلك أنه لا يجوز لأي إدارة حكومية من دون سند تشريعي ، أن تحظر إنشاء منشأة ما ، أو أن تفرض نظام الترخيص . أو نظام الإخطار أو أن تمنح احتكار لمشروع.
- حرية استغلال النشاط: القاعدة أنه إذا كان القيام بالنشاط خاضعا لتصريح فإن الاستغلال نفسه لا يكون خاضعا للرقابة. كذلك لا يجوز تقييد بعض أشكال من الإدارة، أو تقييد استخدام بعض الأساليب أو المنتجات، أو فرض أساليب أخرى. وفي هذا المعنى تقرر الكثير من المحاكم الدستورية بأن الحق في إدارة الأعمال فرع من جواز مباشرتها قانونيا، ويفترض أن تخلص لأصحابها تنظيم شؤونها، بما في ذلك ، اختيار وكلائهم في مجال تسييرها.
- حرية العمل: وهذه الحرية تستبعد فرض قيود على الشخص الذي يريد العمل ؛ فهو حر في أن يعمل أو لا يعمل ، أو أن يترك عمله ، أو أن ينتقل من عمل إلى آخر . كما أنها تستبعد أيضا فرض قيود على صاحب العمل ؛ لأنه حر في أن يلجأ إلى التعاقد مع العمال أو ألا يتعاقد معهم ، كما أنه حر أيضا في فصلهم أو عدم فصلهم . ولهذا السبب ؛ فإنه لا يجوز للإدارة ، خارج النصوص التشريعية أن تحظر على صاحب العمل ، ولا أن تفرض عليه ، سواء تشغيل العمال أو فصلهم.
ثانيا :- حرية المنافسة :
إن حرية المنافسة تعني أن يسمح للأفراد بمزاولة نشاطاتهم في نظام تنافسي دون تدخل من جانب السلطات العامة . وهذا التدخل يأخذ تقليديا إحدى صورتين :
- الأولى فهي تدخل السلطة العامة عن طريق منح بعض المشروعات مساعدات من شأنها الإضرار بالبعض الآخر . وفي هذا المعنى يؤكد مجلس الدولة الفرنسي أنه “لا يدخل في اختصاصات الأشخاص العامة أن تمنح إعانات من أموال عامة إلى مشروع خاص لتدعيمه في منافسة ضد سائر تجار المنطقة.
- الثانية فهي أن يحظر على السلطات العامة أن تقوم بنشاطات منافسة للمشروعات الخاصة. وهذا الحظر مستمد من تفسير واسع لقانون 207 مارس 1791 الفرنسي . ومؤدى هذا التفسير أن بالامتيازات والوسائل الاستثنائية للأشخاص العامة تؤدي إلى الأضرار بالمنافسة مع المشروعات الخاصة ومن هنا ، كان المبدأ التقليدي يفرض عدم منافسة الأشخاص العامة ، ليس فقط في مجال التجارة والصناعة ، ولكن أيضا في أي نشاط يمكن أن يعتبر مهنة ، لأن هذه النشاطات محجوزة للأفراد .
واستنادا إلى هذا التفسير التقليدي لمبدأ حرية المنافسة ، استقر مجلس الدولة الفرنسي منذ فترة طويلة على أن “النشاطات التجارية محجوزة من حيث المبدأ للمبادرة الخاصة ” ولا يجوز للدولة أن تنشئ نشاطا ، إلا إذا كان القانون يجيزه. ولم يستثن المجلس من هذا الحظر إلا الحالات التي تلجأ فيها الأشخاص العامة إلى إشباع الحاجات الخاصة بإدارتها وباستخدام وسائلها الخاصة ، بمعنى أنه يجوز على سبيل المثال أن تلجأ إحدى المدن ، عن طريق عمالها ، إلى أعمال الطباعة الضرورية لتسيير إدارتها. غير أنه حتى في نطاق هذا الاستثناء فإن قاعدة عدم المنافسة ما زالت مطبقة ، فلا يجوز لإدارة الإمداد لإحدى منظمات الشباب أن تبيع للجمهور أدوات رياضية، ولا يجوز لإدارة المتفجرات أن تبيع للجمهور ذخيرة للصيد .
الاحتكار
عند التحدث عن الاحتكار يجب عدم التعميم بسبب وجود تصنيفات مختلفة له ومن المناسب كذلك الإشارة الى انه عندما تم تصنيف انواع الاحتكار فان ذلك قد تم في دول صناعية تنتج معظم تلك السلع ومشكلة زيادة الطلب على الانتاج قد يسبب نقصا في العرض واليوم مع انفتاح الاسواق العالمية وسهولة الاستيراد مع وجود البدائل تبقى هذه الاحتمالية افتراضية إلا في حالات محدودة للغاية ولقد صنف الاستاذ عبدالله شحاتة خطاب في احدى دراساته انواع الاحتكار على النحو الموضح ادناه والتي اوردها مع نوع من التصرف لشرح الوضع العماني :-
الاحتكار المطلق Absolute Monopoly
ويظهر هذا النوع في الدول الصناعية إذا كان الناتج النهائي لإحدى السلع أو الخدمات لا يوجد لها بديل من أي نوع وتحت هيمنة مزود أساسي واحد كما هو الحال في الإبداعات الإنتاجية الجديدة مثل منتجات برمجيات مايكروسوفت ولا يعتبر المنتج محتكرا طالما أن هناك بدائل له .
وفي حالة عمان نفترض ان الحكومة منعت استيراد الموز كليا من الخارج واستثنت احد التجار من ذلك وأصبح ذلك التاجر يحتكر سوق الموز فانه يستطيع التحكم في سعره كما يشاء ويختلف الوضع هنا اذا كانت السلعة المستوردة هي الأرز لان في الحالة الاولى يوجد بديل للمور في السوق المحلي بينما لا يوجد بديل الأرز كسلعة ولكن يمكن استبداله بالدقيق او المعكرونة على سبيل المثال وهنالك نوع اخر يسمى
الاحتكار الثنائي ( من جانب المشترين ) Duopsony
وقد ظهرت مثل هذه الحالة في بعض الاسواق الصناعية التي تنتج مواد لا يستهلكها إلا مشترين اثنين فقط كمواد خام تستهلكها شركات النفط والغاز المحتكرة من الدولة وينبغي في هذه الحالة على المنتج ان يتفاوض مع المستهلك الذي يحتكر سوق الاستهلاك
وعكس ذلك الاحتكار الثنائي ( من جانب المنتجين ) Duopoly
وتعتبر من انواع المنافسة غير الكاملة وفي هذه الحالة يكون هناك منتجين اثنين فقط يقومان بإنتاج السلعة وقد يؤدي ذلك الى احتدام التنافس بينهما الى حد تكبد الخسائر او الإفلاس وعادة ما يلجاء الطرفين للاتفاق على اقتسام السوق فيما بينهما، ربما على أساس مناطقي بحيث يقبل كل منهما عدم منافسة الآخر في نصيبه من السوق وأقرب مثال على ذلك الاتفاق بين مطاحن الدقيق في عمان والإمارات على عدم التنافس وتقاسم الاسواق دون الخوض في التفاصيل.
وهنالك ما يسمى احتكار القلة Oligopoly
وهذا نوع من انواع المنافسة غير الكاملة حينما يتواجد عدد قليل فقط من المزودين ، وذلك على العكس من المنافسة الكاملة التي يوجد فيها عددا كبيرا منهم . ويمكن التمييز بين نوعين من احتكار القلة، وهما:
- احتكار القلة الكامل حيث تكون السلعة متجانسة،
- واحتكار القلة غير الكامل حيث تظهر بعض درجات التمييز فيما بين المنتجات
وفي حالة المنافسة الكاملة لا يكون بوسع المزود تحديد الأسعار بمفرده ، اما في حالات احتكار القلة تتأثر سياسة تسعير المنتجات بالسياسات التي يتبعها مزود المنتجات المنافسة.
وفي حالات احتكار القلة الكامل، لا يكون للمستهلكين تفضيل خاص لمنتجات أحد المشروعات دون المشروعات الأخرى. وحيث تكون السلعة متجانسة ، فإن أي منتج يقوم بتخفيض أسعاره سوف يؤدي إلى حدوث تخفيضات مماثلة من جانب بقية المنتجين. وعادة ما تؤول القيادة السعرية إلى أكبر المشروعات حجما.
أما في ظل حالات احتكار القلة غير الكامل فإن أثر التمييز – حتى ولم يزد عن كونه مجرد استخدام العلامات التجارية – يؤدي إلى أن يصبح أحد المنتجات بديلا غير كامل بالنسبة للمنتجات الأخرى. وفي هذه الحالات تزداد حدة المنافسة، أي تميل لأن تأخذ شكل المنافسة المدمرة. وقد يأخذ ذلك صورة حرب تخفيضات الأسعار ولكن حيث تذهب جميع المزايا التي يتم الحصول عليها من تخفيضات الأسعار إلى أول مشروع يقوم بذلك فقط، فقد يكون من الأفضل القيام بحروب الدعاية والإعلان بدلا من ذلك.
احتكار القلة غير الكامل Imperfect Oligopoly
تحدث هذه الحالة حينما يقع إنتاج إحدى السلع في أيدي عدد قليل فقط من المنتجين، ويتم تمييز منتجاتهم بطريقة أو بأخرى مثل إعطاء أسماء معينة للمنتجات. ومن الممكن أن يكون التمييز محدودا للغاية، كما يمكن أن يرجع بدرجة كبيرة إلى حملات الدعاية التي يقوم بها المنتجون المنافسون، حيث يسعى كل منهم لجعل المستهلكين يعتقدون بأن منتجه يفوق جميع المنتجات الأخرى. وعلى ذلك فعادة ما يؤدي احتكار القلة غير الكامل إلى حدوث المنافسة القاتلة، والتي تأخذ شكل حرب أسعار أو حرب دعاية.
احتكار القلة الكامل Perfect Oligopoly
إحدى صور المنافسة غير الكاملة التي تكون فيها السلعة متجانسة مع وجود عدد قليل فقط من المنتجين. وفي هذه الحالات يسود سعر واحد فقط في السوق، وعلى ذلك فإن قيام أحد المنتجين بإجراء تخفيض ما في الأسعار سوف يؤدي لقيام بقية المنتجين بإتباعه في عمل ذلك. وتؤول القيادة السعرية في أغلب الأحوال – رغم أنها ليست في كل الأحوال – إلى أكبر المنتجين نصيبا في السوق.
الاحتكار المتبادل Bilateral Monopoly
يظهر هذا النوع من الاحتكار عندما يوجد مشترٍ واحد فقط للسلعة أو الخدمة، وكذلك منتج واحد فقط لهذه السلعة أو الخدمة. وقد تحدث مثل هذه الظاهرة في حالة الصناعات المؤممة التي تفرض احتكارا كاملا على بعض أنواع الإنتاج، ومن ثم تصبح هي المتحكم الوحيد في بعض الأنواع الخاصة من العمل المطلوب. وفي المقابل يكون جميع مقدمي خدمة العمل في هذه الحالة أعضاء في اتحادات أرباب الحرف. ومن ثم فإن المناقشات فيما بين أصحاب العمل والعمال ستتم بذلك بين اثنين من المحتكرين.
احتكار المشتري Monopsony
ويظهر هذا النوع من الاحتكار عندما يوجد مشترٍ واحد فقط بالنسبة لإحدى السلع أو الخدمات.
بالعودة الى القرار يجب ان نتسأل لماذا اتخذ هذا القرار اساسا في سنة 2011 ولماذا تم تعديله في سنة 2014م ، المنطق يقول ان السبب الوحيد لذلك هو كبح التضخم، و لكن هل الآليات التي تم التوصل اليها هي افضل الممارسات لعملية مكافحة التضخم بالأخذ في الاعتبار ان آليات مكافحة التضخم متعارف عليها اقتصاديا وتختلف مع اختلاف انواع التضخم ، وأن هذه الطريقة في علاج هكذا مشكلة تعتبر خاطئة ؛ لأن هنالك أسسا علمية لمكافحة التضخم ، وهذه ليست إحداها ، وان علاج التضخم يختلف باختلاف مسبباته ، ففي حالة التضخم الناشئ عن زيادة الطلب على السلع والخدمات -وهو النوع الشائع في معظم حالات التضخم- تستخدم الدولة ما يسمى بالسياسة المالية لتخفيض الطلب الكلي ليتساوى مع العرض الكلي من السلع والخدمات ، وعندما تقلل الحكومة من إنفاقها في الميزانية فهي تخفض الإنفاق الكلي في المجتمع ، وإذا صاحب ذلك زيادة الضريبة فإن أثر الضريبة يقع على الأفراد ؛ حيث تسحب الحكومة منهم جزءاً من النقود التي في أيديهم ، فيقل طلب الأفراد على السلع والخدمات ، وتباعا سيقل الطلب الكلي ، ويمكن أيضا للدولة تخفيض كمية النقود المعروضة في الاقتصاد عن طريق رفع نسبة الاحتياطي القانوني ، مما يقلل السيولة في أيدي الأفراد والبنوك والمؤسسات.
اذا ماذا كان مرمى الهيئة ؟ وهل تم تدارس المشكلة بوضوح قبل تقديم جرعات الدواء؟ وهل كانت الإشكالية في ارتفاع الأسعار او في انخفاض مستوى الدخل؟ وهل هنالك مبالغة بالفعل في الأسعار وتجار عمان يتسمون بالجشع على عكس بقية تجار دول العالم الاخرى ؟ وهل تلك المبالغة تشمل جميع السلع والخدمات ام تشمل سلع وخدمات محددة وما هي تلك السلع والخدمات ؟ ولماذا تم تعميم جرعة الدواء لتشمل المزود بمفهومه الواسع ؟ أليس كان من الاولى ان يشخص المرض ويحدد ما الذي يراد معالجته قبل تقديم وصفة الدواء و أن يتحمل كل طرف مسؤولياته وان لا يحمل طرف مسؤوليات غيره ؟
وإذا كانت هنالك حالات من التجاوزات والغش آلتي نرفضها جميعنا هل يتوجب علينا فرض عقوبات جماعية تشمل الفاسدين والصالحين ام يتوجب علينا ان نتوحد في مجابهة تلك الحالات الشاذة والمرفوضة من جميع أفراد المجتمع العماني.؟ وهل بوسعنا النظر في الموضوع بعيدا عن واقع ان هنالك ٤٥٠ الف باحث عن عمل بين الآن وسنة 2020 المطلوب من القطاع الخاص استيعابهم في المرحلة المقبلة ، هل هذا الجو سيساعد على التوسع في الاستثمار و توليد فرص العمل ام سيؤدي الى هروب راس المال وتقليص نسبة التوظيف في القطاع الخاص ؟، وهل نحن بحاجة الى فتح جبهات مواجهة مع الصالحين والفاسدين ام محاربة الفساد وخلق شراكات تخدم جميع شرائح المجتمع.؟
لقد لعبت الهيئة العامة لحماية المستهلك وهي احدى المؤسسات التابعة للدولة دوراً محوريا هاما في السنوات الماضية وكسبت مصداقية كبيرة ليس لدى المواطنين والمقيمين فقط بل لدى الكثير من الحافل العربية والدولية والفضل يعود الى القيادة التي حظيت بها الهيئة والتي يجب ان ينظر اليها كنموذج يحتذى بها وتمثل املا في امكانية تطور الأداء الحكومي في حالة وجود القيادات المناسبة التي لديها الشجاعة والرغبة في التغير و من المؤكد ان دور الهيئة في المرحلة القادمة سيكون اقوى بكثير من المرحلة السابقة لأن اهتمامها تركز بشكل رئيس على مراقبة الاسعار بينما دورها اهم وأوسع من ذلك بكثير وسيكون امامها ضمان الحقوق العالمية الثمانية للمستهلك التى أقرتها الأمم المتحدة علما ان مراقبة الاسعار لا تدخل ضمن تلك الحقوق وتتمثل في (1) حق المستهلك فى الوصول للمعلومات التى من شأنها تمكينه من كافة حقوقه الأخرى ، والنشر المعرفى لمفهوم حقوقه ومكنوناته على المجتمع .(2) حق السلامة والأمان ، حيث يتوجب على الحكومة وجهاز حماية المستهلك اتخاذ كافة الاجراءات اللازمة للحماية من المنتجات والخدمات الضارة … وتوفير كل المعلومات التي تمكن المجتمع من حماية نفسه (3) حق الاختيار بين البدائل الكثيرة للمنتجات والسلع ، ودور جهاز حماية المستهلك تشجيع منافسة المزودين لحصول المستهلك على افضل المنتجات وبأدنى تكلفة ، ودوره كذلك في توفير المعلومات عن المنتجات والسلع وبدائلها للمستهلك .(4) حق المستهلك في ابداء رأيه ووصول اعتراضه لمقدمى السلع والخدمات ، من خلال جمعيات وروابط للمستهلكين ، وتوفير المعلومات اللازمة له حول كيفية تقديم مقترحاته وشكاواه .(5) الحق فى التعويض عن أى أضرار تتعرض له نتيجة استهلاك السلع والخدمات ، ودور الحكومة هو ضمان سياسات تعويض عادلة وسريعة، ومحاسبة للمسئولين عن الضرر ، وتوفير كافة المعلومات للمستهلك عن كيفية تقديم الشكاوى والمطالبة بحق التعويض (6) على الهيئة والمؤسسات المنتجة للخدمات والسلع التزام تجاه المستهلك بتنفيذ برامج توعية تناسب أوضاع مختلف فئات المستهلكين الاجتماعية والاقتصادية وتراعى عدالة برامج التوعية بين الريف والحضر (7) حق حماية الاحتياجات الأساسية من اخطار ممارسات السوق غير القانونية مثل عمليات الاحتكار ، وتحكم شركات الأدوية فى الأدوية الحيوية ، وإمداد المستهلك بكل المعلومات عن الاجراءات اللتي تتخذها لحماية حقه (8) حق ضمان ان عمليات الانتاج ومنتجاتها لا تحمل أضرار مستديمة وخطيرة على البيئة ، وحق معرفة آثار عمليات التصنيع والإنتاج التي لها دور فى التأثير على البيئة التي نعيشها.
الرهان اليوم على توفير المناخ الملائم لسوق تنافسية حرة من خلال تقوية مؤسسات الدولة ومعالجة عيوبها والتعامل مع قضايا الفساد الإداري وتقوية فرض هيبة القانون وضمان تكافؤ الفرص للأفراد والالتزام بمبادئ الحكم الرشيد وإصدار قانون تعزيز المنافسة ومنع الاحتكار وإلغاء النصوص الاحتكارية في قانون الوكالات التجارية وحرية ممارسة النشاط الذي يفتح المجال لاستيراد الأسعار التي أسعارها مرتفعة في السوق المحلي وبيعها بأسعار اقل وقانون حماية المستهلك الجديد وقانون الجمعيات الأهلية والتي يتوجب الإسراع في إصدارها لأنها جزء مكمل من العملية وكان ينبغي صدور جميع تلك القوانين في نفس توقيت صدور قرار الهيئة.
و اذا كان الهدف من قرار الهيئة العامة لحماية المستهلك توفير العيش الكريم للمواطن فليتحمل الجميع مسؤولياتهم ولتقم الدولة بتحديد خط الفقر ولتضمن لكل أسرة عمانية الدخل الأدنى المحدد لتجاوز خط الفقر وليكن بعد ذلك إلغاء الدعم وتوجيه مخصصاته لمعالجة تلك الفروقات ولتستخدم بعد ذلك السياسات المالية سواء عن طريق الضرائب او الأدوات الشرعية من خلال تحسين مستوى جباية الزكاة لتعزيز الموارد المالية الكفيلة بتوفير العيش الكريم للمواطن ، وإذا لم يكن بوسعها فعل ذلك عليها أن توفر البيئة التنظيمية والتشريعية من قبيل اصدار قانون الزكاة ولتترك للمجتمع تنظيم اموره من خلال إنشاء لجان محلية في كل ولاية من ولايات السلطنة يشرف عليها سُرَاة القوم وأعيان الولاية تحصر المحتاجين وتلعب دورها في عملية التكافل الاجتماعي ولنستفيد من الإرث التاريخي العماني ولنا العبرة في عهود الإمام ناصر بن مرشد اليعربي ، أول أئمة اليعاربة الذي عقدت له الإمامة سنة سنة 1615م، لولاته ، وهي عبارة عن رسائل تكليف يحدد فيها المنطقة التي يتم التولية فيها الحكم ويوصي فيها الوالي ونفسه وجميع المسلمين بتقوى الله واللزوم على طاعته ……. وأن توالي في الله وتعادي فيه ولا تأخذك في ذلك رأفة ولا رحمة ولا تخف في الله لومة لائم ولا عذل مجرم آثم، وأن تخلط الشدة باللين، وأن تخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين، وأن تعرف لِكُلّ امرئ حقّه وتوفيه إياه كاملاً وتؤتي ذا القربى حقّه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون، فالله الله يا أبا الحسن في اقتراف الحسنات وإنكار المنكرات بغير تجاوز منك إلى غير واجب أوجبه الله في الجد والتشمير وترك التهاون والتقصير، وأن نجتهد كلّ الجهد في إصلاح أهل ولايتك وإصلاح أفلاجهم وعمارة مساجدهم والصفح عن مسيئهم والتجاوز عن سيئاتهم ما وسعك من ذلك، وأن تقبض زكواتهم من أغنيائهم بحقها وتجعلها في أهلها من فقرائهم وضعفائهم بعدلها، طيبة نفس معطيها، إلا من وجب جبره ولا يخفى عليك إن شاء الله، فالله الله يا أبا الحسن في التفحص عن فقيرهم وضعيفهم من جميع أماكن ولايتك لتساويهم من مال الله ما وسعك من ذلك، ولا تدعهم يتعسفون إليك من السغب والعرى، واجعل لهم أعواناً من إخوانك ليتفحصوا عنهم فإن كثيراً من الفقراء يقصر عن المجيء إليك من حياء أو ضعف، فيقف عنك وهو في ضرر عظيم من شدّة فقره وفاقته، ……. وقد جعلت لك إطعام الضيف النازل على قدر ما تراه عدلاً من آثار المسلمين ولا تأتمن على ما ائتمنتك عليه من أمانتي التي أنا أمين لله فيها إلا من هو حقيق بذلك في دين المسلمين وقد جعلت لك حماية البلاد والذب عنها عن الحريم والعباد، وألزمت جميع أهل القرى طاعتك وحجرت عليهم معصيتك ما أطعت الله ورسوله((ص)) فيهم وقمت بما شرطته عليك في عهدي هذا إليك، فإن خالفت إلى غير ما أمرتك به فأنا ومال المسلمين بريئان منك وأنت المأخوذ به في نفسك ومالك. وأعلم أنه لا أثرة عندي لظالم ولا حيف عندي لمسلم، بل إرادتي إعزاز دين الله عزّ وجل وإحياء سنن النبي((ص)) المرسل وإظهار دعوة المسلمين والأخذ على أيدي الظالمين وإخماد كلمة المعتدين وكسر شوكتهم وإطفاء بدعتهم وتفريق جماعتهم التي يجتمعون فيها على الحرام والخوض في الآثام وانتهاك عظيمات الأمور ما استطعت إلى ذلك.
الشيخ محمد بن عبدالله بن حمد الحارثي
رئيس مجلس ادارة الجمعية الاقتصادية العمانية
24 يونيو 2014م

