مقال بعنوان مشروع ميزانية 2012
نوفمبر 2011م
Top of Form
ميمم
أود أن أشير أولا بأنه لم يتم نشر أية معلومات عن موازنة سنة 2012م وان هذا التحليل مبني على ما نشر في وسائل الإعلام المحلية بتاريخ 29 أكتوبر 2011م بأن مجلس الشؤون المالية وموارد الطاقة ناقش مشروع الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2012م والتي تتضمن الإطار العام لتقديرات الميزانية وتفاصيل الإيرادات والإنفاق والعجز علاوة على الأسس والافتراضات التي بنيت عليها التقديرات، وبأنه تمت مناقشة بنود الميزانية في ضوء متطلبات مستويات الإنفاق العام للوفاء بالالتزامات المالية والاجتماعية والتنموية من ناحية وللحفاظ على معدل مناسب من الناحية الاقتصادية للعجز، كما تم احتساب سعر برميل النفط العماني المصدر على أساس (75) دولارا أمريكيا في تقديرات الميزانية العامة لعام 2012م.
مما لا شك فيه أن تلك الأرقام تؤكد أن تقديرات الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2012م خرجت عن تقديرات الإيرادات والمصروفات الحكومية وفق الإطار المالي لخطة التنمية الخمسية الثامنة (2011 – 2015) الصادر في مقتبل هذا العام والذي اعتمد احتساب الإيرادات النفطية بمبلغ 58 دولارا أمريكيا للبرميل في تقديرات الميزانية العامة لعام 2012م ، حيث بلغ الفرق بين التقديرين 17 دولارا للبرميل أي بما يزيد عن 29% عن المبلغ المقدر في بداية هذه السنة.وربما تنسجم هذه التقديرات مع التطورات التي حدثت في السلطنة خلال الأشهر الماضية.
المتتبع للأرقام المنشورة يجد أن إيرادات السلطنة زادت خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي بنسبة 44.2 بالمائة لتبلغ 8.3 مليار ريال مقارنة مع 5.7 مليار ريال خلال الفترة نفسها من العام الماضي وقد جاء ارتفاع الإيرادات العامة مدعوما بزيادة صافي عائدات النفط بنهاية سبتمبر الماضي بنسبة 62.6 بالمائة مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي بعد أن سجل المتوسط السنوي لسعر خام النفط العماني 102.06 دولار بنهاية سبتمبر الماضي كما أشارت بيانات النشرة الإحصائية إلى أن إيرادات النفط خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي بلغت 6.4 مليار ريال مقارنة مع 3.9 مليار في الفترة نفسها من عام 2010 م و إيرادات بيع الغاز خلال نفس الفترة زادت بنسبة 19.2 بالمائة لتصل 806 ملايين ريال مقارنة مع 677 مليونا في أول تسعة أشهر من العام الماضي ، وشهد إجمالي الإنفاق العام للسلطنة في نفس الفترة زيادة بنسبة 16.5 بالمائة مرتفعا إلى 6 مليارات و70 مليون ريال ورغم هذا الإنفاق الكبير فقد سجلت المالية العامة للسلطنة فائضا قدره 906 ملايين ريال خلال الأشهر التسعة الأولى من العام.
اعتقد أن سبب اعتماد وزارة المالية 75 دولار سعر بيع النفط في تقديرات الميزانية العامة لعام 2012م عدم وجود بديل لديها إلا زيادة التقديرات في البيع حتى تخفض من توقعات العجز في ضل التزام الحكومة في الاستمرار في الإنفاق في المشاريع المخطط لها وعدم وجود بوادر في إعادة تقييم الجدوى في الكثير من مشاريع الخطة الخمسية المشكوك في جدواها وكذلك شعورها بعدم وجود أية مشكلة في تغطية العجز عبر العوائد الإضافية للنفط مع ارتفاع سعر النفط العماني مقارنة بالسعر المقدر في الميزانية وتوقعها بأن تستمر أسعار النفط الخام عند مستويات مرتفعة، الأمر الذي سيوفر لها الراحة في إطار استمرارها في برنامجها الانفاقي.
شخصيا لا اعتقد انه ينبغي أن نشغل أنفسنا كثيرا بالرقم المعتمد لتقدير أسعار النفط بالرغم من اهميته لأن هنالك ما هو أهم من ذلك بكثير ينبغي التركيز عليه خاصة انه من خلال نظرة سريعة إلى أرقام الميزانية لا أرى فيها سوى مجرد قائمة أولية بالمصروفات التي سيتم اعتمادها لمختلف الوزارات والمشاريع التي ستستفيد منها خلال السنوات القادمة ولا يمكنني أن انظر إليها على أنها تمثل خطة تنموية متكاملة ، كما أن أرقام التقديرات والإنفاق الفعلي لا يلتزم بها عادة بسبب استيعاب مشاريع خارج الخطة آو إلغاء مشاريع مخطط لها ، وتوضح الجداول أدناه أن معدل الزيادة في الإيرادات عن المتوقع خلال السنوات الخمسة الماضية بلغت 81و31 % بينما معدل الزيادة في الإنفاق عن المخطط كانت 80و19 % ونسبة الزيادة في المصروف الفعلي عن المعتمد خلال السنوات الخمسة الماضية حوالي 32.58 % ، بينما اشارت جداول التوزيع الأولي للاستثمارات المستمرة والجديدة بالخطة الخمسية الثامنة وفق كتيب كلمة معالي وزير الاقتصاد الوطني في بداية هذه السنة أن الاعتمادات المستمرة المتوقع ترحيلها من الخطة الخمسية السابعة كانت حوالي 6.4 مليار ريال بينما صافي المصروفات الاستثمارية المعتمدة في الخطة السابقة كانت 5.4 مليار ريال ، وفي الوقت الذي تجاوز فيه المصروف الفعلي في سنوات الخطة الخمسية السابعة المعتمد بمبلغ 8.3 مليار ريال.
| إجمالي الإيرادات | إجمالي الإنفاق العام | ||||||||
| السنة | المعتمد | الفعلي | الزيادة | % الزيادة | المعتمد | الفعلي | الزيادة | % الزيادة | |
| 2010 | 6380 | 7916 | 1536 | 24.08% | 7180 | 7965 | 785 | 10.93% | |
| 2009 | 5614 | 6748 | 1134 | 20.20% | 6242 | 7429 | 1187 | 19.02% | |
| 2008 | 5400 | 7638 | 2238 | 41.44% | 5800 | 7560 | 1760 | 30.34% | |
| 2007 | 4490 | 5920 | 1430 | 31.85% | 4890 | 5880 | 990 | 20.25% | |
| 2006 | 3587 | 4980 | 1393 | 38.83% | 4237 | 4936 | 699 | 16.50% | |
| السنة | الإيرادات المعتمدة | الإنفاق الفعلي | الزيادة | % الزيادة |
| 2010 | 6380 | 7965 | 1585 | 24.84% |
| 2009 | 5614 | 7429 | 1815 | 32.33% |
| 2008 | 5400 | 7560 | 2160 | 40.00% |
| 2007 | 4490 | 5880 | 1390 | 30.96% |
| 2006 | 3587 | 4936 | 1349 | 37.61% |
ومع هذه الفروقات الكبيرة بين التخطيط والواقع فإنه يتضح أن الميزانيات خلال الخطة السابقة كانت استرشادية فقط وليست إلزامية وتأثيرا لمشاريع المرحلية عليها أهم بكثير من تحقيق أهداف التنمية المستدامة ، كما نجد أن السنة الأولى من الخطة الخمسية الثامنة تسير على نفس نمط الخطة الخمسية السابقة تغيرت بعض الوجوه التي تظهر على شاشات التلفزيون والسياسات ثابتة، وبالتالي لا أرى أن المبلغ المعتمد لتقدير سعر النفط سيكون له تأثير كبير من الناحية العملية ، فوزارة المالية لديها آليات تجيد استخدامها في حالة حدوث متغيرات كبيرة في السوق من بينها تأجيل تنفيذ بعض المشاريع أو التغطية من الاحتياطيات آو من المبالغ المرحلة ، ويجب ان نأخذ في الاعتبار بآن كثير من المشاريع المخطط لها مردودها الاقتصادي محدود وتزيد من العمالة الوافدة ، كما انها في بعض الحالات تزيد عن الطاقة الاستيعابية للسوق ولا يتم تنفيذها في وقتها لأسباب مختلفة وبالتالي يتم ترحيلها للسنوات التالية وترحيل المبالغ المخصص لها معها وهذا يساعد في الحد من التضخم الذي يكون ضحيته المواطن .
وربما يعود تفاؤل وزارة المالية إلى التوقعات الدولية المختلفة لأسعار النفط لسنة 2012م حيث آن الكثير من تلك التوقعات متفائلة فقد آجرت وكالة رويتر مؤخرا استطلاعا توصل إلى أن أسعار النفط ستكون فوق 100 دولار للبرميل في سنة 2012م رغم المخاوف من ركود اقتصادي عالمي وانخفاض حاد في الطلب حيث توقع 22 محللا أن تسجل عقود خام برنت 100 دولار للبرميل أو أكثر بينما تمسكت جولدمان ساكس بتوقعها لسعر يبلغ 130 دولارا ، ومن جانب آخر يرى جيف روبين وهو من كبار الاقتصاديين في كندا أن أسعار النفط ستصل إلى مستويات عليا قد تتجاوز 250 دولار للبرميل خلال سنة 2012م ، وتوقع بأن يشهد العام الجديد ضغوطا لإنتاج كميات أكبر من النفط الذي أصبح متعذرا بعد تصريحات متكررة من السعودية بأنها لا تستطيع مقابلة الزيادة على الطلب في عام 2012م بأكثر مما تنتج حاليا كما أن روسيا تنتج هذه الأيام بأقصى طاقتها والطلب على النفط في تزايد مستمر وأصبح واضحا أن أسعار النفط متجهة إلى الأعلى ويدعم ذلك تسارع انخفاض المخزون في مصادر النفط الرخيصة التي استغلت لعقود من الزمن ، كما توقع معهد “ال جي” للأبحاث الاقتصادية أن ترتفع أسعار خام النفط مرة أخرى لتتعدى مستوى 100 دولار للبرميل في الفترة 2012 – 2013 بسبب سياسة التسعير التي تنفذها منظمة الدول المصدرة للنفط الأوبك بعد تراجع الاستثمارات الخاصة بالتنقيب عن البترول في حقول جديدة، ما يؤدي بدوره إلى تراجع إمداد النفط ، بينما أشار تقرير للبنك الوطني الكويتي إلى إمكانية هبوط سعر برميل الخام الكويتي إلى 95 دولارا للبرميل في الربع الأول من 2012 وان يستمر بالهبوط دون مستوى 80 دولارا بعد ذلك خلال العام ما قد ينعكس سلبا على حجم الفوائض المالية في ميزانيات بعض دول مجلس التعاون الخليجي وقد يدفع ذلك (أوبك) إلى خفض المعروض على نحو إضافي.
لقد أدى عدم الاستقرار السياسي في المنطقة العربية إلى تكثيف تحليلات المراقبين والمؤسسات المالية العالمية في محاولة لاستشراف آفاق النمو في المنطقة والمخاطر التي تنتظرها مستقبلا وسبل تجاوزها ، وتوقع صندوق النقد الدولي في نهاية شهر أكتوبر بأن يتراجع النمو الاقتصادي بدول الخليج بشكل كبير العام المقبل مقارنة بالعام الجاري، حيث أشار إلى أن تباطؤ الاقتصاد العالمي ربما يدفع أسعار الطاقة للهبوط، في حين كان صعود النفط الدافع الرئيس للنمو الكبير لدول مجلس التعاون الخليجي خلال العام الجاري ، وفي تحليله لآفاق النمو بالمنطقة تطرق الصندوق للمخاطر التي تدفع النمو للانخفاض، خاصة التراجع الكبير في الاقتصاد العالمي نتيجة مصاعب تواجهها الاقتصادات المتقدمة – خاصة في أوروبا وأميركا- الديون والميزانيات. ويرى الصندوق أن ارتفاع العائدات النفطية دفع دول الخليج إلى زيادة الإنفاق على عدد من البرامج ووفق التوقعات الحالية لتطور أسعار النفط ومستويات الإنتاج فإن الإيرادات ستفوق مستوى الإنفاق ، ففي العام الحالي ينتظر أن يزيد ميزان الحساب الجاري الخارجي لدول مجلس التعاون الخليجي من 163 مليارا إلى 279 مليارا .
بينما يرى معهد التمويل الدولي أن الأحداث السياسية التي حدثت في الدول العربية خلال العام 2011م ساهمت في زيادات كبيرة في أسعار النفط وأحدثت تأثيرات متفاوتة على الدول العربية، حيث توقع المعهد أن يكون الفائض في الحساب الجاري لدول مجلس التعاون الخليجي أعلى من ذلك المتوقع من البنك الدولي والذي قد يبلغ 293 مليار دولار منها 2.6 مليار دولار للبحرين 59.9 مليار دولار للكويت و13.6 مليار دولار لسلطنة عمان و 35.2 مليار دولار لقطر و 132.1 مليار دولار للسعودية و49.2 مليار دولار للإمارات. وقد أكد التقرير بأنه سيكون لارتفاع أسعار النفط تأثيرات سلبية في المنطقة ، أهمها مشكلة التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، حيث يتوقع المعهد ارتفاع متوسط معدل التضخم من 2.8 في المائة عام 2010 إلى 3.8 في المائة عام 2011، وسوف يبلغ 5.3 في المائة في السعودية و 1.2 في المائة في الإمارات و4.5 في المائة في الكويت و2.2 في المائة في قطر و4 في المائة في سلطنة عمان و2 في المائة في البحرين. وحث المعهد دول المجلس على تفعيل السياسة النقدية لكي تتعامل بشكل أفضل مع احتمال ارتفاع التضخم وتغير أسعار الصرف العالمية واختلاف وتباين الدورات الاقتصادية التي تشهدها الاقتصاديات الخليجية، حيث إن تجربة الفورة المالية التي شهدتها هذه الدول وما ترتب عليها من سخونة الأنشطة الاقتصادية والارتفاع غير الطبيعي وغير الصحي لأسعار الأصول وبخاصةً المالية والعقارية وما ترتب على ذلك من زيادة كبيرة في تكاليف المعيشة وارتفاع مستويات التضخم التي وصلت إلى 10 في المائة ما قبل منتصف العام 2008 يشير إلى الحاجة المتزايدة لإعادة النظر في وضع السياسة النقدية، وذلك لممارسة دورها الطبيعي في التعامل مع الدورات الاقتصادية ومكافحة التضخم وتحقيق استقرار الأسعار.
يرى الكثير من المراقبين أن التحدي الرئيس أمام ارتفاع أسعار النفط يتمثل في كون الاقتصاد العالمي اضعف من المتوقع وبالتالي احتمال تأثر الطلب على النفط في منطقة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وخارجها كنتيجة لتباطؤ نمو الصادرات وضعف الثقة ، وفي ظل المعطيات الحالية من المتوقع أن تستمر التقلبات في أسعار النفط، خصوصاً لصعوبة توصل الأوروبيين إلى اتفاق لحل أزمة الديون اليونانية، وصعوبة توصل الولايات المتحدة إلى حلول لمشكلات اقتصادها بسبب الخلافات السياسية وعدم رغبة الجمهوريين منح الديمقراطيين مكاسب سياسية، وفي الوقت ذاته ترجّح التوقعات وصول معدل الاستهلاك العالمي للنفط إلى 90 مليون برميل يومياً في خلال عام 2012م، رغم زيادة استعمال بدائل النفط خاصة في مجال النقل والمواصلات، حيث ان الطلب على نفوط «أوبك» رغم الاكتشافات المستمرة والمتزايدة للنفط من خارج دولها ما زال في ارتفاع مستمر حيث يبلغ نحو 30 مليون برميل يومياً ، كما أن الطلب على النفط أصبح متقاربا تقريباً بين الدول الصناعية والدول الناشئة، إذ سيبلغ معدل الطلب على النفط في الدول الصناعية الغربية خلال عام 2012 نحو 45.6 مليون برميل يومياً، وفي الدول الناشئة نحو 44.9 مليون برميل يومياً، ما سيدفع إلى اهتمام أوسع بأسواق الدول الناشئة ، وتؤكد وكالة الطاقة الدولية آن اقتصاد الدول النامية هي المحرِّك الرئيس للنمو الاقتصادي العالمي وأسواق النفط في السنوات الأخيرة، إلا أن الصين والهند قد تلجأ إلى زيادة أسعار الوقود المحلية،بهدف الحد من استهلاك الطاقة وللتحكم في معدل التضخم وأن استمرار الأزمات الاقتصادية الناجمة عن ديون منطقة اليورو سيكون لها انعكاسات على صادرات الصين والهند وتوقع صندوق النقد الدولي انخفاض النمو الاقتصادي الآسيوي بسبب تأثير ديون منطقة اليورو، وانحسار نمو الاقتصاد الأميركي خاصة آن المحرك الرئيس للاقتصاد الصيني هو الصادرات، وبالتالي يمكن القول انه إذا أمنت منطقتنا سياسيا سيبقى العامل الرئيس الذي يمكنه آن يؤثر على أسعار النفط توقع مزيد من التدهور في توقعات النمو العالمي جراء عدم حل مشكلة الديون الأوروبية أو الركود في الولايات المتحدة أو تباطؤ في الاقتصاد الصيني .
السبب في استعراض الأوضاع الاقتصادية الدولية التذكير بأننا ما زلنا نحوم حول ما عرف “بالتنمية النفطية” وهي مجرد محصلة تلقائية متقلبة للتغيرات التي صاحبت عصر النفط في دول المنطقة وأبعدتها عن أنماط التنمية الحميدة ، حيث انصرف المخططين عن الأمر الهام والمصيري وهو تحقيق تنمية ذات وجه إنساني تستثمر عائدات النفط بدلا من استهلاكها و ما زال اقتصادنا يتسم بالريعية وقاعدته الإنتاجية ضعيفة وارتباطه بالخارج اقوي من ارتباطه بالداخل ، وعودة إلى الصعيد المحلي فإنه من الجدير الأخذ بالاعتبار المتغيرات الجديدة في آلية مناقشة الميزانية العامة للدولة حيث نصت المادة 58 – 40 من النظام الأساسي للدولة من أحكام المرسوم السلطاني رقم 99 / 2011 بتعديل بعض أحكام النظام الأساسي للدولة على إحالة الميزانية السنوية للدولة إلى مجلس الشورى لمناقشتها وإبداء توصياته بشأنها ثم إحالتها إلى مجلس الدولة لمناقشتها وإبداء توصياته بشأنها وعلى رئيس مجلس الدولة بعد ذلك إعادتها إلى مجلس الوزراء مشفوعة بتوصيات المجلسين، وعلى مجلس الوزراء إخطار المجلسين بما لم يتم الأخذ به من توصياتهما في هذا الشأن مع ذكر الأسباب ، وحاليا تبذل جهود كبيرة في مناقشة الميزانية في مجلس الشورى وسيعقبها مناقشات لها في مجلس الدولة ولكن يبقى السؤال المطروح ، ماذا بوسع المجلسين عمله للتأكد من أن مناقشاتهم ستنصب في ترجمة أحكام المادة 11 من النظام الأساسي للدولة الذي حدد أن المبادئ الاقـتصادية الموجهة لسياسة الدولة أساسها لاقـتصاد الوطني المبني على العدالة ومبادئ الاقـتصاد الحـر، وقوامـه التعاون البناء المثمـر بين النشاط العـام والنشاط الخاص، وهدفـه تحقيق التـنميـة الاقـتصاديـة والاجتماعية بما يـؤدي إلي زيـادة الإنتاج ورفع مستـوى المعيشـة للمواطنين وفقا للخطة العامة للدولة وفي حدود القانون وهل سيتم التركيز على الجوانب الاقتصادية من الميزانية بجانب العوامل المالية و إلى أي مدى يمكن آن تساهم هذه الميزانية في فتح الطريق أمام تحقيق التنمية المستدامة وما هي الأهداف المرحلية التي يمكن تحقيقها من خلالها ، وكيف ستعالج مشكلة الشعور بعدم وجود انتعاش اقتصادي لدى مؤسسات القطاع الخاص في الوقت الذي تشهد فيه عمان أكبر ميزانية في تاريخها مع وجود فائض في الميزانية في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، وكيف ستعالج إشكالية محدودية تأثير إنفاق الدولة على الدورة الاقتصادية، وتحقيق – التدوير – التأثير المضاعف (multiplier effect) ليشمل جميع القطاعات الاقتصادية ويكون للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة دور أكبر فيه متناسب مع المعدلات المشابهة له في الأسواق العالمية، وكيف سيتم تسخير الميزانية لتساهم في توليد فرص العمل الحقيقية في السوق بدلا من الاعتماد على الحكومة للعب دور وكالة توظيف لتوفير فرص عمل مقنعة ، وفوق ذلك كله ما هي الضوابط التي ستكفل بالالتزام بالميزانية المعتمدة وإلى أي مدى ستتطابق الأرقام في نهاية السنة المقبلة بين المخطط والمنفذ حتى لا تكون جميع تلك الجهود والمناقشات بأنها مجرد هدر للوقت والمال العام.

