مقال بعنوان فعالية الانفاق الحكومي في تحقيق التنمية في  نهاية اكتوبر 2011م

مقال بعنوان فعالية الإنفاق الحكومي في تحقيق التنمية

نهاية أكتوبر 2011م

يستفسر البعض لماذا في الوقت الذي تشهد فيه عمان أكبر ميزانية في تاريخها حيث تجاوزت 9 مليارات ريال ، ومع وجود فائض في الميزانية في النصف الأول من العام، وثبات أسعار النفط فوق مستوى الـ 100 دولار، واستمرار العمل في مشروعات البني التحتية، لا يوجد شعور بوجود انتعاش اقتصادي لدى مؤسسات القطاع الخاص ، خاصة ان ارقام وزارة المالية تؤكد ان حجم الإنفاق العام ارتفع في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري متجاوزا 5.8 بليون ريال عماني مقابل 3.9 بليون ريال عماني في الفترة المماثلة من العام الفائت مسجلا نموا بنسبة 48%،  كما رفعت الحكومة في شهر ابريل تقديراتها للإنفاق العام خلال العام الجاري إلى 9.1 بليون ريال عماني مقابل 8.1 بليون ريال عماني عند إعلان الموازنة في يناير الفائت بهدف تحسين الظروف المعيشية للمواطنين والإسراع بخطى التنمية الاجتماعية والاهتمام بتنمية الموارد البشرية العمانية ، وسجلت المصروفات الجارية نموا بنسبة 15.4 % متجاوزة 2.7 بليون ريال عماني مقابل 2.3 بليون ريال عماني في الفترة المماثلة من العام الفائت وارتفعت المصروفات الاستثمارية من 1.3 بليون ريال عماني إلى 1.6 بليون ريال عماني، وقالت وزارة المالية إن هناك 1.2 بليون ريال عماني تم صرفها وهي قيد التسوية حاليا ولم يتم ادراجها ضمن المصروفات الجارية أو الاستثمارية.

وقد أوضحت البيانات نموا في المصروفات الجارية للدفاع والأمن القومي والتي ارتفعت في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري إلى 1.2 بليون ريال عماني مقابل  928.5 مليون ريال عماني في الفترة المماثلة من العام الفائت، وارتفعت المصروفات الجارية للوزارات المدنية بنسبة 7% إلى 1.3 بليون ريال عماني في حين سجلت المصروفات الانمائية للوزارات المدنية نموا بنحو 28% من 825.7 مليون ريال إلى 1.056 بليون ريال عماني، ورفعت السلطنة خلال العام الجاري مستوى المساهمات والدعم من 260.2 مليون ريال عماني إلى 304.1 مليون ريال عماني.

كما تشير البيانات المحلية الى ان نمو إجمالي الناتج المحلي في السلطنة قد وصل إلى 4.2% في 2010 بعد أن ازداد بنسبة 1.1% فقط في العام 2009. ووفقاً لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن “صندوق النقد الدولي”، من المتوقع أن يبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي الفعلي 4.4% هذا العام ، كما يتوقع البعض انه في ظل التوقعات التي تفيد أن الانتعاش الاقتصادي العالمي سيكون مستداماً، فإن أسعار النفط الخام قد تستمر عند مستويات مرتفعة، الأمر الذي سيوفر الراحة إلى الحكومة في إطار استمرارها في برنامجها الانفاقي.

مما لا شك فيه فإن الامر قد يبدوا في الوهلة الاولى محيراً ، لماذا بالرغم من النفقات الحكومية الضخمة ، فإنه لا تأثير لها على الناس ولا يشعر بها اغلبية من في السوق ، اعتقد ان السبب الرئيس في ذلك هو وجود خلل واضح في الكيفية التي تتم فيها عملية تدوير الإنفاق الحكومي. الدولة حريصة على مصلحة المواطن وتنفق وتبذل ولكن دون تحقيق النتائج المرجوة في الانعاش ، إنها معضلة أفقيه بسبب هيكلية الاقتصاد العماني ، الذي يرتكز على نمو معتمد على نموذج الريع وشبه الريع الناجم من تصدير النفط وعلى سيطرة مجموعة من الشركات العائلية على معظم انشطته الاقتصادية ، وكل مجموعة من تلك المجموعات تحصر معظم تعاملاتها مع الشركات الشقيقة ضمن المجموعة سواء فيما يختص بالمشتريات والخدمات او حتى تمثيل الشركات الاجنبية ومشاركتها في تنفيذ المشاريع الكبيرة ، ولا اعتقد ان تلك الشركات لا تشاهد انتعاشا كبيرا في اعمالها نتيجة لزيادة الانفاق الحكومي.

لا احد يمكنه ان ينكر ان جزء كبير من دخل الحكومة يذهب في الانفاق على المشاريع الانمائية مثل بناء الطرق والمطارات والموانئ والكهرباء والمياه والمدارس و المستشفيات بالاضافة الى المصروفات  الرأسمالية والجارية  والمشتريات سواء كانت على شكل بضاعة أو خدمات ، ولدى الحكومة آليات حددت من خلالها كيفية صرف تلك الأموال، واختيار نظم شراء البضائع و الخدمات ، ونظام للتدقيق في المصروفات وفق انظمة ولوائح وإجراءات معتمدة في مختلف وحدات الدولة.

ولكن بالرغم من المبالغ الهائلة التي يتم انفاقها لا توجد استراتيجية او سياسة واضحة يتم من خلالها تطويع المشتريات الحكومية وقياس فاعليتها وتكون جزء من السياسات الاقتصادية للسلطنة تسخر لتحقيق اهداف التنمية بإعتبار أنّ مستوى الإنفاق وتوجيهه الى زيادة القيمة المضافة محلّيًا، هي أداة مالية أساسية هامة لتحريك مستوى الطلب والنمو في الاقتصاد حيث ان المشتريات الحكومية ممكن ان تكون أداة سياسية رئيسية لتفعيل سياسة زيادة الفرص للمؤسسات المحلية لزيادة حصصهم في الاقتصاد القومي ، كما يمكن استخدام سياسة الشراء الحكومي كأداة سياسية لإيجاد التوازن في حصص المشاركة بين مختلف القطاعات الاقتصادية والمناطق الجغرافية في السلطنة ، خاصة ان الإنفاق الحكومي في المشاريع التي تقيمها الشركات الأجنبية تؤدي الى خلق تسرب في الاقتصاد الوطني من خلال الإنفاق على البضائع المستوردة والاعتماد على العمالة الاجنبية وتحويل الارباح الى الخارج وبالتالي إنقاص قيمة المضاعف الذي يؤثِر على الاقتصاد المحلي وتقليص المعاملات الوطنية.

في الاقتصاديات المتقدمة فإن الإنفاق الحكومي في مشاريع البنية التحتية يؤدي الى انتعاش اقتصادي بسبب هيكلية اقتصاديات تلك الدول حيث نجد ان معظم الشركات التي تنفذ تلك المشاريع شركات كبيرة مدرجه في أسواق المال، وتعتمد على عمالة وطنية كما ان لها علاقات تجارية مع شركات أصغر منها، و تعتمد تلك الشركات على عمالة ومواد معظمها مصنع محلياً.

في السلطنة فإن معظم الشركات التي تنفذ مشاريع البنية التحتية ، العمانية منها والاجنبية – التركية والصينية والكوريه والبريطانيه وغيرها – سواء تلك التي تعمل في قطاع الانشاءات وتعتمد على عمالة اجنبية رخيصة ومحدودة المهارة اوتلك التي تعمل في مجال الهندسة والاستشارات وتعتمد كذلك على الكفاءات الأجنبية ، غير مدرجة في سوق مسقط للأوراق المالية ، وبسبب طبيعة السوق التي تتسم بنوع من الاحتكار فإن استفادة الشركات والمؤسسات الصغيرة الوطنية والمتوسطة منها للقيام بالأعمال من الباطن محدود جدا ، وحتى لو تم الاستفادة منها فإن معظم عمالة تلك الشركات والمؤسسات الصغيرة تستخدم عمالة اجنبية، كما ان معظم المواد الأولية والوسيطة التي تستخدم لتلك المشاريع مستوردة، لذلك فإن ما يتسرب داخل الدورة الاقتصادية المحلية هو نسبة بسيطة من هذا الإنفاق. ويمكن ملاحظة ذلك في إنفاق الدولة في السنوات الأخيرة، إذ لم يؤثر ذلك الانفاق كثيراً على الدورة الاقتصادية، ولذلك بقيت نسبة النمو الاقتصادي السنوي خارج قطاع النفط منخفظة، وتشير بيانات ميزان المدفوعات الى زيادة كبيرة في إجمالي الواردات نتيجة لزيادة النشاط الإقتصادي خاصة في قطاع النفط والمقاولات، وهذه الزيادة ترتبط مباشرة بإرتفاع الإنفاق الحكومي. وبسبب طبيعة المشاريع الحكومية فإن تأثير الإنفاق الحكومي على النشاط الإقتصادي المحلي يكون محدود للغاية ولا تستفيد المؤوسسات الصغيرة والمتوسطة كثيرا من هذا الإنفاق ، وبالتالي فإن دوره في التنمية وتحسين دخل المواطن غير ملموس لأن ارتباطه بالخارج اقوى من ارتباطه بالداخل.

وبقرأة سريعة في بيانات ميزان المدفوعات الصادرة عن البنك المركزي العماني نجد أن حجم التحويلات الى خارج السلطنة من دخل الإستثمارات الأجنبية للشركات وتحويلات العمالة الأجنبية في عام 2010م  قد بلغت 3.7 مليار ر.ع وتشمل تلك المبالغ مبلغ 1.5 مليار ر.ع تم تحويله من دخل الإستثمارات الأجنبية وتمثل الأرباح من الإستثمارات الأجنبية، خاصة في الأنشطة النفطية ؛ و مبلغ 2.2 مليار ر.ع تمثل تحويلات العاملين الى خارج السلطنة ، وبمقارنة حجم التحويلات الخارجية في تلك السنة مع إجمالي المصروفات الإستثمارية الحكومية- التي تشمل المصروفات الانمائية للوزارارات المدنية ومصروفات انتاج النفط والمصروفات الراسمالية للوزارات المدنية ومصروفات انتاج الغاز والمساهمات ودعم القطاع الخاص- التي بلغت 2.6 مليار ر.ع.، نلاحظ الحجم الهائل لتسرب الأموال خارج السلطنة مقارنة بحجم المصروفات الحكومية.

الاحصائيات والمؤشرات تؤكد على انه لدينا حكومة ثرية وفي الوقت ذاته نمو غير متوازن واقتصاد ضعيف والتحدي هنا يكمن في وضع السياسات الكفيلة بتطوير الاقتصاد العماني بحيث يحقق – التدوير – التأثير المضاعف (multiplier effect)  ليشمل جميع القطاعات الاقتصادية ويكون للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة دور أكبر فيه متناسب مع المعدلات المشابهة له في الاسواق العالمية ، ويأخذ في الاعتبار مشكلة ضعف القوة الشرائية و ضعف صافي دخل عدد كبير من المواطنين والذي يذهب الجزء الكبير منه في سداد القروض.

فيما يتعلق بالسياسات الحكومية على مستوى الاقتصاد الكلي ، فإنه توجد أليتان لتحقيق تلك السياسات اذا انسجمتا وعملتا معا يمكنها ان تحقق الاهداف الاقتصادية للدول ، الاولى هي السياسة المالية وهي عبارة عن حزم السياسات التي تتخذها المالية العامة عبر موازنات الدولة للتحكم في الانفاق والايرادات العامة بهدف رفع معدل النمو الاقتصادي وتحقيق التوظف الكامل والتحكم في التضخم وإعادة توزيع الدخل ، والثانية السياسة النقدية والتي بإمكانها أن تؤثر على الناتج و الدخل  من خلال حزم السياسات المتمثلة في سياسة السوق المفتوحة وسعر الخصم و سياسة نسبة الاحتياطي القانوني  والتي تتخذها السلطة النقدية الممثلة بالبنك المركزي للتحكم في السيولة والائتمان بهدف تحقيق (1) الاستقرار الاقتصادي بالاسعار و (2) و معدلات النمو المستهدفة.

الاقتصاد مثل الصحة اذا كانت جرعة الدواء غير كافية فإنها لن تحقق هدفها وان كانت اكبر من اللازم قد تكون مضرة

ومن مشاكلنا في الاقتصاد العماني عدم منح الجرعة الكافية لبعض الحالات ومنح جرعة اكبر من اللازم في حالات اخرى مما يسبب اثار تضخمية ، وكما هو الحال اذا كان من غير المناسب ان يجري غير الطبيب عملية جراحية او يكتب وصفة طبية فانه من غير المناسب ان يكون دور الاقتصاديين في اتخاذ القرارات التنموية شبه مفقود ، قد تكون النوايا حسنة ولكن في الوقت ذاته قد تكون النتائج كارثية.

لقد قلت اكثر من مرة أنه لنجاح اية خطة  تنموية يجب ان يكون مفهوم التنمية واضحا ومن ثم توضع الاهداف والوسائل اللازمة لتحقيقها وبدون تناغم الوسائل مع الاهداف وتناسق السياسات بدءأ من أعلى سلطة تخطيطية الى أدنى مستوى تنفيذي فإنه لا يمكن لاي خطة النجاح وتحقيق الاهداف.  اقتصادنا ما زال يتسم بالريعية وقاعدته الانتاجية ضعيفة وارتباطه بالخارج اقوى من ارتباطه بالداخل وعلينا ان نحدد ما الذي نريده وان نسخر قدراتنا لتمكين اقتصادنا من الانتاج بقيمة مضافة عالية لبناء رأس المال المادي المنتج على اسس اقتصادية لها ارتباط وثيق بنمو الاقتصاد المحلي من خلال تنويع مصادر الدخل وفي الوقت ذاته وجود آلية لتقييم فاعلية وكفاءة السياسات المتبعة خاصة على المستوى الجزئي منهــــــــا (Micro economics). الحل يبدأ بالإقرار بأن سياساتنا كانت خاظئة وبوجود مشاكل هيكلية ومن ثم حصر مصادرها وتحديد معالمها، و تقديم الحلول الملائمة وبحيث تكون الجرعة كافيا لعلاج المرض ، كما  يجب علينا الكشف عن دور بنوكنا والشركات التي تهيمن على الاقتصاد الوطني والسياسات التي نتبعها لتحديد مواطن الضرر، ولن يصعب بعد ذلك وضع خطط الإنقاذ مع الاستفادة من الدروس التي يمكن استخلاصها من مساراتنا السابقة وهذا لا يمكن تحقيقه دون ارادة سياسية قوية.

هنالك أمور كثيرة بحاجة الى اعادة تقويم واكبر تحدي سيواجه الاقتصاد العماني في الفترة المقبلة يكمن في خلق فرص عمل كافية وحقيقية للمواطنين بجانب تلك التي  لها علاقة مباشرة بالحكومة وشركات النفط ، لقد بذلت الجهات المعنية الكثير من الجهود خلال الاشهر الماضية لتوفير فرص عمل جديدة ولكنها لم توفق في وضع السياسات السليمة قبل التنفيذ وكانت النتائج سلبية وسنعاني من تبعاتها في المرحلة المقبلة لآن معظم الوظائف الجديدة غير حقيقية وتمثل بطالة مقنعة وسيكون لها تأثيرات على التنافسية خاصة اننا لا نعمل في بيئة معزولة فلدينا التزامات واستحقاقات على مستوى دول مجلس التعاون واتفاقيات التجارة الحرة مع دول اخرى اضافة الى الاتفاقيات مع منظمة التجارة العالمية ومنطقة التجارة العربية الحرة الكبرى، وزارة القوى العاملة بشكل خاص والحكومة بشكل عام يجب ان تتحمل مسؤوليتها في خلق البيئة ووضع التشريعات والسياسات التي يمكنها ان تولد فرص العمل الحقيقية في السوق لا أن تكون وكالة توظيف لتوفير فرص عمل مقنعة.

الشركات الصغيرة والمتوسطة يجب ان تلعب دور أكبر في توفير فرص العمل الا انها لن تتمكن من لعب أي دور هام دون معالجة المشاكل الهيكلية التي تواجحها ، لقد سبق اعداد دراسات حول هذا الموضوع من قبل البنك الدولي وتقديم  العديد من التوصيات حولها منذ عدة سنوات ولكن بدلا من تفعيل التوصيات التي تم التوصل اليها تم تشكيل لجان لمناقشة التوصيات وافرغتها من مضمونها الاساسي واعتقد انه من الضروري العودة الى تلك الدراسات ووضع برنامج عملي لتنفيذ توصياتها.

لقد توصلت بعض الدراسات الى ان من اهم المشاكل التي تواجه قطاع الاعمال الصغيرة والمتوسطة في عمان تكمن في بيئة العمل حيث ان الادارة الحكومية لا تزال تفرض حواجز مرهقة للولوج الى السوق والنمو وان الدور التنظيمي للدولة يجب ان يتمثل في ضمان الفرص المتكافئة بين رجال الاعمال وانفاذ تشريعات تحقق المنافسة العادلة ووضع استراتيجية واضحة في مجال تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة وانشاء المؤسسات الكفيلة لإنجاح الاستراتيجية حيث انه بالرغم من العديد من المبادرات التي تم التقدم بها الى انها تنطوي على قدر ضئيل من التنسيق ولا تتناسب مع عمل نهج شامل ومتكامل و أنا لا أدعوا هنا الى دمج تلك المبادرات بل الى زياداتها وتوسعة افق عملها وفق استراتيجية شاملة يتم صياغتها منهجيا من خلال دراسة نقاط القوى للإستفادة منها ونقاط الضعف لعلاجها والفرص المتاحة لإستغلالها والتحديات المختلفة للتعامل معها مع وجود آلية للمتابعة تقوم بها جهة مستقلة يتم من خلالها متابعة مؤشرات الاداء.

من المؤكد أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة في السلطنة كانت في الفترة الماضية ضحية ضعف سوق رأس المال والائتمان وغياب استراتيجية لتطويرها ، ففي جانب العرض نجد ان معظم المشاريع المنفذة كانت رديئة ونمط مشاريع سند والبرامج التي تكفلتها الحكومة شابها الكثير من القصور في سياساتها وجدواها وكانت في خدمة تجار الجملة بشكل اساس ، ولم توفر لها البيئة الكفيلة بنجاحها ، كمالم تكن هنالك وحدة لخدمات تطوير الاعمال الصغيرة والمتوسطة  يمكن اللجوء اليها للمساعدة  ولا جهة يمكن اللجوء اليه للحصول على المشورة اوالتدريب ، كما لم تكن لديها القدرة للحصول على تلك الخدمات إما بسبب محدودية امكانياتها او المعلومات المتوفرة لديها حول اهميتها وخاصة ان معظم تلك الخدمات تقدم من خلال مكاتب استشارية اجنبية . في الوقت ذاته لم يتمكن البنك المركزي من الاشراف على القروض الاستهلاكية بقدر كاف بالرغم من الضوابط التي وضعها ، مما ادى الاستقراض المفرط من قبل الكثير من العمانيين وهذا قد ادى الى استبعاد الكثير من المستثمرين المحتملين من السوق وتسبب في تقليص عدد المبادرين الذين لديهم المهارات وروح المبادرة والامكانية لاختراق سوق الاعمال وتفضيلهم الحصول على وظيفة مضمونة بدلا من المغامرة في مشاريع تورط الكثيرين من الذين غامروا  فيها بسبب المشاكل المرتبطة بالحصول على تمويل في حالات المؤسسات الفردية والشركات محدودة المسؤولية قي ضل مديوناتهم الشخصية ورأس المال الكبير المطلوب لتأسيس شركات المساهمة.

وفي جانب العرض فإن المنافسة في القطاع المصرفي كانت ضعيفة مع وجود هوامش افضل في القروض الاستهلاكية وفي قطاع الشركات الكبيرة وفي السندات والودائع  الحكومية  وبالرغم من قيام بعض البنوك بالإهتمام بقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مؤخرا إلا انه يبقى اهتمام  محدود وغير كاف ورأس المال الاستثماري في المشاريع الصغيرة شبه غائب ويتطلب ضمانات أكبر من قدرات تلك المؤسسات.

خلاصة القول فإنه على مستوى التخطيط الكلي يجب ان ندرك ان الاهداف لا تتحقق بالنوايا الحسنة فقط بل يجب ان يخطط لها التخطيط السليم للسوق العماني وان سياسات الترقيع لن تنفع ، كما ان هنالك بعض الاسس الهامة التي بحاجة الى مراجعة ضمن حزم متكاملة من السياسات وقد سبق أن تقدمت مؤتمرات الجمعية الاقتصادية العمانية بالكثير من التوصيات حولها نسرد هنا بعض منها والتي  يمكن أن تمثل مرتكزات أساسية في اعادة صياغة رؤى واهداف الخطط الخمسية:-

  • أن تكون التنمية هدفها ومحورها الأساس المواطن وحاجة الوطن بدلا من المشاريع التي لا تحقق عوائد  اقتصادية واجتماعية حقيقية والتي يتم إعتمادها استنادا على توقعات الايرادات النفطية والمصالح الخاصة التي ستتحقق من تنفيذ تلك المشاريع.
  • السعى بالتظافر مع قطاعات المجتمع المختلفة على تحقيق المكونات الأساسية الثلاثة للتنمية كما ذكرتها تقارير التنمية البشرية الدولية و هي: تحقيق الرفاهة و تحقيق التمكين والقدرة على التغيير وتحقيق العدالة.
  • استغلال فوائض الثروة النفطية في الانتقال إلى الاقتصاد الإنتاجي واقتصاد المعرفة القادر على الاستقلالية والتنافس والنديُّة والتفاعل مع عالم معرفي عولمي جديد والتنافس مع الحضارات المعاصرة على قدم مساواة.مع التركيز على أن اقتصاد المعرفة يتطلب إنتاجاً مستمراً ومتنامياً للمعرفة و يتطلب تكويناً وتنظيماً لإنتاج المعرفة من جهة وإبداعاً في توفير وخلق تكنولوجيات يتم تداولها من قبل أوسع مجموعة من المواطنين.
  • اعتبار الأرض ثروة وطنية  لا يجوز التصرُّف بها إلاُ لأغراض مجتمعية ووطنية ولصالح الجميع ولكلٍّ الأجيال القادمة وذلك من اجل المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة.
  • العمل على تأسيس قاعدة معلومات شاملة عن أوضاع الشباب معتمدة على المسوحات الإحصائية المنتظمة ومرتكزة على مؤشرات قياس متفق عليها تستطيع رصد التطور في مختلف مجالات تنمية الشباب.
  • العمل على تحقيق تكامل حقيقي لدور الدولة مع القطاع الخاص في توفير فرص عمل وتدريب حقيقية وتأهيل الشباب العماني من أجل تحقيق تنمية بشرية عمانية.
  • العمل على زيادة الاستثمار في الطلب على المعرفة من خلال مبادرات وطنية تحقق ذلك في قطاعات الإنتاج والخدمات، ورفع الطاقات المولدة والداعمة للإنتاجية والمحققة للتنافسية.
  • اعتماد سياسات للعلم والتكنولوجيا والابتكار ، مع آليات تنفيذها ، عبر مبادرة وطنية بالتعاون مع القطاع الخاص عبر شراكة اجتماعية واسعة وجديدة توجه الجهود بمشاركة الجميع.
  • الإسراع في تطوير المناهج الدراسية لجعلها أكثر ارتباطا بالاقتصاد المعرفي وتحويل الخريجين من طالبي فرص عمل إلى مولدي فرص عمل.
  • وضع قانون لمكافحة الاحتكار وزيادة المنافسة  – وكسر التكتلات الاقتصادية التي تقتل الاقتصاد الوطني .
  • عالميا تهيئ المؤسسات التجارية الصغيرة والمتوسطة فرص عمل أكثر من مشاريع التوظيف الذاتي ، كما أن تطوير الاعمال الصغيرة والمتوسطة لن يتحقق في غياب مؤسسات قوية تروج لها وسياسات تكفل لها البيئة المناسبة لنجاحها لذا يجب التركيز على دعم نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم عن طريق وضع استراتيجية تشمل سياسة المشتريات الحكومية وتصنيف الشركات وربط تلك المشتريات بالتصنيفات المعتمدة وتهدف الى تطويرها ومد يد العون لها لتحسين مهارات العاملين فيها.
  • ضرور تقويم سياسات العمل وتأثيراتها التنافسية ووضع استراتيجية للعمل والتدريب والتأهيل تساهم في تحقيق التنمية وتعمل وفق معطيات السوق وليس بموجب قرارات ادارية تأتي بنتائج عكسية ، واعادة النظر في سياسات الإحلال والتدريب من خلال برامج تضمن التأهيل لدخول سوق العمل لأول مرة واخرى تضمن تحسين مهارات العمانيين الذين على رأس العمل بإعتبار ان تحسين مهاراتهم سيساعد في الاحلال ورفع مستواهم المعيشي من جهة وتوفير فرص عمل للداخلين الجدد من ناحية أخرى.
  • استغلال برامج الاوفست التي ظلت سرية ولا يعرف من يمسك بملفاتها في تحقيق اهداف التنمية بدلا من اهداف تجار التنمية.
  • ضرورة قيام غرفة التجارة والصناعة بدورها وان تكون لها استقلالية في قرارتها من خلال التركيز على الدراسات والبحوث ولعب دور محوري في تقديم خدمات تطوير الأعمال وادراك ان قوتها تكمن في تقديم الحلول المستندة الى حجم المعرفة والمعلومات التي تمتلكها عن السوق والاقتصاد.

مما لا شك فيه فإن الموضوع معقد وشائك ولكنني اود ان اختتم بالقول انه من ضروري استكمال الجانب المؤسسي الذي يشكل المظلة للتنمية واعادة النظر في هيكلية الجهاز الاداري للدولة وتحديد جدوى مختلف المؤسسات القائمة والغائبة واستكمال النواقص ، واريد ان اركز هنا على بعض المؤسسات التي اعتقد انها ذات هامة كبيرة وهي اما  غائبة او ان هياكلها موجودة ولكن لا تؤدي دورها بالكامل ويتطلب التركيز عليها لأنه بإمكانها ان تلعب دور المحرك الرئيس للتنمية مثل :-

مركز لبحوث السياسات التنموية المستدامة

  • ومن اهم مهامه تحديد السياسات التنموية الكفيلة بإدارة الموارد الحكومية بكفاءة ومتابعة تنفيذها لتشمل كافة مناطق السلطنة وإيجاد تناغم وربط بين السياسات وآليات الخطط والبرامج التنفيذية . ويقوم بجانب إجراء الدراسات والبحوث وضع السياسات الاستراتيجية والتأكد من امكانية تحقيق الموازنات السنوية الاهداف المحددة ومن ملائمة سياسات وبرامج التعليم والتأهيل والتدريب كافة متطلبات تحقيق التنمية المستدامة وتكافؤ الفرص.

هيئة لإدارة الاستثمارات الحكومية

  • تتولى دراسة أوضاع  الشركات الحكومية وبرنامج اوفست ووضع سياسات الاستثمار الحكومية المنسجمة مع أهداف التنمية ومتابعة كل ما يتعلق بأعمالها من خلال إيجاد ترابط قوي بينها وبين الصناعات والاعمال المختلفة المتّصلة ببعضها الأخر وتؤدي الى تحسين مستوى أدائها وتحقيق قيمة مضافة ، وتكون في الوقت ذاته آلة لتوليد فرص عمل حقيقية للعمانيين.

هيئة ترويج الأعمال الصغيرة والمتوسطة

  • يقترح ان تؤول اليه مسؤولية الاشراف وتطوير مختلف برامج الاعمال الصغيرة والمتوسطة وتوفير البيئة الكفيلة بنجاحها من خلال وضع السياسات الكفيلة بنمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وحمايتها من الاحتكار واستفادتها من المناقصات والمشتريات الحكومية بالطرق المباشرة وغير المباشرة بالإضافة إلى إنشاء حاضنات الأعمال ووضع خطط للنمو ، وتشجيع المبادرات الكفيلة بإيجاد رابط بين الحكومة والشركات الكبيرة مع المؤسسات المتوسطة والصغيرة بحيث تكون مكملة لبعضها ، وتعمل على تحفيز ودعم روح الريادة لدى الشباب ودعمه لإيجاد مشاريعهم الخاصة ضمن الاقتصاد الجديد ، وعبر برامج متخصصة لتدريب وتنمية رواد الأعمال التي تشتمل على تنمية القدرات والمشورة / الربط المعرفي والتكنولوجي ومن ثم الربط المالي لأن الإسهام في إيجاد روح الريادة وتوفير البيئة الكفيلة بنجاحها ستساهم في إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تنمي فرص عمل وارتفاع حجم الاستثمارات.

محمد بن عبدالله بن حمد الحارثي

رئيس مجلس ادارة الجمعية الاقتصادية العمانية

Shopping Cart
Scroll to Top