مقابلة مع مجلة الخزينة حول سوق العمل والأجور
28 مايو 2013
- من الملاحظ نفور الباحثين عن العمل عن القطاع الخاص خاصة بعد التعديلات الاخيرة في الدرجات المالية في القطاع العام . على ماذا سوف يترتب ذلك مستقبلا؟
لست ادري ما هي الاسس الاقتصادية التي تم الاعتماد عليها لتعديل الدرجات المالية في القطاع الحكومي ولماذا هذا التناقض الكبير في السياسات و من المسؤول عن هذا التخبط الذي اعتبره جريمة ضد الاقتصاد العماني (يتطلب محاكمة المسؤولين عنها ، لقد كانت الجهود منذ سنة 2011 تتجه نحو أيجاد نوع من التقارب بين الاجور والمزايا بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص وتم رفع الحد الادنى لأجور العاملين في القطاع الخاص وكذلك توحيد الاجازات بين على مستوى السلطنة والكثير من المبادرات الاخرى لإيجاد اكبر قدر ممكن من التقارب وجاءت هذه الزيادة لتنسف كل تلك الجهود وليس لدي تفسير سوى جهل فريق العمل الذي اوصى بها بمبادئ الاقتصاد وآليات عمل السوق والتأثيرات التي تنجم عن اي قرار على القطاعات الاخرى ، كان ينبغي على فريق العمل ان يدرك ان الأجر يعرف بالمقابل الذي يحصل عليه العامل مقابل أداء عمل ما طبقا لكفاءته في أداء العمل و انتاجيته وفي الوقت الذي ينظر فيه العامل الى الحد الادنى للأجور كعنصر لتكلفة المعيشة و مستوى الاسعار ، بينما ينظر اليه صاحب العمل كعنصر في معادلة تكلفة الانتاج و مرتبط بزيادة الانتاجية (وهي غير الانتاج)، و ان رفع الأجور بدون مقابل انتاجي يؤدي الى ارتفاع تكلفة انتاج السلع. وبالتالي يضطر أصحاب العمل الى تخفيض تكلفة الانتاج عن طريق زيادة عدد ساعات العمل و تجميد تعيين أو توظيف عمالة جديدة وبالتالي تقليص فرص العمل الجديدة وعادة ما يتم قياس الحد الادنى للأجور على أساس نسبة من متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي .. و في بريطانيا على سبيل المثال فان الحد الادنى للأجور نسبته 7% من نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي ، وباحتساب نفس المعيار نجد ان انتاجية الفرد في السلطنة لا تتجاوز 85 ريال عماني شهريا ، ان ما سينجم عن هذا رغبة القطاع الخاص في الاعمال بالمستويات المتدنية الاجور وعدم قدرته على توظيف الخريجين الجدد الذين ليس لديهم خبرة وإذا فرضت نسب تعمين في الوظائف العليا فإن القطاع الخاص لن يتمكن من تحقيق ذلك لأنه سيؤدى الى عدم المقدرة المالية لمعظم الشركات القيام بذلك وسيؤدي ذلك الى اغلاق الكثير من المؤسسات انشطتها وزيادة الباحثين عن عمل خاصة انه لن تتمكن الكثير من الشركات من زيادة اسعارها بسبب القيود الموجودة حاليا.
كما ان معظم اقتصاديات الدول التي تضع الحد الأدنى للأجور تحتسبها بالساعة وليس الشهر لأنها تتعامل مع انتاجية العامل وليس بدفتر الحضور والانصراف. و يتحدد هذا المبلغ لتغطية أجور عمال أو مجموعة منهم يعملون في صناعات معينة ولا تشمل قوانين الحد الأدنى للأجور الأشخاص الذين يعملون موظفين في الشركات والمصانع الصغيرة. و في بعض البلدان الأوروبية يوضع حد أدنى غير رسمي للأجور من خلال الاتفاقات المتبادلة بين النقابات وأصحاب الأعمال.
- من الملاحظ وبعد توجه أغلب الباحثين عن العمل ومن حملة الشهادة الجامعية إلى القطاع العام اصبح القطاع الخاص يبحث عن اصحاب الدبلوم العام . هل هذا الامر صحي وماذا عن سلبياته وإيجابياته؟
وفق دراسة توصلت لصندوق النقد الدولي فإن تخفيض نسبة البطالة والبالغة 25% في 2010م الى 10% في العام 2015م كان يتوجب على الاقتصاد العماني ان يولد 43.5 الف وظيفة سنويا في القطاع الخاص وبمعدل نمو 17.3% في السنة ولتحقيق ذلك ينبغي تحقيق نمو سنوي في القطاع غير النفطي قدره 13.6% وبموجب التعديلات التي طرأت في اجور القطاع الحكومي لا يمكن تحقيق ذلك في وضع عدد العاملين في الحكومة يبلغ ثلاثة اضعاف الحجم الذي ينبغي ان يكون عليه وفق المعدلات العالمية وبمعنى اخر ان وظيفة الشخص الواحد يقوم بها ثلاثة موظفين مما ادى الى ترهل الاداء الحكومي وفي الوقت نفسه عدم قدرة القطاع الخاص في التوظيف نتيجة عدم رغبة المواطنين في القطاع الخاص بانتظار الوظيفة الحكومية وعدم قدرته على دفع مثل تلك الاجور التي تمنح ليس على اساس الانتاجية ولكن كجزء من استحقاقات الاقتصاد الريعي وكما ذكرت سابق فإن عملية رفع الاجور بأسلوب غير مدروس وزيادة تكلفة الانتاج قد يؤدي الى افلاس الكثير من المنشآت خاصة الصغيرة منها وخروجها من السوق ، لأن الوضع الحالي للاقتصاد العماني يتمثل في وجود شركات محدودة جدا تحقق الارباح وأخرى بالكاد تتمكن من سداد أجور موظفيها ، وسيكون لذلك تبعات سواء كانت في فقدان الكثيرين لوظائفهم أو زيادة نسب التضخم خاصة بسبب مدى تأثيرها على قطاع الخدمات والمقاولات .
- القطاع الخاص اليوم يعاني ولا يزال يبحث عن موظفين في وقت يتراكم فيه الباحثين عن العمل في المنازل بانتظار الوظيفة الحكومية لماذا برايكم ؟
يجب ان ندرك ان القطاع الخاص يعمل على اساس تنافسية سوق العمل ولقد حققت السلطنة نتائج متدنية في قضايا سوق العمل ليس على مستوى العالم فحسب بل حتى على مستوى دول الخليج حيث كان مركز السلطنة متأخر حتى من بين دول الخليج في مؤشر توفر خدمات التعليم والبحث العلمي وفي مؤشر مرونة تحديد الاجور بينما كان ترتيبها الخامس من بين دول الخليج في مؤشر جودة مادتي العلوم والرياضيات وإجراءات التعيين والاستغناء عن الموظف ، وكذلك في مؤشري اجراءات التعيين والاستغناء عن الموظف ومؤشر جمود التوظيف من بين دول الخليج.
تتناول تقرير التنافسية العالمي المؤشرات المؤثرة على سوق العمل في 142 دولة تضمنت (1) جودة مادتي العلوم والرياضيات (2) توفر خدمات التدريب والبحث العلمي (3) مرونة وحرية تحديد اجور العمل (4) الانتاجية والأجور (5) تعيين الموظف والاستغناء عنه (6) جمود التوظيف.
حققت السلطنة نتائج متدنية في قضايا سوق العمل ليس على مستوى العالم فحسب ، بل حتى على مستوى دول الخليج حيث كان مركز السلطنة الاخير من بين دول الخليج في مؤشر توفر خدمات التعليم والبحث العلمي وفي مؤشر مرونة تحديد الاجور بينما كان ترتيبها الخامس من بين دول الخليج في مؤشر جودة مادتي العلوم والرياضيات وإجراءات التعيين والاستغناء عن الموظف ، واحتلت المركز الرابع في مؤشري اجراءات التعيين والاستغناء عن الموظف ومؤشر جمود التوظيف من بين دول الخليج.
- اذا فروقات كثيرة خاصة في الدرجات المالية ونظام التقاعد بين القطاعين . ما هي الاجراءات التي سوف تحد من هذه الفوارق وتحل هذه المشكلة؟
هذه مجرد افرازات والعلاج يجب ان يكون في اصل المشكلة حيث أثبتت تجارب الكثير من الدول أن التوظيف مرتبط ارتباطا مباشراً بسياسات التوسع في الاقتصاد وبالزيادة في معدل النمو والطلب الكلي في الاقتصاد ، وأعداد وأنواع فرص العمل المتاحة للشباب متعلقة بالأداء الاقتصادي ككل ، في الاقتصاديات المتقدمة يؤدي الانفاق الحكومي إلى زيادة الدخل وتقوم آلية عمله على أساس أنه كلما أرتفع الاستهلاك زاد المضاعف ، وتكون حركة الدورة الاقتصادية أسرع إذا ما قام الأفراد الذين حصلوا على الأموال بالإنفاق . ويمكن التعرف على مقدار المضاعف من خلال الميل الاستهلاكي الحدي للمستهلك وبالتالي تقدير حجم المبلغ المطلوب ضخه في الاقتصاد والذي سوف يتضاعف ويعالج حالة ركود عن طريق ردم الفجوة بين الناتج والطلب الفعلي ويوفر فرص عمل جديدة ، ولكن مثل هذه العلاقة بين الأداء الاقتصادي و الانفاق الحكومي ضعيفة في نموذج الميزانية العامة العمانية والخليجية عامة ، فالإنفاق الحكومي الذي تقوم به الدولة في الاقتصاد الوطني لا يعود إلى إيرادات الميزانية العامة من جديد بالحجم المماثل له في حالة الدول غير الريعية وذلك بسبب حجم التسرب الكبير من خلال تحويل جزء من هذه الأموال للخارج على شكل تحويلات أو لتمويل الواردات و لمحدودية تأثير السياسة الضريبية.
من ذلك نجد أن بطالة الشباب هي مؤشر يعكس الأداء السيئ للاقتصاد الكلي ، لذا من المهم التركيز على خلق مناخٍ مشجع للاستثمار وتنويع الاقتصاد للحماية من التقلبات في الدخل القومي الناتجة عن الاعتماد على النفط وتحسين القدرة التنافسية التي ترتبط بدورها بزيادة المهارات ، والى ان تتحقق الحلول الكلية يجب تبني الحلول الجزئية المتمثلة في مختلف البرامج المرتبطة بالسياسات النشطة لسوق العمل كبرامج تدريب الشباب وسياسات التعليم ودعم التوظيف الذاتي والمشروعات الصغيرة والخدمات العامة للتوظيف وخدمات البحث عن عمل. وعلاج مشاكل سوق العمل يتطلب ضبط التحولات الديمغرافية و النظر إلى أسبابها العميقة ، باعتبار ان مشاكل سوق العمل ليست سوى مظاهر فرعية لأوجه الخلل المزمنة في ادارة التنمية التي تحتاج إلى إصلاح جذري بما في ذلك الخلل الإنتاجي – الاقتصادي.
5- البعض تحدث عن مسألة الدعم الحكومي لموظفين القطاع الخاص الامر الذي سوف يضع حل لمسألة الفروقات في الدرجات المالية حسب قولهم . هل انتم مع ذلك ؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟ وماذا عن إيجابيات هذه الامر وسلبياته؟
توصلت دراسة لصندوق الدولي ان الانفاق الحكومي الاستثماري فقط يلعب دور ايجابي في نمو القطاعات غير النفطية وفي توليد فرص عمل وان زيادة الانفاق الحكومي الرأسمالي بنسبة 1% يؤدي الى نمو القطاع غير النفطي بنسبة 4% و لا يوجد اي اثر ايجابي يذكر من الانفاق الحكومي المتكرر على النمو ، مما يعني ان معظمه يستهلك على الواردات.
أن الارتقاء بمستوى الأجور الممنوحة في القطاع الخاص قد لا يكون أمرا سهلا ، خصوصا و أن الهوامش التنافسية لعدد كبير من القطاعات حيث السلع قابلة للمتاجرة الخارجية (tradable) قد لا تسمح بزيادة أجور العاملين فيها باعتبار انها ستؤثر سلبا في تنافسيتها و تحد من قدرتها على تسويق منتجاتها . و علية ، فقد يكون من الأنسب التركيز على القطاعات ذات السلع غير القابلة للمتاجرة الخارجية (non-tradable) ، كالقطاعات العقارية و الخدمية ، و اتخاذ التدابير اللازمة لدفع الأجور فيها إلى مستويات أعلى. وقد يتطلب الأمر استحداث أشكال أخرى من الامتيازات للمواطنين ، تحفزهم على قبول فرص العمل المتاحة في القطاع الخاص ، وعلى النحو الذي يفضي إلى تضييق فجوة الأجور بين القطاعين.
ولا بد من التأكيد على أن العلاج لا يمكن ان يقتصر على إعادة النظر في سياسات الأجور و إنما يجب أن يمتد ليشمل إعادة النظر في التشريعات الناظمة للعمل في القطاع الخاص ، وتمكينها من دعم تطبيق معايير و ظروف العمل اللائقة على جميع العاملين ، مواطنين كانوا أم أجانب . و ذلك لأن التضييق في حقوق العمال الأجانب في القطاع الخاص يعني في الوقت نفسه الحد من تنافسية العمال المواطنين من حيث كلفة تشغيلهم.
تعقيب على ردود الفعل الناجمة عن وصف زيادة أجور موظفي الحكومة بأنه جريمة اقتصادية
لقد نجم مقطع فيديو يشير إلى التصريح الذي وصف زيادة أجور موظفي الحكومة بالجريمة الاقتصادية ردود فعل واسعة لدى الكثير من الناس ومن المؤسف أن البعض استمر في انتقاد التصريح دون استيعاب ما ترتب عليه من نتائج أدت إلى خلل في هيكلية الميزانية العامة للدولة. الجريمة المقصودة في التصريح لم تكن في زيادة أجور موظفي الحكومة بذاتها و لكن ما سوف يترتب عنها من سياسات لمعالجة نتائج تلك الزيادة وتأثيرها على جميع شرائح المجتمع في حالة انخفاض أسعار النفط ، ولم يدم الوقت طويلا حتى ظهرت النتائج للجميع ، ولم تطول فترة استفادة العاملين في القطاع الحكومي من تلك الزيادة وفي الوقت ذاته تضرر من تبعاتها العاملين في القطاع الخاص وجميع شرائح المجتمع العماني ، وترتب عن معالجة الخلل الذي أحدثه القرار في هيكلية الموازنة ، كما كان متوقعا تأجيل الترقيات وزيادة التضخم و الرسوم والضرائب والقيمة المضافة وزيادة فواتير الكهرباء والمياه و تأثر من ذلك جميع فئات المجتمع الذين لم تشملهم تلك الزيادات وهنا تكمن الجريمة الاقتصادية.
لقد عرف الفقهاء الجريمة الاقتصادية بأنها ” فعل ضـــار أو امتناع عن فعــل محدد ويكون للفعل أو الامتناع مظهر خارجي يخل بالنظام الاقتصادي والإنمائي للدولة و بأهداف سياستها الاقتصادية و يمتد تأثير الجرائم الاقتصادية لأجيال متعددة وعلى شريحة واسعة من المجتمع ، وهي ذات تأثيرين كبيرين اقتصادي واجتماعي – تأثير اقتصادي على الدولة واقتصادها وماليتها و تأثير اجتماعي على المستوى المعيشي للمواطنين ، وهذا ما حدث مع تلك الزيادة التي تآكلت سريعا.
الجريمة يفهمها كل حصيف وهي الأثار التي ترتبت عن تلك الزيادة ويفهمها المتخصصين في المالية وليس التعليقات المبنية على العواطف والتي تعلق على التغريدات دون أن تدرك اصل المشكلة ، الجريمة نتائج تلك الزيادات على الزيادة في الضرائب والرسوم وفواتير الكهرباء والماء والعجز عن التشغيل والتسريح والتي وضعت الحكومة في وضع يصعب عليها الوفاء بالتزاماتها وشبه مشلولة في الفترة ما بين ٢٠١٥ – ٢٠٢١ ، عندما أصبحت مستحقات الأجور الحكومية وحدها اكثر من إيرادات النفط ، وأصبحت المالية العامة تعاني من أعباء تفوق طاقتها فيما يتعلق بالقدرة على التعامل مع المخاطر المستقبلية وإيجاد التوازن في هيكل الإنفاق العام بين الإنفاق الجاري والاستثماري والقدرة على الوفاء بتنفيذ خطة التنمية الحالية و تمويل الإنفاق الاستثماري ومعالجة قضايا التشغيل.. و .. و .. الكثير من التحديات الحالية والمتوقعة وترتب عن ذلك معالجات من خلال برنامج التوازن المالي لاسترداد تلك الزيادات.
قد يقول البعض لماذا ينظر إلى أن سبب المشكلة في الأجور فقط و ليس في الفساد و النفقات الأخرى ، من المهم الادراك أن اثر الأجور في هيكلية الموازنة تختلف عن النفقات الأخرى لأنها الجزء الرئيس في المصروفات الجارية وهي متكررة سنويا و عندما تكون نسبتها في بعض الوزارات اكثر من 90% من المصروفات الجارية و يكون حجمها اكبر من إجمالي الإيرادات النفطية يكون هنالك خلل كبير فيها و تكون الحكومة عاجزة عن الوفاء بكافة التزاماتها . بينما المصروفات الأخرى يمكن وقفها أو إلغائها لان تأثيرها يكون في السنة التي تصرف فيها فقط رغم أن تراكماتها تستمر على مدى سنوات بينما الأجور لا يمكن تعديلها إلا بزيادة الإيرادات الحكومية و بفرض الضرائب و زيادة الرسوم التي يتأثر بها الجميع.
على كل حال ليس بوسعي سوى القول سامح الله كل من أساء الي سواء كان ذلك بمعرفة أو بجهل.

