مقابلة مع جريدة عمان في ديسمبر 2008 م حول اسعار المواد الغذائية

مقابلة مع جريدة عمان في ديسمبر 2008 م حول اسعار مقابلة مع جريدة عمان في ديسمبر 2008 م حول أسعار المواد الغذائية

س –  مع ارتفاع اسعار المواد الغذائية ما رأيكم في الحلول المناسبة للحد من ارتفاع الأسعار؟

يرى الكثير من الخبراء العالميين ان الغذاء الرخيص مثل النفط الرخيص من المتوقع ان يكون شيء من الماضي ولا يتوقع اي انخفاض في الاسعار في اي وقت قريب لأننا امام ازمة هيكلية ولسنا امام ازمة طارئة فظاهرة ارتفاع الأسعار ساهم فيها بجانب العوامل الخارجية ما تشهده دول  المنطقة من طفرة اقتصادية نتيجة ارتفاع أسعار النفط وتسخير جزء من الفوائض المترتبة عليه في مشاريع لم تكن واردة في الخطط الاقتصادية وتزيد عن الطاقة الاستيعابية للقطاع الخاص ، وهي ظاهرة تتداخل فيها عوامل اقتصادية واجتماعية ومؤسسية وتشريعية وعلاجها يتطلب تعاونا ايجابيا بين القطاعين العام والخاص وزيادة الوعي العام لدى المسؤولين قبل المستهلكين بأهمية وضع إستراتيجية شاملة للتعامل مع هذه الظاهرة وتقليص الآثار السلبية الناجمة عنها، وضمان الحفاظ على المستوى المعيشي للمواطنين وعدم حصر ذلك على محاولة تغيير الأنماط الاستهلاكية للمواطنين.

هنالك العديد من العوامل الخارجية التي ساهمت في ارتفاع الأسعار ويصعب على أي دولة التحكم فيها على حدة  ويمكن الاشارة الى اهمها على النحو التالي:-

  • ازدياد الطلب على الاغذية في الهند والصين اللتين تمثلان جزء كبير من سكان العالم بسبب تحسن مستوى معيشة مواطنيها ومستوى التغذية فيهما وتحقيقها فوائض مالية كبيرة بسبب ازدهار اقتصادياتها ،  
  • المضاربات التي ادت الى ارتفاع اسعار النفط.
  • التوسع في انتاج الوقود الحيوي في الاراضي الزراعية
  • عدم استقرار الاوضاع السياسية في المنطقة.
  • اسعار المضاربات في بعض السلع نتيجة لتحذيرات التي صدرت من الولايات المتحدة الامريكية  على ان العالم سيواجه نقصا في المواد الغذائية خلال السنتين المقبلتين والطلب من الكثير من الدول رفع مخزونها الغذائي.

كما ساهمت السياسات الداخلية لكثير من الدول في مساعدة تحقيق أهداف العوامل الخارجية ويمثل الاطار العام لتلك المشكلة الأساسية  والتي حذر منها الكثير من الخبراء على مدى السنوات الماضية في مشكة الأمن الغذائي و الاجتماعي ومشكلة التبعية المفرطة للدول النامية تجاه الدول الصناعية، حيث ان البلدان النامية التي كانت لديها شبه اكتفاء ذاتي في انتاج غذاءها غذيت بالأسمدة الكيماوية والأدوية الحشرية و أصبحت خلال السنوات الماضية تابعة بغذائها وبإنتاجها الغذائي للدول الصناعية.

وبالرغم من علمنا بأن منطقتنا تعتبر من ضمن اعلى بلدان العالم التي تعاني من شُح في المياه ، وأن معدلات هطول الأمطار فيها منخفضة وغير منتظمة، وتشهد حالات جفاف متكررة، مما يساهم في تدهور التربة الزراعية وانخفاض إنتاجية الأراضي ، وبأن موارد المياه العذبة تعتبر من أهم مقومات إنتاج الغذاء وبأن أزمة المياه تساهم في توسعة الفجوة الغذائية ، وبأن المؤشرات تشير الى تفاقم الأزمة مستقبلا وأن تدهور الأراضي الزراعية سيؤثر على الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، ويهدد الأمن الغذائي في المنطقة  بالرغم من ذلك كله قد ساهمت سياساتنا السيئة على مدى عقود من الزمن، في زيادة تملّح التربة المنتجة، كما ادى الاستغلال المفرط للمياه الجوفية في تسرب المياه المالحة من البحار للتكوينات الحاملة للمياه العذبة في كثير من مناطقنا الزراعية التقليدية، بينما دفع تدهور المردود الزراعي السكان الذين فقدوا مواردهم وسبل عيشهم في مناطق اخرى للهجرة إلى المدن والبحث عن سبل بديلة للعيش. والأن ندفع ثمن اجتهادات في سياسات تراكمية اثرث سلبا على الانتاج الغذائي ، حيث انه بدلا من دعم المزارعين وتمكينهم من زيادة الانتاج ، اتجهت الحكومة الى  تصفية المؤسسات الداعمة للزراعة مثل بنك الزراعة والآسماك والغاء هيئة تسويق المنتجات الزراعية وخصخصة اصولها بدلا من اصلاح سوء ادارتها وتحسين مستوى أدائها ، كما توقفت عن دعم المزارعين لزيادة انتاجهم وتوقفت عن امدادهم بالبذور والأسمدة والآت الانتاج ، وقلصت مساعداتها في تطوير انظمة الري واذا اردنا زيادة الانتاج يجب تصحيح هذا الوضع وان نضمن حصول المزارعين على البذور والأسمدة و العلف الحيواني ، وضرورة توفير الوسائل التي تساعدهم على توصيل منتجاتهم إلى السوق، عند ذاك يمكن ان نساهم في علاج المشكلة.

بوجه عام، لا توجد لدينا بيانات دقيقة حول اسباب ونسب زيادة الاسعار في السلطنة ولا الخطة الحكومية المتكاملة لمعالجة الوضع حيث نجد اجتهادات مشتتة لمعالجة الوضع من قبل جهات ثانوية ، بينما الجهات المعنية اولا وهي وزارة الاقتصاد الوطني والبنك المركزي العماني لم نطلع على خططها لمعالجة الوضع ولا يمكن معالجة المشكلة قبل التعرف على نسب الزيادة الفعلية واسبابها وهل كلها بسبب ارتفاع الاسعار العالمية او جزء كبير منها يعود للمافيا المحلية ، قرأة سريعة لحسابات الشركات والزيادة الكبيرة في نسب ارباحها تشير الى ان جزء كبير من الزيادات يعود الى استغلال الوضع وتحقيق تلك الشركات ارباح غير مسبوقة في تاريخها ويكفي النظر في حسابات بعض الشركات التي لوزارة التجارة والصناعة علاقة مباشرة او غير مباشرة بها للتضح الصورة.

أتسأل ماذا يعني ارتفاع ايرادات الحكومة من ضريبة الدخل على الشركات بنسبة (3ر574) بالمائة ؟

وما هو دور الحكومة في المحافظة على المستوى المعيشي للمواطن في الوقت الذي وفق الاحصائيات الرسمية بنهاية شهر مارس من العام الجاري فقد:-

  • شهدت الميزانية العامة للدولة فائضا بلغ (8ر869) مليون ريال عماني مقابل فائض بلغ (6ر463) مليون ريال عماني خلال نفس الفترة من عام 2007 .
  • شهدت الايرادات الحكومية للسلطنة نسبة ارتفاع قدرها (5ر36) بالمائة
  • نسبة قدرها (8ر55) بالمائة من ارتفاع ايرادات صافي ايرادات النفط
  •  (4ر47) بالمائة  ارتفاع في ايرادات الضريبة الجمركية
  • (6ر128) بالمائة ارتفاع في الايرادات الراسمالية
  • بينما انخفضت المساهمات ودعم القطاع الخاص بنسبة قدرها (8ر6) بالمائة

 في علم الاقتصاد توجد آليتين لمعالجة التضخم ويتم ذلك من خلال السياسة المالية والسياسة النقدية، وبموجبها تحدد مصادر الإيرادات واستخدامها والفائض في الموازنة والعمل على التقليل من حجم السيولة المتاحة وغيرها من الإجراءات.. فيما تتولى المصارف المركزية وضع سياسة نقدية باعتماد مجموعة من الأدوات الكمية والنوعية، في السلطنة لدينا اشكالية في استخدام السياسة النقدية بسبب ارتباط الريال بالدولار وسياستنا مرتبطة بشكل اساسي بالبنك الاحتياطي الامريكي ، وفي نفس الوقت من الصعب المطالبة بفك الارتباط بالدولار في الوقت  الذي تمثل فيه معظم ايرادات الصادرات العمانية من الدولار ولكن ربما قد نكون وصلنا الى مرحلة تستدعي مراجعة تعويض الريال عن خسارة قوته الشرائية بإعادته للوضع الذي كان عليه قبل سنة 1986م عندما تم تخفيض قيمته مقابل الدولار.

ان النمو لا بد أن يتسبب في ارتفاع  الأسعار لذا يجب تقنين الانفاق الحكومي وربطه بالطاقة الاستيعاية للاقتصاد وهنا يأتي دور السياسات المالية في ضبط التضخم وفق أرقامها المقبولة واستخدام ادواتها الفاعلة للحد منه وتجنيب المجتمع السلبيات وبالرغم من وجود بعض المحاولات لإعادة توقيت ترسية المناقصات الحكومية إلا أننا نجد الحصلة النهائية الكثير من الممشاريع التي تأخذ طريقها للنور غير واردة أساسا في الخطة الخمسية وهنالك شكوك في جدواها الاقتصادية والاجتماعية.

خلاصة القول لا قيمة للتغني بالإزدهار  وقوة الاقتصاد في الوقت الذي ينهار فيه المستوى المعيشي للمواطن وان مشكلة التضخم ستزداد والتضخم قد يتسارع وللأسف سيظل على المواطن البسيط دفع الثمن وبالرغم من ارتباط التضخم الحالي ببعض العوامل الخارجية ألا انه توجد اجراءات داخلية يمكن ان تساهم في التقليل من آثاره من قبيل تخفيض رسوم الخدمات وتقديم اعانات مدروسة للسلع والحاجات الضرورية فضلا عن تبني سياساسا اقتصادية وقانونية جديدة تساعد على زيادة المنافسة وكسر الاحتكارات والتكتلات التجارية خاصة تلك التي يمارسها تجار الجملة وعددهم قليل الكل يعرفهم و لا احد يريد التحدث عنهم، السؤال الذي يجب طرحه أمام وزارة الاقتصاد ما هي خطتها المتكاملة لمعالجة الوضع ما هي الوسائل والسبل الكفيلة بوقف التضخم  والى متى سيستمر والى اين سيصل وكيف يتعوض المتضررين؟

س –   ما رأيكم بإقامة جمعيات استهلاكية في مناطق وولايات السلطنة؟

نجاح الجمعيات الاستهلاكية يعتمد بشكل كبير على السياسات العامة للدول التي تمارس فيها مثل تلك الجمعيات نشاطها ، وحكومة السلطنة لا تؤمن بمسألة  توفير الدعم للسلع وفي البيان الرسمي الذي صدر حول معالجة الوضع تحدث عن البيع بسعر التكلفة  ، ولم يتطرق الى مسألة الدعم ، وبالتالي لا اعتقد انه سيكون بوسع مثل هذه الجمعيات النجاح في بيئة سوق العمل العماني ، حيث انها ستضطر للتعامل مع نفس تجار الجملة الذين يزودون السوق بالسلع ، كما ان الهيكلية المؤسسية والتشريعات الحالية لا تسمح بإقامة مثل هذا النوع من الجمعيات ، منذ سنوات كانت توجد جمعية استهلاكية لكنها اجبرت على ممارسة نشاطها وفق قانون الشركات التجارية وانتهى بها المطاف الى اغلاق أبوابها بدلا من تطوير تجربتها ، لأن استمرارها كان بإمكانه ان يشكل تهديد للإحتكارات السوقية في المواد الغذائية على المدى الطويل. والسبب الرئيس لتوقف نشاطها كان غياب التشريعات التي تضمن استمراريتها وادارتها ادارة سليمة،


في ظل انفتاح الأسواق والاتفاقيات الدولية وسياسة الحكومة التي لا تقر بمبدأ الدعم لا أرى فرصة لنجاح مثل هذه الجمعيات لأنه لن يكون لديها مقومات البقاء ، فإما ان تعمل في فلك المنظومة الحالية وذلك لن يحل المشكلة أو المنافسة ولن يكون بوسعها ذك لأنها ستسحق قبل فطامها ، ولا ارى أي حل بمعزل عن السوق الخليجي المشنرك ويجب مواجهة التحديات واحتواء تداعيات التضخم والمعالجة على المستوى الخليجي من خلال السوق المشترك وبأن اي قرار في اي دولة من دوله يؤثر على الدول الأخرى سلبا أو ايجابا ويجب التركيز على البرامج والمشاريع والإجراءات المشتركة على المستوى الخليجي بدءا من أسعار صرف العملات أمام الدولار إلى  التقارب في الأجور بما ينسجم مع تكلفة المعيشة الى موضوع تبنى المشروعات التي تعمل على توفير احتياجات المواطنين من السلع الأساسية التي يتم تحديدها بطرق مختلفة في كل دولة من دول المجلس ، كما قد يكون من المناسب إعادة النظر في موضوع تطبيق فكرة الشراء الجماعي للسلع الاستهلاكية والدخول في تحالفات إستراتيجية وشراكات تجارية وصناعية  مع الدول المصدرة سواء على المستوى الصناعي أو الزراعي والاستغلال الأمثل للسوق الخليجية المشتركة التي يمكن ان تتيح لدول المجلس قوة تفاوضية افضل في ظل التكتلات الاقتصادية على المستوى العالمي. وحاليا يوجد مقترح لإنشاء شركة مساهمة خليجية لتأمين احتياجات دول المجلس و تم تكليف منظمة الخليج للاستشارات الصناعية بإعداد دراسة الجدوى الاقتصادية لها.

وفي ظل وجودنا ضمن منظومة السوق الخليجية المشتركة لا يمكن للحكومات تجاهل مسآلة تفاوت المستويات المعيشة بين مواطني دول المنطقة ، ان ما أخشاه في المستقبل ليس زيادة الأسعار فقط ولكن ندرة السلع في الأسواق حيث سيؤدي زيادة الطلب على السلع في الدول المجاورة الى حدوث منافسة شرائية وعندما تكون المقدرة الشرائية لدى الافراد والشركات في بعض الدول أقل من غيرها يلجاء التجار الى التخزين والتصدير للدول المجاورة من اجل تحقيق هامش اكبر من الأرباح.

س –   ما دور الجمعية الاقتصادية العمانية في ترشيد وتوعية المستهلك بعدم الإسراف الزائد عند الشراء؟

لا اعتقد أن من مسؤولية الجمعية الاقتصادية العمانية ترشيد وتوعية المستهلك بعدم الإسراف الزائد عند الشراء، هنالك الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة تضع الأسس والقواعد المنظمة لحياة المسلمين ومسؤلية وزارة الشؤون الدينية  ووزارة الاعلام التوعية بها ، في تصورى عندما تعجز الجهات المسؤولة عن اداء واجباتها ومسؤولياتها في وضع الحلول العلمية فإن اسهل طريقة للهروب من تلك المسؤلية هو التذرع بالتوعية ، اعتقد ان المواطنين لديهم التوعية الكافية لإختيار ما يريدون شراءه وفق ميزانياتهم وامكانياتهم وأن التوعية لن تحل مشاكلهم.

Shopping Cart
Scroll to Top