مقابلة حول رؤية 2020
مع جريدة عمان – بتاريخ – 5 ابريل 2011
هل حققت الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني 2020 تنمية حقيقية للاقتصاد الوطني؟
من الصعب تقييم الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني 2020 لأنها ليست موجودة إلا في الادبيات الاعلامية وشخصيا أعتقد أن الغاء وزارة الاقتصاد الوطني بالرغم من كونها من أهم الوزارات في الدولة وتشكيل لجنة لاعادة توزيع اختصاصاتها وترتيب اولوياتها اكبر دليل على اخفاق تلك الرؤية التي ولدت ميتة ، وإذا رجعنا لأصول الامور ومن حيث الشكل نجد ان المرتكزات والأهداف والسياسات الرئيسية للرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني (عمان 2020) لا تمثل محور التخطيط في السلطنة حيث انه لم يتم التلميح لتلك الرؤية إلا في ديباجة مرسوم الخطة الخمسية السادسة حيث وردت عبارة ” وحرصا على ارساء الدعائم الاساسية لاستدامة التنمية من خلال مواصلة العمل التنموي في اطار الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني، عمان 2020″. بينما استبدلت تلك العبارة بعد ذلك في الخطة السابعة والثامنة بعبارة “وحرصا على ارساء الدعائم الاساسية لاستدامة التنمية من خلال مواصلة العمل التنموي في اطار إستراتيجية التنمية طويلة المدى (1996- 2020) .
وحتى في المصدر الوحيد لتلك الرؤية ( المرسوم 1/96 ) باعتماد الخطة الخمسية الخامسة فأنه قد تم الاشارة اليها ضمنيا فقط حيث ورد في ديباجة المرسوم عبارة “وحرصا على بدء المرحلة الجديدة من العمل التنموي في اطار رؤية مستقبلية واضحة ومحددة المعالم” و تم اعتماده بموجب المادة (1) من المرسوم تحت مسمى المحاور الاساسية للاقتصاد العماني والموضحة في الملحق رقم (1) المرفق. علما ان تلك المحاور يشار اليها في موقع وزارة الاقتصاد الوطني على أنها إستراتيجية التنمية طويلة المدى. ولم ترد أية اشارة في ذلك المرسوم او في غيره من المراسيم الى اعتماد الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني : عمان 2020 و لا الى آليات تقييمها او نشر تفاصيلها ، كما لم نطلع على أية تقارير متعلقة بها وكل ما نعرفه عن تلك الرؤية ما يرد بشأنها في تصريحات اعلامية من وقت الى اخر.
ما هي اهم الاخفاقات والنجاحات للرؤية 2020؟
قبل أن نتحدث عن الإخفاقات والنجاحات يجب أولا ان نحدد ما هي الاهداف التي وضعت ونترجم نتائجها بالأرقام وتلك الاهداف نجد انها وردت ضمن ما هو معتمد في الملحق 1 من المرسوم 1/96 الذي نص على أن التوجه التنموي للحكومة يهدف في المقام الأول إلى:-
- ضمان استقرار دخل الفرد عند مستوى سنة 1995م كحد أدنى والسعي إلى مضاعفته بالقيمة الحقيقية بحلول عام 2020 ( الارقام الفعلية يمكن ان تحدد ذلك)
- وذلك بجعل الخطة الخمسية الخامسة (1996-2000) مرحلة انتقالية تعمل فيها الحكومة على تحقيق التوازن بين الايرادات والاستخدامات وصولا الى موازنة الايرادات والانفاق في نهاية الخطة (لم يتحقق في اية سنة من سنوات الخطة)
- وكذلك تهيئة الظروف اللازمة للإنطلاق الاقتصادي حيث ستعمل على استخدام عائدات النفط والغاز لتحقيق التنويع الاقتصادي المستمر والمتجدد وتتحمل مسؤولياتها كاملة تجاه تقديم الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية وتطويرها . (وفق دراسة أولية للجمعية الاقتصادية لم تتحقق)
- وكذلك تدريب المواطنين العمانيين وتنمية مهارتهم. (الاحداث الحالية تشير الى انه لم تتحقق – خلل كبير في سوق العمل وعدم توفر الكفاءات بالرغم من توفر الاعمال)
- إضافة إلى انتهاج سياسات تهدف ألي تعزيز المستوي المعيشي للمواطن العماني. (الاحداث الحالية تجاوب على هذا السؤال)
هل نحن الان بحاجة الى رؤية جديدة لاستراتيجية التنمية ام انه مازال في الامكان الاستفادة من الاستراتيجيات الموجودة بالرؤية المستقبلية الحالية؟ و ما هي اهم النقاط التي ينبغي الاهتمام بها اذا تم وضع استراتيجية نمو جديدة في الوقت الحالي؟
من المؤكد أننا بحاجة الى اعادة النظر في الخطط التنموية ، من أجل نزع فتيل الاحتقان المعيشي ، وإخراج البلاد من أتون الفوضى وعدم الإستقرار وأن تتمحور تلك الخطط من صياغة جديدة للتنمية المستدامة بإعتبارها “عملية مجتمعية واعية ودائمة موجًّهة وفق إرادة وطنية مستقلًّة من أجل إيجاد تحوُّلات هيكلية وإحداث تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية تسمح بتحقيق تصاعد مطًّرد لقدرات المجتمع وتحسين مستمر لنوعية الحياة فيه” ، والكثير من الحلول التي نبحث عنها سنجد أسسها في المنظومة المتكاملة لمؤتمرات ومحاضرات الجمعية الاقتصادية العمانية والتي يمكن أن تمثل مرتكزات أساسية في أية خطط مستقبلية للاقتصاد ، لقد أشار الدكتور علي الصاوى في ورقته للمؤتمر الثالث للجمعية الاقتصادية العمانية بأن مؤتمرات الجمعية تطرقت لقضايا التنمية فى إطارها المتكامل، الاقتصادى والمالى، الإدارى والتنظيمى، الاجتماعى والثقافى والسياسى، باعتبار أن جوهر عمليات التنمية هو البشر، أى تنمية الموارد البشرية و غاب عن جميع تلك المؤتمرات من كانوا مسؤولين عن اقتصاد هذا البلد آنذاك فمنذ المؤتمر الأول للجمعية بعنوان مؤتمر الاقتصاد الجديد، الذى انعقد فى مسقط (2 و3 أكتوبر 2005)، طرحت قضية الفجوة بين الدول النامية والعربية من ناحية والدول المتقدمة من ناحية أخرى، والتى رأى المؤتمر أنها تتعاظم يوما بعل يوم، وأن الحد من حجم الفجوة يتطلب وضع وتطبيق سياسات عامة متناسقة لقطاعات التكنولوجيا والاقتصاد والتجارة تمكن من تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، ومواجهة تهديدات التهميش الناجمة عن العولمة، كما يجب أن ينطلق تكامل السياسات من أعلى المستويات فى الدولة لإيجاد بيئة تنسجم مع إطار العناصر الأساسية للاقتصاد المعرفى الذى حددت معاييره المنظمات الدولية بدقة. كما ناقش المؤتمر دور الاقتصاد الجديد فى إصلاح القطاعين العام والخاص وتحديثهما وتكاملهما فى البلاد النامية، والاقتصاد المبنى على المعرفة كمدخل فى زيادة الاستثمار المبنى على المعرفة فى المنطقة العربية وتناول المؤتمر الثانى موضوع: الحاكمية، التنافسية والمستقبل، وسعى الى إبراز دور الحاكمية والتنافسية فى تحقيق الرؤية المستقبلية للاقتصاد العمانى عمان 2020، ودور حوكمة الشركات فى تحسين الكفاءة الاقتصادية والنمو الاقتصادى وتعزيز ثقة المستثمر، وإبراز الإطار القانونى والمؤسسى والتنظيمى الخاص بحوكمة الشركات و علاقة الحوكمة بأخلاقيات الأعمال، ومدى إدراك الشركات بمسؤولياتها الاجتماعية والبيئية فى المجتمعات التى تعمل فيها. وأكد المؤتمر الثانى على أن “الحكم الجيد لا يكون جيدا إذا عجز عن تحقيق التنمية البشرية..”، واعتبر أن الشفافية هى توافر المعلومات، فضلا عن صحتها ودقتها واكتمالها، وأن المحاسبة تعنى أن يكون الموظفون العموميون خاضعين للرقابة والمساءلة عن ممارساتهم للسلطات المخولة لهم وأن يتقبلوا تحمل المسئولية (ولو جزئيا) عن الفشل أو عدم الكفاءة أو الغش وأن يستجيبوا للنقد ويعلنوا قراراتهم فى ضوئه. بينما ركز المؤتمر الثالث على قضية المساءلة والشفافية، ليشكل حلقة أكثر دقة فى مسار التنمية المتكاملة، ومناقشة سبل تحقيق نقلة “نوعية” فى إدارة عمليات النمو الاقتصادى لتعزز قدرة المجتمع على تحقيق تنمية إنسانية متكاملة. وعقد بعد ذلك المؤتمر الرابع تحت عنوان فرص وتحديات التنمية المستدامة في دول مجلس التعاون في ظل التكامل الخليجي ، ليكمل المنظومة وتم التركيز على العوائق ذات الطابع التنموي والتي تتطلب الفهم والتعامل معها بهدف تكملة مسيرة التكامل والتنمية في دول مجلس التعاون.
ومن الضروري هنا الاشارة الى أن تحقيق تنمية مستدامة يتطلب وجود استراتيجية سكانية وطنية لتحقيق الاهداف المنشودة ، والتركيز على السياسات التي تؤدي إلى تحسين حياة الفقراء ، ومنح المواطنين فرص النجاح والحصول على الرعاية والتدريب والتأهيل، بدلا من التركيز على إثراء عدد صغير من الأشخاص وإنشاء مشاريع وصناعات تنحصر فوائدها عليهم. وتحقيق ذلك يتطلب وجود مؤسسات فعلية وليست شكلية ، معظمها ألغيت بإلغاء وزارة الاقتصاد الوطني وتكليف مجلس الوزراء بتوزيع ارثه وبحيث تكون أولويات المرحلة القادمة ترسيخ سيادة الدولة وإيجاد آلية لتطوير العمل المؤسساتي ليطغى على مشكلة الاجتهادات الفردية مع ضمان النزاهة وتحقيق العدالة، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا عن خلال حكومة فعالة وسلطات قضائية مستقلة وانفتاح وشفافية، والقضاء على الفساد الذي يخنق القطاع العام، كما يخنق نمو القطاع الخاص.
الشيخ محمد بن عبدالله بن حمد الحارثي
رئيس الجمعية الاقتصادية العمانية

