مقابلة مع جريدة الوطن حول سعر الدولار وارتفاع الاسعار  13 سبتمبر 2011م

مقابلة حول سعر الدولار وارتفاع الأسعار

مع جريدة الوطن  – 13 سبتمبر 2011م

يشهد الدولار هذه الأيام حالة من عدم الاستقرار مقابل سلة من العملات الرئيسية من وجهة نظركم هل استمرار هذه الحالة سيكون له تأثير على سعر صرف الريال؟ وما هي البدائل الواجب اتخاذها في حالة استمرار انخفاض الدولار.

حيث ان الريال العماني مرتبط بالدولار فإنه من الطبيعي ان يؤثر أي تغيير في سعر الدولار على سعر الريال العماني وذلك من ناحيتين اذا كانت الواردات بالدولار فإن ذلك سيؤثر على الاسعار بسبب تأثير ذلك على التضخم في الدول المصدرة أما اذا كانت الواردات بعملات غير الدولار فسيكون تأثير ذلك بسبب تفاوت اسعار العملات فعلى المستورد سداد دولارات اكثر لشراء نفس السلع وبنفس السعر السابق للسلع  بالعملات الاخرى وذلك بسبب تراجع سعرها بالدولار وبالتالي انخفاض سعر صرف الريال العماني أمام العملات الأخرى حيث أنه من الملاحظ ان سعر صرف الدولار انخفض أمام اليورو والين و الجنيه الإسترليني منذ نهاية يونيو 2010 بنسب تتراوح ما بين  12%- 18% ونتج عن ذلك ارتفاع تكلفة السلع المستوردة من تلك الدول بنسب لا تقل عن النسب المشار إليها بسبب الفارق في سعر العملة فقط حتى اذا لم تكن هنالك زيادة في اسعار تلك السلع في الدول المصدرة.

البدائل الممكن اتخاذها تكمن في توسعة التعاون على المستوى الخليجي والعربي لتوسعة القاعدة الانتاجية المحلية وفك الجمود عن السياسة النقدية ، خاصة انه لا يوجد في الوقت الحاضر بديل عن الدولار الامريكي فهو ما يزال يسيطر على التعاملات الاقتصادية العالمية حيث تشير الاحصائيات الى ان حوالي 45% من من المعاملات التجارية العالمية بالدولار ، كما ان حوالي 65% من احتياطيات البنوك المركزية العالمية بالدولار الامريكي ، بيما لا يشكل اليورو اكثر من 30% من احتياطيات العالم و بالرغم من تزايد نسبة حصته العالمية إلا أنه مازال يقل عن نصف الاحتياطي العالمي  بالدولار ، كما أن الصين مع  شريكاتها دول البريك البرازيل وروسيا والهند تعمل من أجل عملة عالمية جديدة إلا انه من المتوقع ان يتخلل ذلك الكثير من التعقيدات ولن يحدث في المستقبل المنظور ، بإمكان الدول حماية نفسها من تقلبات الدولار بتنويع استثماراتها لتشمل سلع مثل الذهب والفضة والأراضي ، واقول هنا تنويع وبنسب بسيطة ولا اتحدث عن استبدال وعلى أن تكون  تلك السلع قابلة للبيع و الإستبدال بسهولة أذا رآت الدول وجود مخاطر في بعضها ، إلا ان ذلك يمثل مغامرة كبيرة في الدول النامية ويتطلب ادارة جيدة قادرة على قرآة السوق قرأة دقيقة واتخاذ قرارات سريعة لأن أي تأخير في اتخاذ القرار قد يؤدي الى نتائج كارثية.

كما انه من الضروري معرفة ان ان اساس اختيار الدول لعملاتها والسياسات التي يجب ان ترتبط بها تلك العملات يرتكز أساساً الى المعاملات التجارية والمالية لتلك الدول وفي الدول النفطية فإن عملية بيع وشراء النفط في الاسواق العالمية يتم بالدولار ، كما أن معظم التعاملات المتعلقة بواردات تلك الدول تتم بالدولار وبالتالي فإن عملية ربط عملات تلك الدول بالدولار يسهل كثيرا ادارة موزنات تلك الدول بالرغم من السلبيات الناجمة عن تقلبات اسعار الدولار.

أعلن البنك الدولي مؤخرا ان الاقتصاد العالمي سيدخل مرحلة جديدة من الخطر هذا الخريف.. ما هي نظرتكم حول واقع الاقتصاد العربي خلال الفترة القادمة.

تشير بيانات لـ IIF أو “Institute of International Finance”، التي صدرت في الربع الثاني من هذا العام إلى أن أعلى نسب البطالة في العالم تلك الخاصة بالدول العربية ، حيث حصلت على المرتبة الاولى عالميا في نسبة بطالة الشباب المتعلم، وبالرغم أن معدل البطالة الكلي في عام 2009 كان نحو 11.5%، إلا أن بطالة الشباب كانت أكثر من ضعف تلك النسبة حيث بلغت  25.2%، بينما نجد ان هذه المعدلات لجنوب وشرق آسيا 4.8% للبطالة الكلية و11.3% لبطالة الشباب، وفي أمريكا الجنوبية  7.7% و15.7%.

ومن المؤسف ان نجد ان  الوضع لا  يختلف كثيرا بين الدول العربية الغنية والفقيرة ، فمعدل البطالة الكلي في السعودية على سبيل المثال طبقاً لنفس المصدر هو 10.2% وضمنه بطالة الشباب 23.2%، وفي مصر 9.5% للبطالة الكلية، و27.2% لبطالة الشباب ، كما ان القراءات تشير الى أن المستقبل لن يكون افضل حالا بسبب عرض قاعدة الهرم السكاني في المنطقة ، ففي بعض الدول العربية يبلغ اتساع القاعدة نحو ضعف المتوسط العالمي مما يعني أن وضع سوق العمل سوف يكون أكثر سوءاً لارتفاع معدلات تدفق العمالة الجديدة إليه. وربما يكون واقع الحال أسوأ من المعلن لأن معظم تلك الدول العربية لا تنشر أرقاماً صحيحة عن وضع البطالة، فهي تبالغ في خفضها لأسباب سياسية، كما تحاول هذه الدول ان ترقع سياساتها على المدى القصير بتوفير فرص عمل غير حقيقية وبالتالي استبدالها بالبطالة المقنعة ولكن هذا يقوض رأس المال البشري ويؤثر سلبا على تنافسية اقتصادياتها، و كل ما يحقق لها مجرد كسب الوقت الضائع في مرحلة ما قبل الانفجار.

لقد ذكر تقرير لصندوق النقد الدولي تم تقديمه إلى قمة “الثمانية ” “G8” في فرنسا منذ بضعة أشهر بأن الاستقرار الاجتماعي والسياسي لن يتحقق في المنطقة العربية ما لم تنجح تلك الدول في خلق ما بين 50-75 مليون فرصة عمل جديدة خلال عقد من الزمن. وذلك لن يتحقق إذا استمرت السياسات التي كانت تتبع في العقود الماضية ، فخلالها حققت المنطقة معدل نمو اقتصادي حقيقي منخفض، حوالي 3% مقابل معدل 4.5% للدول النامية الأخرى، بينما كان نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الأدنى في العالم، حوالي 0.5%، فقط حيث لم يتمكن من مواكبة ارتفاع معدل النمو السكاني البالغ 2.5%، وكما أشرت اعلاه فإن البطالة في المنطقة كانت الأعلى في العالم خاصة في فئة الشباب والمتعلمين وهذا يؤكد على عجز نظم التعليم عن مواكبة متطلبات سوق العمل. ويرى العديد من الخبراء ان سبب هذا المازق في الوطن العربي هو فشل تبني المشروع التنموي، بسبب تركيز استخدام موارد الدولة في مشروعات بناء الحكم ، خلافا لما يحدث في بقية مناطق العالم ، وبأن متطلبات النجاح في المستقبل تكمن في التحول الى  التخطيط التنموي المبني على معايير مشروعات بناء الدولة في كل قطرعربي ، وبحيث يكون التركيز في بناء اقتصاد يحقق متطلبات التنمية للمواطنين ويخلق لهم فرص عمل حقيقية .

 هل هناك علاقة بين ارتفاع اسعار النفط وما نراه الآن من ارتفاع في أسعار العديد من السلع الاساسية؟

يشير تقرير البنك الدولي لمراقبة اسعار الغذاء الصادر في شهر ابريل الماضي الى أن ” الزيادات في أسعار الغذاء ترتبط بالزيادات في أسعار الطاقة. فقد صعدت أسعار النفط الخام بنسبة 10.3 في المائة في مارس/آذار حتى صارت تزيد بنسبة 36 في المائة عما كانت عليه قبل عام. وهذه الزيادات في أسعار النفط تؤثر في أسعار الغذاء – فحدوث ارتفاع نسبته 10 في المائة في أسعار النفط الخام يؤدي لحدوث زيادة نسبتها 2.7 في المائة على مؤشر أسعار الغذاء 1 – وذلك من خلال قنوات متعددة. أولها، أن حدوث ارتفاع في أسعار النفط الخام يشجع على زيادة استخدام منتجات غذائية مثل الذرة والزيوت النباتية والسكر في إنتاج الوقود الحيوي. و تتمثل القناة الثانية لانتقال التأثير في أن ارتفاع أسعار الطاقة يؤدي لزيادة تكلفة إنتاج الغذاء من خلال ارتفاع أسعار الأسمدة، وتكلفة الري، وغيرها من المستلزمات الزراعية. ويختلف مدى تأثير أسعار الطاقة كثيراً تبعاً لنوع المحصول ومستوى الميكنة في إنتاجه. أما القناة الثالثة لانتقال تأثير أسعار الطاقة فتأتي من خلال الزيادات في تكاليف نقل المحاصيل إلى الأسواق، وهو ما يؤدي إلى حدوث اختلافات أكبر في السعر داخل البلد الواحد ويزيد التكاليف على عاتق البلدان المستوردة. “.

ومما لا شك فيه أن ارتفاعات أسعار النفط على مدى سنوي قد أدت إلى ارتفاع أسعار التضخم في منطقة الخليج حيث تشير بعض الدراسات التي اعدت في السوق السعودي الى وجود علاقة طردية بينها أي كلما ارتفعت أسعار النفط ارتفع معدل التضخم، ففي عام 2000 و 2001 كان معدل التضخم (-1.1%) سلبيا عندما كان سعر النفط العربي الخفيف أقل من 28.5 دولار وعندما بدأت أسعار النفط تأخذ اتجاها تصاعديا من 2002م من سعر 25 دولارا إلى 97.26 دولار في 2008م رافق ذلك ارتفاع معدل التضخم من 0.2% إلى أعلى مستوى له عند 9.9% خلال نفس الفترة. ثم انخفضت أسعار النفط في عام 2009م إلى 61.67 دولار وانخفض معدل التضخم إلى 5.1%، ولكن أسعار النفط ارتدت في 2010 إلى 76.3 دولار ليرتفع التضخم إلى 5.3% في نفس الفترة.

وفيما يتعلق بالدول المستوردة للنفط والمصدرة للسلع  تشير دراسات أخرى الى ان زيادة أسعار النفط تؤدي الى زيادة مستوى الأسعار ويكون التأثير أكبر عندما يكون البلد مستورد على نطاق واسع للنفط وعلى الصناعات التي تستخدم النفط كمدخل أساسي في عملياتها الإنتاجية ، حيث أكدت احدى الدراسات بأن ارتفاع أسعار النفط بمقدار 3-4 دولار يرفع معدل التضخم بنسبة 0.1% بشكل مباشر، كما أن التضخم المرتفع يؤثر على الطلب الكلي ويحد من نمو الدخل الحقيقي ما يمارس ضغطا على طلب المستهلكين من خلال ارتفاع تكاليف المدخلات التي تحد من الهوامش الربحية لشركات ، كما ان ارتفاع أسعار النفط يعكسها التضخم الذي يعتبر تآكلاً للقوة الشرائية للنقود عندما تقيم بقيمتها الحقيقة، و استمراره لا يشجع الاستثمار والادخار سواء في الدول المصدرة او المستوردة.

Shopping Cart
Scroll to Top