مقابلة مع جريدة الوطن حول تعميم بيع الحكومة
لأراضي مواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الفضاء في السلطنة
مارس 2015
- أهمية هذا التعميم من وجهة نظركم ؟
اعتقد انه لا يجب علينا ان نحمل التعميم الوزاري رقم (1/2015) الخاص بتملك مواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية للأراضي الفضاء في السلطنة والذي أصدره معالي وزير الإسكان اكبر من وزنه . فما ورد في التعميم قد تم اقراره في القمة الخامسة لقادة دول مجلس التعاون، المنعقدة في نوفمبر 1984، وقد صادقت دول مجلس التعاون الخليجي بما في ذلك السلطنة على قرار القمة بموجب المرسوم السلطاني رقم 70/87 حيث اشتمل التنظيم على اثنتي عشرة مادة تهدف كما قيل آنذاك الى تنشيط القطاع العقاري بدول المجلس، وتعزيز الروابط المشتركة والحد من المضاربات الضارة بالأسواق وبالتالي فإن التعميم لا يخص السلطنة وحدها، بل قابل للتطبيق في جميع دول مجلس التعاون بدون استثناء. واذا عدنا قليلا الى الوراء نجد أن النظام المعتمد سمح لمواطني دول مجلس التعاون من الأشخاص الطبيعيين بتملك عقار واحد أرضاً كان أو بناءً في المناطق السكنيّة المنظمة في أي دولة عضو بإحدى طرق التصرف بين الأفراد أو بالإيصاء بشرط ألا تتعدى مساحة الأرض (3000) م2 ثلاثة آلاف متر مربع. يكون التملك لغرض السكن للمالك أو لأسرته وليس له الحق في استغلال العقار لغرض آخر إلا إذا سمحت قوانين الدول بذلك، وإذا كان العقار أرضا فيجب أن يبدأ المالك في بنائها خلال ثلاث سنوات من تاريخ تسجيلها باسمه، وأن يتم البناء خلال خمس سنوات من ذلك التاريخ، وإلا كان للدولة المعنية الاستيلاء على العقار وبيعه على حسابه مع تعويض المالك بنفس ثمن العقار وقت شرائه أو ثمنه وقت البيع أيّهما أقل، مع حفظ حق المالك بالتظلم أمام الجهة المختصة. كما منح القرار دول المجلس حق تمديد المدة المذكورة إذا اقتنعت بأسباب تأخر المالك في البناء. ولم يمنح القرار مالك حق العقار التصرّف فيه تصرفًا ناقلا للملكيّة إلا بعد انقضاء ثماني سنوات على إتمام البناء من تاريخ تسجيله وأجاز الاستثناء في حالة الضرورة القصوى أن يتصرف المالك قبل انقضاء هذه المدة بشرط الحصول على إذن مسبق من الجهات المختصة.
إلا أن النظام تم تعديله على مدى السنوات الماضية وفي قمة سنة 2002م عدل على أساس وجوب استكمال البناء خلال أربع سنوات من تاريخ تسجيله باسم المالك، وإلا كان للدولة التي يقع فيها العقار حق التصرف بالأرض مع تعويض المالك بنفس ثمنها وقت شرائها أو ثمنها حين بيعها أيّهما أقل مع حفظ حقه في التظلم أمام الجهات المتخصصة في الدولة، وللدولة أن تمدد المدة المذكورة، إذا اقتنعت بأسباب تأخر المالك عن تلك المدة مع إجازة تصرف المالك في العقار المبني في أي وقت، أما إذا كان أرضا فيتم التصرف به من تاريخ استكمال بنائه أو استغلاله أو مرور أربع سنوات من تاريخ تسجيله باسمه.
وفي السلطنة تمت المصادقة على هذا التنظيم بموجب المرسوم السلطاني رقم 21/2004، الذي خول معالي وزير الإسكان باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ أحكام قرار المجلس الأعلى والتعميم يستند على هذا المرسوم الذي نصت المادة الثانية منه أنه «إذا كان العقار أرضًا فيجب أن يستكمل بناؤها أو استغلالها خلال أربع سنوات من تاريخ تسجيلها باسمه وإلا كان للدولة التي يقع فيها العقار حق التصرف بالأرض مع تعويض المالك بنفس ثمنها وقت شرائها أو ثمنها حين بيعها أيها أقل مع حفظ حقه بالتظلم أمام الجهة المختصة بالدولة وللدولة أن تمدد المدة المذكورة إذا اقتنعت بأسباب تأخر المالك عن تلك المدة». علما أن الانظمة السابقة كانت مقيدة بتملك 3 ملكيات أو 3 آلاف متر ، وتم تعديلها والسماح بالتملك بمساحات مفتوحة بالاستخدام السكني والتجاري .
وبالتالي فإن التعميم يبقى حتى الآن مجرد انذار أولي بأن سلطنة عمان ستطبق اتفاقية مجلس التعاون الخليجي التي تمت عام 2002، ويطالب مواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية عند تملكهم لأرض فضاء الالتزام والتقيد بما ورد بالمادة المشار إليها أعلاه من وجوب إتمام البناء خلال أربع سنوات وكذلك عدم جواز التصرف في الأرض قبل مرور أربع سنوات من تاريخ تسجيلها بأسمائهم طبقاً لنص المادة الثالثة من ذات المرسوم.
- ألا تنظرون لهذا التعميم أنه جاء لينظم هذا القطاع خاصة أن أغلب الخليجيين يستثمرون للمضاربة وليس للاستثمار بمعناه الحقيقي ؟
تشير البيانات الإحصائية للأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي الى أن تملك مواطني دول المجلس للعقار في الدول الأعضاء الأخرى خلال عام 2012م قد بلغ 16347 حالة تملك ، وبنسبة زيادة قدرها 1% مقارنة بالعام 2011م ، الذي سجلت فيه 16107 حالة تملك . كما تظهر البيانات ارتفاع الإجمالي التراكمي لحالات شراء العقار ليبلغ 110494 حالة تملك في نهاية عام 2012م ، مقارنة بـ 93767 حالة تملك في نهاية عام 2011م.
وقد حلت الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الأولى في استقطاب مواطني دول المجلس للتملك فيها في العام 2012م ، وبعدد 11761 حالة تملك، لتحقق نسبة قدرها 71.9% من إجمالي عدد المتملكين للعقار من مواطني دول المجلس قي الدول الأعضاء الأخرى . بينما جاءت السلطنة في المرتبة الثانية ، حيث بلغ عدد حالات تملك العقار فيها 3374 حالة تملك ، وبنسبة استقطاب قدرها 20.6% من الإجمالي، و مملكة البحرين في المرتبة الثالثة بـ 544 حالة تملك ، وبنسبة استقطاب قدرها 3.3%، بينما حلت كل من المملكة العربية السعودية ودولة قطر ودولة الكويت في المراتب الرابعة والخامسة والسادسة، بنسب قدرها 2.1% و 1.2% و 0.8% ، على التوالي.
كما تبين تلك الإحصائيات تصدر مواطنو دولة الكويت لأعداد المتملكين للعقار من مواطني دول المجلس في الدول الأعضاء الأخرى ، حيث بلغ عددهم 8651 مواطناً، ويلي ذلك مواطنو المملكة العربية السعودية بعدد 2366 مواطن متملك للعقار في الدول الأعضاء الأخرى ، ثم مواطنو الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثالثـة بعدد 1786 مواطن ، واحتل مواطنو دولة قطر ومملكة البحرين وسلطنة عُمان المراتب الرابعة والخامسة والسادسة بعدد 1279 و1179 و1086 مواطن ، على التوالي.
وترى الجهات المعنية في السلطنة أن تنظيم تملك العقار لمواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أمرا مهما فيما يخدم المصالح الوطنية من هذا التملك ويعود بالمنفعة العامة لكلا الطرفين وأن الأصل في تملك للأراضي والعقارات هو الاستثمار والتعمير ، وليس تجميد الأصول لذلك عندما صدر قرار المجلس الأعلى في سنة 1984 منح المستثمر إطار زمني محدد لتعمير ما يملكه من عقارات، والتصرف فيها بهدف الحد من المضاربة ويرى الكثير من المطورين العقاريين بأن لهذه الخطوة انعكاساتها الإيجابية وزيادة المعروض من الوحدات السكنية في السوق وحماية المواطنين من خلال الحد من التضخم في أسعار العقارات الناتج عن تأخر المشروعات الاستثمارية في القطاع العقاري.
- هل هناك من مقترحات ترون من الأهمية بأن يتم الأخذ بها لتفعيل القطاع والنهوض به خاصة أنه أصبح قطاعاً واعداً للاستثمار ؟
لقد تم تنظيم هذا القطاع بموجب الاسس التي وضعت في القمة الخامسة لقادة دول مجلس التعاون، المنعقدة في نوفمبر 1984، وبالرغم من التعديلات التي اجريت عليه على مدى العقود الماضية إلا انني ارى ان تلك الاسس لم تعد تواكب التغييرات التي طرأت على اقتصاديات دول المنطقة منذ تلك الفترة ، وقد تسببت القيود المنظمة لها الى التحايل بتسجيل العقارات بأسماء مواطنين وما نتج عنه من العديد من التجاوزات القانونية في شراء الاراضي في مواقع لا يسمح لغير العمانيين بالتملك فيها مثل بعض الأراضي المطلة على البحر مباشرة والمناطق الحدودية وتلك الكائنة بجوار بعض الوحدات الحكومية والأراضي الزراعية ، وقد كان من نتائج الحوافز المجزية للاستثمار في هذا المجال الرغبة في تجاوز تلك الاسس ووجد من يتحايل على القانون ويقوم بشراء تلك الأراضي باسم مواطن عماني نظير وكالات الكثير منها تصدر من خارج السلطنة وهي غير قابلة للإلغاء والعزل لشخص غير عماني، وتتم المصادفة عليها في السفارات العمانية في الخارج ولهذا تقرر مؤخرا وقف المصادقة على مثل تلك الوكالات. ولقد شجع على مثل تلك المغامرات والممارسات العائد الاستثماري السنوي الجيد الذي شهده السوق في السنوات الماضية والذي كان يتراوح وفق شهادة بعض العاملين في هذا القطاع ما بين 30 أو 35% سنويا في العقارات البيضاء و ما بين 8 و10% كعائد سنوي ثابت من الايجارات في العقارات الجاهزة.
يمكن القول ان التعميم حتى الان مجرد تهديد بتنفيذ قرار نافذ ومتفق عليه منذ اكثر من 30 سنة ولكن لم يتم تفعيله ولست ادري عن سبب الرغبة في تفعيله في هذه الفترة بالذات هل هو بهدف تشجيع الاستثمار الحقيقي والحد من المضاربة في الأراضي في السلطنة او لأسباب أخرى.
شخصيا لا اعتقد ان توقيت التعميم كان مناسبا ومن المؤكد أنه من غير المناسب زيادة العرض في السوق بشكل كبير ببيع الكثير من الاراضي في نفس الوقت لأن ذلك سوف يؤثر سلباً على القطاع العقاري، خاصة أن التوقيت جاء خلال فترة انخفاض اسعار النفط و ما لذلك من انعكاسات على الاقتصاد الوطني وعلى السيولة المالية والمخاوف من التوسع في الاستثمار بسبب المخاطر الناجمة عن ذلك، وخاصة أن السوق العماني سوق محلي ويتأثر مباشرة بالعوامل الداخلية .
وحيث أن القانون قد أجاز ولم يلزم بيع العقار غير المطور بعد 4 سنوات فإنه من غير المناسب ان يتم تعميم القرار على جميع العقارات وفي نفس التوقيت ، كما أنه من غير المناسب ان يتم تطبيقه على غير العماني وعدم تطبيقه على العماني المطابق ارضه لأرض الخليجي ، ومن الحكمة ان تكون سياسة الحكومة واهدافها واضحة واذا كان المطلوب الاعمار فليكن التطبيق في المخططات المكتملة الخدمات فقط وليكن التطبيق على الجميع ، وفي هذه الحالة فإن تلك المخططات لن تشهد انخفاض في أسعار أراضيها إلا بشكل طفيف، بافتراض أن المشترين لهذه الأراضي مستهلكون فعليون وفي الغالب يرغبون في بناءها.
و يمكن للدولة بدلا من التصرف ببيع الاراضي المخالفة في المخططات المكتملة أن تفرض رسوماً على الاراضي البيضاء في تلك المناطق في حالة عدم تعميرها بعد تاريخ محدد بغض النظر عن جنسية مالكها. وفي الوقت ذاته يمكنها أن تتجاهل الأراضي الفضاء التي لا توجد بها خدمات أو بنى تحتية وعلى أن يتم معاملتها بنفس المعاملة اعلاه بعد فترة من استكمال ادخال الخدمات اليها.
ختاما من الضروري ان تتمثل سياسة الدولة في حماية المستثمر الاجنبي الذي دخل البلاد بطريقة شرعية ومارس نشاطه بطرق قانونية حمايته من التعرض الى خسائر جسيمة، حتى لو كان ذلك من خلال اتخاذ الحكومة اجراءات لا خلاف على قانونيتها وأن تعمل بدلا من ذلك على تذليل العقبات بما يسهم في دفع عجلة الاستثمار في الداخل.
محمد بن عبدالله بن حمد الحارثي

