مقابلة مع جريدة الشبيبة حول مشروع الاستمطار- اغسطس 2014

مقابلة مع جريدة الشبيبة حول مشروع الاستمطار

28 اغسطس 2014م

تعتبر عملية الاستمطار من علوم  تعديلات الطقس ولها مسميات مختلفة تشمل استحلاب السحب وتلقيح السحب وحقن السحب واصطياد السحب والمطر  وزراعة الغيوم وبذر الغيوم، كما يطلق عليها أحيانا صناعة المطر و تعود تجارب تقنية الاستمطار الى اوائل القرن الماضي حيث أجريت في فرنسا وسويسرا تجارب للتأثير على الغيوم باستخدام قذائف المدفعية، و تمكنت نيوزيلندا ولأول مرة في التاريخ في عام 1931م من الاستمطار صناعياً بقذف حبيبات ثاني أكسيد الكربون الصلب في الجزء المحتوي على مياه فوق مبردة من الغيوم بالطائرة ، و لحقتها بعد ذلك الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1946م ببرنامج يهدف على التأثير على السحب العالية البرودة ، وفي وقت لاحق طبقت تقنية الاستمطار في العديد من الدول وشملت روسيا و فرنسا وايطاليا و بلغاريا والهند والكيان الصهيوني  وتايلاند و الفلبين و جنوب افريقيا وليبيا والأردن وسوريا ودول المغرب العربي و السعودية والإمارات ومؤخرا سلطنة عمان وتعتبر الصين من اكبر الدول العاملة في هذا المجال ، ومعظم تلك الدول اعتمدت على  الاستمطار كإحدى الوسائل لتحسين الوضع المائي والمساهمة في تحقيق الأمن المائي حيث يتفق الكثيرين على ان  للاستمطار العديد من الفوائد من تحسين الشروط الزراعية وزيادة كمية المطر ويشمل ذلك الجريان السطحي والمخزون والحد من مستوى التلوث بجانب مكافحة التصحر والجفاف .

وتشير الدراسات الى اختلاف الجدوى الفنية والاقتصادية لأعمال زرع الغيوم باختلاف مناخ منطقة مشروع الاستمطار حيث أن العديد من العوامل تؤثر على نتائج الجدوى بما في ذلك المنخفضات الجوية التي تمر بها خلال الموسم ومواصفات الغيوم المتواجدة في نفس الفترة بجانب اساليب الزرع والتقنيات المستخدمة في زرع الغيوم حيث تراوحت نسبة نجاح عمليات الاستمطار المنفذة حول العالم بنسب اختلفت من منطقة الى اخرى ، وحسب تقارير منظمة الأرصاد الجوية العالمية فإن الزيادة في الهاطل تراوحت ما بين 5 و 25 بالمئة بالنسبة للغيوم الباردة و 15 و 45 بالمئة بالنسبة لأعمال الزرع المنفذة على الغيوم الدافئة، وذلك في مساحات كبيرة ولفترات زمنية طويلة. ويرى اصحاب تلك التجارب أن عملية زرع الغيوم تنعكس ايجابيا على الزراعة والمياه الجوفية والسطحية ولها انعكاسات اجتماعية وبيئية وتؤدي إلى زيادة المحاصيل الزراعية

الجدير بالإشارة أن معظم عمليات الاستمطار تتم من خلال تحليق الطائرات فوق السحب وبذر الغيوم بمادة يوديد الفضة ويصعب التكهن بعد ذلك عن حجم او نسبة ما يهطل لاحقا كنتاج لانهمار الأمطار الطبيعية او بفعل الاستمطار ولتكون لدينا معلومات دقيقة فإن الامر يتطلب تحديد منطقة معينة وقياس كمية ونمط  المطر المنهمر عليها في ذات المواسم وبدقة على مدار عدة سنوات وإخضاع النتائج بعد ذلك إلى عمليات إحصائية تتضمن مقارنة النتائج بنتائج سنوات اخرى وكذلك مقارنة النتائج بنتائج مناطق أحرى مجاورة لها ومماثلة من الناحية الجغرافية والمناخية .

الجدير بالإشارة أن هنالك جوانب أخرى تم التطرق اليها في العديد من الدراسات ويتوجب اخذها في الاعتبار وتشير الى انه عند دراسة فعالية ونتائج تجارب استمطار السحب يميل اصحاب تلك التجارب الى الانحياز بالتركيز على أن يوديد الفضة يعزز هطول الامطار بدون الاشارة الى العواقب السلبية والتكلفة الاقتصادية المترتبة عن ذلك  والتي تشمل على سبيل المثال لا الحصر قمع الأمطار ، والفيضانات ، والأعاصير ، والتسمم الناجم عن مادة  يوديد الفضة . وقد  توصلت بعض تلك الدراسات الى ان الضرر من قمع المطر كان واضحا للمزارعين ومربي الماشية في بعض المناطق الامريكية والاسترالية وقد نجم عن ذلك  غياب الأمطار وغياب الارباح والخسائر الاقتصادية المترتبة عن ذلك وشملت تدني مستوى حصاد المحاصيل والنقص في العديد من النباتات وفقدان دخل ايرادات تصاريح الصيد بسبب انخفاض حجم الحياة البرية. وهذا ينطبق بصفة خاصة على المزارع في غرب مقاطعة بوتر في ولاية تكساس ، وهي منطقة تم اعتبارها معاقة جغرافيا حيث رفض معظم مربي الماشية والمزارعين المقامرة بأراضيهم وسبل معيشتهم من أجل اجراء التجارب.  

كما أن مكتب البيئة والصحة والسلامة بجامعة كاليفورنيا في بيركلي ، صنف مادة يوديد الفضة التي تستخدم في الاستمطار بأنها من ضمن فئة C غير العضوية وغير القابلة للذوبان وبأنها من المواد الكيميائية الخطرة التي تلوث المياه والتربة  كما وجد أنها مادة شديدة السمية للأسماك والماشية والبشر. وأوضحت العديد من المقالات الطبية بأن الجسم البشري يمتص يوديد الفضة ويؤثر على الرئتين والأنف والجلد والجهاز الهضمي. كما انها مادة سمية خفيفة يمكن أن تسبب تهيج الجهاز الهضمي ، والآفات الكلوية الرئوية والى العديد من الاعراض الاخرى الشديدة.

شخصيا لم اطلع على تفاصيل  دراسات مشروع الاستمطار وخطوات تنفيذه ونتائجه في السلطنة ، إلا ما ورد في فيلم الاستمطار القصير الذي تم عرضه مؤخرا ولكنني اذكر انه قبل عقد من الزمان قام المركز القومي الاميركي لأبحاث الغلاف الجوي وقد قام المركز بإجراء  دراسة بالمنطقة الجبلية في دولة الامارات العربية المتحدة المجاورة للحدود العمانية والتي تتمتع بظروف مناخية مشابهة للسلطنة وقيل آنذاك ان نتائج الدراسة مشجعة ، وفي تلك الفترة زار نفس الفريق السلطنة للتباحث مع وزارة البلديات الاقليمية حول الاستمطار الصناعي و جمع معلومات واقترح تطبيق عملية الاستمطار الصناعي على جبال الحجر الغربي شمال جبل شمس حيث يتكون 50% من السحب المحملة بالمطر خلال اشهر الصيف بين يونيو وسبتمبر ، وقد اوصى الفريق لاحقا تنفيذ المشروع على مرحلتين حيث تتألف المرحلة الاولى في شراء رادار ارصادي لجمع المعلومات عن المناخ وتجمعات السحب وحركتها فيما تتولى المرحلة الثانية تحليل الخواص الفيزيائية والكيمائية للسحب التي يتم رصدها وإذا كان قد تم تنفيذ تلك التوصية فمن المؤكد ان المشروع الحالي يستمد عمله من البيانات والمعلومات التي تم رصدها على مدار السنوات الماضية .

وفق المعطيات الحالية وشح البيانات المتوفرة يصعب التبوء بالأرقام عن مدى  تتناسب التكاليف المادية مع النتائج المرجوة من المشروع وتحديد مدى جدواه الاقتصادي ، إلا انه من الملاحظ في الوقت ذاته زيادة حجم الفيضانات والأودية والأعاصير في الفترة الاخيرة في السلطنة والتي تسببت في خسائر كبيرة على مستوى البنية التحتية والخسائر الشخصية واعتقد ان هذا الموضوع جدير بالدراسة لنفي او تأكيد علاقة مشاريع الاستمطار في المنطقة بتلك الظواهر.

Shopping Cart
Scroll to Top