مقابلة مع الشبيبة حول قطاع المعادن والتعدين
29 يونيو 2015م
صرح رئيس الجمعية الاقتصادية العمانية الشيخ محمد عبدالله الحارثي لـ “الشبيبة” أن المعلومات المتاحة حول المعادن غير كافية لجذب الاستثمار، حيث بين أنه في حين أن المعلومات الأولية تشير إلى احتمالية وجود المعادن، إلا أنها لا توضح كمية ونوعية المعادن المتوافرة ومدى استدامتها.
وأضاف بالقول أنه عند المقارنة بقطاع النفط والغاز، فتوجد معلومات حول الكمية المتوافرة منها ومتى يتوقع أن تنضب تلك الموارد، وبناءً على تلك المعلومات ومعلومات أساسية أخرى تقوم الشركات بدراسة جدوى الاستثمار ، في حين تغيب تلك المعلومات حول المعادن ، وحيث أن الاستثمار في المعادن يتطلب أموالا طائلة، ولذلك يصعب على الشركات التوسع في الاستثمار دون وضوح الرؤية والقدرة على وضع خطة توضح مدى الاستفادة.
من الملاحظ انه في الوقت الذي توجد بعض التأكيدات على وجود فرص استثمارية جيدة في قطاع التعدين بالسلطنة يمكن ان تحقق مساهمة في الناتج القومي الإجمالي في حدود 3% بحلول عام 2020م . ، نجد في المقابل وجود بعض المخاوف من عدم الاخذ في الاعتبار تركيبة سوق العمل العُماني ومدى توفر الكوادر العمانية واحتياجات القطاع من العمالة الوافدة ، وهذا أمر اساسي في ظل تضارب السياسات ، خاصة ان الحكومة تسعى للحد من حجم العمالة الوافدة . وعليه من الضروري عند تبنى خطط للتوسع في قطاع معين وضوح نتائج سياسات سوق العمل على تلك القطاعات ، وهل ستكون محصلتها نمو القطاع لصالح المواطن والاقتصاد العُماني وبالتالي تحديد الوقت المناسب للاستثمار فيها وهل من الاجدى الاستثمار في الوقت الحاضر ، او الحفاظ عليها للمستقبل بعد تهيئة البيئة المناسبة للاستثمار.
وفي تصريح للصحيفة، أكد الحارثي أن الكثير من الدول قامت بمنح امتيازات للتنقيب عن المعادن بشروط مشجعة للمستمرين في حالة اكتشاف اية معادن في مناطق الامتياز بينما قامت دول اخرى بالاستثمار من خلال تكليف شركات متخصصة للتنقيب لتحديد نوعية المعادن المتوفرة والجدوى الاستثمارية فيها واعداد دراسات عن الخامات التعدينية المتوافرة وربطها بالقيمة المضافة التي يمكن تحقيقها من استغلال تلك الخامات بالصناعة المحلية ، و التوصية بأفضل آلية للحفاظ عليها في وجه عمليات تصديرها كخامات سواء بفرض رسم تصدير على بعضها او اتخاذ قرار بحصر استخدامها في الصناعات الوطنية وذلك من خلال وضع معايير للامتيازات التي تستهدف اقامة صناعة وطنية لتكون اكثر إغراءً من تلك التي تستهدف تصدير المواد الخام ومنحها حوافز و أسعار امتياز افضل في حالة اقامتها لمشاريع التصنيع ذات القيمة المضافة العالية للاقتصاد الوطني والتزامها بتعظيم العوائد على المجتمع والاقتصاد الوطني مع أهمية تكاملها مع القطاعات الاقتصادية الأخرى وتدريب وتوظيف المواطنين بنسب عالية ، واقامة مصانعها في المحافظات ، وغير ذلك من معايير وأهداف ، وبحيث لا يتم منح أي شركة امتياز تعديني إلا مقابل الالتزام بتحقيق عدد من تلك الأهداف، ولا يتم تجديد الامتياز إلا عند تطبيق الشركة ما التزمت به عند طلب الامتياز ، و من المؤكد انه بإمكان السلطنة الجمع بين الاسلوبين.
واكد الحارثي على وجود الكثير من التجارب الناجحة في ادارة قطاعات التعدين حيث قامت على سبيل المثال العديد من الدول في إطار جهودها لتعزيز القطاع التعديني وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي بإنشاء مجالس تصديرية للخامات والصناعات التعدينية وقد لعبت تلك المجالس دورا هاما في تنمية الصادرات عبر وضع خطط تفصيلية والإشراف علي تنفيذها بهدف زيادة الصادرات سواء من الخامات التعدينية او الصناعات القائمة عليها وكذلك بحث ودراسة أهم المشكلات والعوائق التي تواجه المستثمرين بالقطاع لوضع الاليات المناسبة لحلها وإزالتها ، وقد ساهمت مثل تلك المبادرات في تحقيق زيادات ملموسة في صادراتها الوطنية.
وفي الوقت ذاته قامت بوضع استراتيجيات تركز على تنمية قطاع المعادن وتحديد الجوانب التي يتطلبها تطويره على المدى المتوسط والبعيد ، والتكامل المطلوب مع القطاعات المرتبطة به ، وتمكنه من المساهمة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، و توفير فرص العمل للمواطنين من خلال خطط عمل فعالة لتنفيذ وتطوير الأعمال المتعلقة بقطاع التعدين وتكامل دوره مع القطاعات الاخرى بما في ذلك الجانب المؤسسي والبنية التحتية والتشريعية ، وتهيئة منافذ التصدير وتوفير وسائل نقل فاعلة وتطوير الثقافة العلمية والصناعية ، ودراسة احتياجات مختلف القطاعات من المعادن بالتنسيق مع جميع الجهات ذات العلاقة حكومية كانت او خاصة .
و يرى الحارثي كذلك الحاجة لدراسة جدوى التركيز على التعدين تحت الأرض واعتماد منهج التعدين المتكامل لعدة اسباب منها ان هذا الاسلوب صديق وآمن للبيئة ، مع تأثير مرئي منخفض للعامة إلى حد كبير ، وتجنب للنفايات الصخرية وتشويه المظهر العام ، الا ان هذا النمط من التعدين يتطلب تكنولوجيا حديثة متخصصة ، وخبرة في الإدارة وقوة عاملة ماهرة وهو ما تفتقر اليه السلطنة حاليا.
واضاف الحارثي ان قطاع المعادن والتعدين يدار حاليا بواسطة الهيئة العامة للتعدين التي أنشئت في شهر سبتمبر الماضي وتشاركها في قرار الموافقة على اقامة اي مشروع تعديني وزارات اخرى ذات اهداف متعارضة ، لذلك فإن اجراءات الحصول على حقوق التعدين تعتبر غير شفافة الى حد بعيد وقد يستغرق انجازها احيانا سنوات عدة. وفي ظل هذا الوضع لا يمكن للقطاع أن يتطور في عمان ، مما يجعل القطاع غير جذاب للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء . والاعتقاد السائد ان الهدف من انشاء الهيئة تجاوز التعقيدات والهيمنة وتعارض الاهداف وغياب الشفافية وحتى لا تكون خاضعة لهيمنة او مرتبطة بوزارات تمثل أهدافا متعارضة ، وكان من الأحرى مواجهة الحقيقة وتحديد ما اذا كانت المشكلة تكمن في القوانين ؟ او في الادارة وتداخل الاختصاصات ؟ وكيف ستقوم الهيئة الجديدة بمعالجة التعارض في الاهداف و ألم يكن بالأحرى علاج مشكلة التعارض في الاهداف بالتنسيق بين الجهات الحكومية المعنية بالتعدين ومراجعة الاجراءات المتبعة بدلا من انشاء هيكل جديد .
و اعتبر الحارثي تطوير البنية التشريعية و إصدار قوانين للمناجم والمحاجر وفق أفضل الممارسات الدولية المرتكز الأساس لجذب الاستثمارات ، مع ضرورة وضوح الإجراءات ابتداء من الدراسات الاستكشافية والاستغلال والإنتاج ، بهدف تسهيل الإجراءات وتقديم المزايا والحوافز للمستثمرين ، لزيادة الاستثمارات في قطاع التعدين ، وبحيث تشمل مواد القانون توضيح العلاقة بين الحكومة والمستثمر وتنظم عملية الاستثمار في هذا القطاع ، وبحيث تضع الاتفاقيات التي تبرم في مجال التعدين في حساباتها حجم القوى العاملة الوطنية ، والأراضي ، والحقوق و والواجبات ، والعائدات و اي استحقاقات أخرى خلال فترات الاستكشاف والاستغلال ، وفي الوقت ذاته لا يمكننا كذلك ان نغفل عن وضع إجراءات لكيفية التشاور مع المجتمعات المحلية بشأن اعتراضات وشكاوى السكان والأفراد المتأثرين بأنشطة التعدين المختلفة ، عن طريق دراسة وتحديد المعالجات المطلوبة و أسس التعويض المناسبة ، وتقييم الأثر البيئي والاجتماعي وإنفاذ معايير المسؤولية الاجتماعية للشركات. الجدير بالإشارة انه قد صدر مؤخرا القانون الموحد للتعدين لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وهو قانون جيد في اطاره العام ، يتوجب الاستفادة منه.
واختتم الحارثي حديثه بالتأكيد على الحاجة للنهوض بقطاع التعدين وتحديد الادوار بوضوح وبحيث ينحصر دور الحكومة في تشجيع شركات القطاع الخاص القائمة او الجديدة على التصنيع في قطاع التعدين والمعادن و القيام بمختلف أوجه النشاط التعديني بما في ذلك تنمية وتطوير وتحسين صناعة التعدين ومنتجاتها والصناعات ذات العلاقة وتلتزم بتطوير قطاع التعدين ليكون ركيزة للصناعة العمانية من خلال المشاريع والمبادرات المستقبلية مع التركيز على دراسة مدى امكانية استغلال المواد الخام التي تصدر حاليا كمواد أولية في الصناعة المحلية وتصديرها كمنتجات تامة الصنع أو حتى وسيطة بما يحقق قيمة مضافة عالية للاقتصاد ويتيح المزيد من فرص العمل للمواطنين ، مضيفا أن اقصر الطرق لتحقيق ذلك ان يتم من خلال وجود شركة بمشاركة حكومية تكون الجهة التنفيذية والشركة الرائدة لقطاع التعدين بالسلطنة (كما هو الحال مع شركة تنمية نفط عمان) مع امكانية ادخال شريك استراتيجي لديه خبرة وشبكة دولية في مجال التعدين والمعادن لإدارة الشركة ومنحه حصة صغيرة في الشركة . ويكون الهدف الرئيس للشركة تنمية قطاع التعدين وتوليد فرص الاستثمار.

