مقابلة حول موضوع البنوك الإسلامية
جريدة الرؤية – في 10 ابريل 2011
في ظل تلك المطالبات ما هو الانسب، انشاء بنوك اسلامية مستقلة في السلطنة أو انشاء اقساما للنظام المصرفي الاسلامي في المصارف القائمة، ولماذا؟
بداية دعني اقدم خلفية مختصرة لانشاء البنوك الاسلامية في العصر الحديث حيث نجد ان أول محاولة لإنشاء بنك إسلامي كانت في عام 1963 حيث أسس د . أحمد النجار ما عرف ببنوك الإدخار المحلية التي أقيمت في الجمهورية العربية المتحدة ، ولم تدم تلك التجربة أكثر من ثلاث سنوات ، ويعد بنك ناصر الإجتماعي الذي أنشأءه بعد ذلك الزعيم الراحل جمال عبدالناصر أول بنك ينص في قانون إنشائه علي عدم التعامل بالفائدة المصرفية وكانت طبيعة معاملات البنك التركيز على النشاط الإجتماعي وليس المصرفي ، وبعد أن أوصى مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية في عام 1972 بإنشاء بنك إسلامي يعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية تم تأسيس البنك الإسلامي للتنمية في عام 1974 وباشر عمله في عام 1977 ويتميز هذا البنك بأنه بنك حكومات لايتعامل مع الأفراد في النواحي المصرفية والرجل الثاني في البنك ونائب رئيسه هو الشيخ د عبدالعزيز بن محمد الهنائي أحد الأعضاء السابقين في مجلس ادارة الجمعية الاقتصادية العمانية، ويعتبر بنك دبي الإسلامي الذي أسس في دبي في عام 1975م أول بنك إسلامي .
لا اعتقد ان هنالك فرق كبير بين انشاء بنوك اسلامية مستقلة أو انشاء اقسام للنظام المصرفي الاسلامي في البنوك القائمة لأن ما يهم هنا ليس المسميات او هيكلية المؤسسات بل نوعية المعاملات والشروط ، فالبنوك الاسلامية تحاول الابتعاد عن المعاملات التي تراها مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية مثل الفوائد البنكية وتمارس نشاطها اعتماداً على الصيغ الشرعية المعتمدة من لجانها أو هيئاتها الشرعية من قبيل المضاربة والمشاركة والإجارة والسلم والاستصناع والبيوع الآجلة وبيع المرابحة وغير ذلك من العقود المستحدثة التي تنسجم مع أحكام الشريعة الإسلامية .
ما أهمية انشاء بنوك اسلامية في السلطنة وهل هناك حاجة ملحة لوجودها ؟؟
مما لا شك فيه ان وجود بنوك اسلامية ستوفر بدائل تمويلية للمستثمرين فالخدمات التي تقدمها تتمحور حول عقود الإجارة و الشركة و القرض و الضمان و الوكالة و الوديعة والحوالة وبعض المعاملات تتركب من اثنتين أو أكثر من هذه العقود و تختلف البنوك الاسلامية عن البنوك التقليدية بوجود لجان أو هيئات شرعية تعتمد عقود الخدمات والمعاملات التي يقدمها البنك بما يتوافق مع الشريعة الاسلامية ، وبسبب اتهام بعض تلك الهيئات بالتحايل لإباحة ما هو محرم ، ولتحقيق الاستقلالية فقد طالب العديد من العلماء بأن تستقل الرقابة الشرعية للبنوك الإسلامية عن إدارة تلك البنوك.
ان ما يميز خدمات البنوك الإسلامية عن البنوك التقليدية ، أن البنوك الإسلامية تلعب دور الوساطة المالية مع تحمل تبعات المخاطرة ويتوجب على المدخرين الذين يودعون أموالهم للمضاربة أن يتحملوا المخاطر الناجمة من تلك المضاربات ، بينما ترى البنوك التقليدية بأن ذلك يمثل مغامرة وليس من اختصاصها المغامرة في أموال الآخرين ، ويجب أن ينحصر نشاطها في فرض نسب أو رسوم مقابل الادارة دون تحمل مسؤولية نتائج المضاربة.
وتقدم البنوك الإسلامية نفس الخدمات التي تقدمها البنوك التقليدية بأستثناء الخدمات التي تفرض الفائدة التي اعتبرها معظم العلماء انها ربا محرم في الشريعة الإسلامية. ويمكن تقسيم الخدمات التي تقدمها المصارف الإسلامية إلى قسمين رئيسين:
أولا :- الخدمات المصرفية الأئتمانية و يتم تنفيذها كعمليات استثمارية وهي بديلة للخدمات الأتمانية المحسوبة بالفائدة في البنوك العادية وتشمل المرابحة و الإجارة والإجارة المنتهية بالتمليك والإجارة الموصوفة بالذمة والاستصناع والمضاربة والمشاركة والقرض الحسن.
ثانيا:- الخدمات المصرفية التي لا تشمل العمليات الائتمانية وهي الخدمات البنكية التي يتم تنفيذها كخدمة مصرفية ويتم أخذ عمولة أجر مقابل تقديم الخدمة، وهي نفس الخدمات التي تقدمها المصارف التقليدية وتختلف معها في بعض النقاط ، وتشمل الحسابات الجارية والودائع لأجل والوكالات التي فيها تفويض باستثمار الودائع في المشاريع أو الوكالات التي فيها تقييد باستثمار الودائع في مشروعات محددة و كذلك الاعتمادات المستندية.
هل هناك ما يعيق انشاء بنوك اسلامية في السلطنة؟ وهل توجد مادة في القانون المصرفي العماني الحالي تمنع من السماح بفتح بنوك اسلامية؟؟
هنالك لجان او هيئات للرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية وهي معنية بالتدقيق الداخلي لضمان توافق انشطتها مع الشريعة الاسلامية ، وأعتقد ان وجود بنوك اسلامية في السلطنة سيمثل تحديا لرقابة البنك المركزي العماني على المدى القصير وقد يتطلب الامر اضافة فصل او اكثر في القانون المصرفي العماني يواكب طبيعة عمل البنوك الاسلامية ومن الممكن الاستفادة من تجارب الدول المجاورة وماليزيا وكذلك الحصول على الدعم الفني من بنك التنمية الاسلامي واعادة هيكلة بعض دوائر البنك المركزي و لا اعتقد ان ذلك سيمثل اشكالية فنية خاصة اذا اخذنا في الاعتبار امكانيات البنك المركزي العماني.
ما مدى كفاءة الكوادر المؤهلة للعمل في البنوك الاسلامية؟؟
تعتبرالموارد البشرية من العناصر الرئيسية لنجاح عمل أية مؤسسة كانت وطبيعة عمل البنوك الاسلامية من الناحية الادارية لا تختلف عن غيرها من البنوك أو المؤسسات التجارية او الصناعية وكما هو الحال مع البنوك التجارية فإن الخبرة تكتسب من خلال تنمية المهارات البشرية بتلك البنوك عن طريق التدريب للوصول إلي أفضل مستوي أداء في العمل ، أن الاختلاف الرئيس بين البنوك الاسلامية والبنوك التقليدية وجود لجنة شرعية تقر العقود والشروط التي يمارس البنك نشاطه على اساسها وبما لا يخالف الشرع الاسلامي ، أما بقية الموظفين فإنه ينبغي تدريبهم وتأهيلهم كما هو الحال مع غيرهم ممن يعملون في الوظائف الادارية بالمؤسسات الخاصة أو العامة.
هل تتوقعون إمكانية التصريح للبنوك الاسلامية الموجودة في الدول المجاورة بفتح فروع لها في السلطنة؟؟
أعتقد ان قرار السماح بفتح فروع جديدة للبنوك سواء كانت اسلامية او تعمل على أسس البنوك التقليدية يتخذ على ضوء دراسات الجدوى الاقتصادية وحاجة السلطنة الفعلية لمؤسسات مالية جديدة وبناء على احتياجات السوق وما يمكن أن تضيفه مثل تلك المؤسسات للقطاع المصرفي من جهة وللاقتصاد الوطني من جهة أخرى .
على ضوء تجارب البنوك الاسلامية في الدول المجاورة، ما مدى امكانية مساهمة البنوك الاسلامية في التنمية ودعم القطاع المصرفي ودورها في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة؟؟
مدى مساهمة تلك البنوك من عدمه في التنمية سيعتمد على الغرض من انشاء تلك البنوك ، ستكون إيجابية لو كان الهدف منها إيجاد حلول لمشكلات المجتمع وبحيث تكون تلك الحاجة هي الهدف من انشاء البنك، لقد تم مؤخرا تداول أخبار بأنه سيتم انشاء بنك اسلامي في السلطنة سيمارس نشاطه تحت مسمى بنك نزوى وحسب المعلومات المتوفرة حاليا عن قائمة الاسماء المتداولة كمؤسسيين للبنك فإنني أجزم بإنه سيكون مؤسسة مالية الهدف منها تحقيق أكبر ربح للمساهمين ولن يكون مشروع اجتماعي يهدف إلى تحويل العائد الاقتصادي إلى مردود اجتماعي يشمل جمع الزكاة وتوزيعها، والقروض الحسنة، والخدمات الثقافية والاجتماعية والعلمية والدينية إلا في نطاق ضيق لن تزيد في حجمها عن مستوى المسؤولية الاجتماعية في الشركات والبنوك التقليدية العاملة في السلطنة.
وهذا النوع من البنوك ليس ما يراود الكثيرين في آمالهم وأمانيهم وأحلامهم النرجسية بما يمكن أن تحققه لهم البنوك الاسلامية، وفي الواقع فإن ما يتمنونه رؤية مؤسسات لا تستغل الاسلام بل تعمل بروح الاسلام بغض النظر عن مسمياتها وأن ترى تلك المؤسسات نفسها جزء من هذا المجتمع و أن عليها واجبا فى المساهمة فى تنميتها ودفع عجلة التنمية الإقتصادية فيها وتساهم فى تقديم الخدمات للتخفيف من معاناة إفراده وحل مشاكلهم ، كما هو الحال مع فكر بنك ناصر الإجتماعي أو بنك الفقراء في بنغلاديش وفي نفس الوقت تساهم في المشاريع الإنتاجية و فى بناء وحدات سكنية للمواطنين، وبيعها عليهم بالآجل ، وإستلام الثمن بالتقسيط بدون أعباء ، وتساهم فى جمع الزكاة والصدقات وتوزيعها على المؤسسات الخيرية والأفراد المستحقين وتقديم القروض الحسنة (بدون فائدة ) للأفراد المستحقين وتشجيع الأفراد على مزاولة أنشطة منتجة فى المجتمع والإهتمام بالأعمال الصغيرة والمتوسطة. وللأسف فإنني في الوقت نفسه لا ارى استعداد بين رجال اعمالنا والموسرين لاقامة مثل هذا النوع من المشاريع في الوقت الحاضر.

