مقابلة حول الاوضاع الاقتصادية في المنطقة والتي نشر اجزاء منها في جريدة الخليج بتاريخ 10 فبراير وفي الرؤية بتاريخ 11 فبراير 2012.

مقابلة حول الأوضاع الاقتصادية في المنطقة والتي نشر أجزاء منها

جريدة الخليج بتاريخ 10 فبراير وفي الرؤية بتاريخ 11 فبراير 2012.

  1. سبق أن نظمتم مؤتمرا متميزا وكاشفا حول مكافحة الفساد في الخليج والمنطقة العربية..وانتهيتم الى “توصيات”..وشهدت بداية العام الحالي مؤتمر “التحولات والتركيبة السكانية”..وانتهيتم أيضا الى توصيات..الى من توجهون هذه التوصيات؟ وهل لديكم أليات للمتابعة ما اذا كانت فاعلة أم لا؟وما هو حصادها حتى الان..خاصة أننا نسمع جعجعة ولا نرى طحينا؟؟

أود  بداية أن أشير إلى أن الجمعية الاقتصادية العمانية لا يعمل بها أي موظف ولا تدفع أي أجور أو رواتب وجميع مهامها يقوم بها مجلس الإدارة والأعضاء الذين يقدمون خدماتهم على أساس تطوعي ولا يحقق لهم أي مردود مادي، ويسعون لممارسة نشاطهم بمهنية ومنهجية علمية وفي إطار أهداف الجمعية التي تمارس نشاطها تحت اشراف وزارة التنمية الاجتماعية،  وتعتبر الجمعية نفسها شريك فاعل في التنمية الشاملة للبلاد وبما يتفق مع ما ورد في التقرير الأول للتنمية البشرية في عمان، وتقوم برفع توصياتها الى الجهات التي من المفترض ان تكون مشرفة على الاداء الاقتصادي للدولة وكذلك إلى مجلسي الدولة والشورى ونادرا ما تستلم إشعار رسمي أو مباشر بإستلام توصياتها ولكننا نلاحظ بعض الردود غير المباشرة في الإعلام على القضايا التي نثيرها ، كما نرى بعض توصياتها تأخذ حيث التنفيذ في شكل مبادرات من بعض الجهات الرسمية – وهذا هو المهم – ولو كان ذلك بدون الاشارة إليها. 

نحن ندرك اننا لسنا جهة تنفيذية ولا تشريعية وعملنا لا يخرج عن إطار أهداف الجمعية والتي تتضمن العمل على توطيد الصلات وتوثيق التعاون العلمي والفني بين الإقتصاديين في السلطنة من جهة وبينهم وبين زملائهم في الدول العربية وباقي دول العالم من جهة أخرى وكذلك إقامة المؤتمرات والمحاضرات والزيارات وتبادل المعلومات مع الجمعيات والمؤسسات المهنية الأخرى، إن ما يهمنا توسعة مدارك أعضاء الجمعية والتوعية العامة وفي الوقت نفسه نحن على يقين أن توصياتنا تصل للمسؤولين عن الاقتصاد العماني ويتم تدارسها ، ولكن هل تتفق تلك التوصيات مع وجهات نظرهم وما الذي بوسعهم تنفيذه منها فإن ذلك موضوع آخر يتحملون مسؤوليته.

  • دائما تتحدثون عن العمالة الوافدة باعتبارها كارثة حلت ببلادكم متناسين دورها في بداية الحركة الانشائية في المنطقة ..وما تسمونه “النهضة”..وكأن هذه العمالة جاءت من وراء ظهوركم ،أو متخفية “بطاقية الاخفاء”..فلماذا لاتلومون أنفسكم وأنتم الذين استقدمتموهم بتأشيرات رسمية واقامات شرعية؟؟

نحن لا ننتقد العمالة الوافدة فهولاء بشر دخلوا الى بلادنا بطرق مشروعة ولهم حقوق تكفلها لهم القوانين المحلية قبل الدولية و قد ساهموا في بناء دولنا ولا يوجد احد منا من لم يستفيد من خدماتهم  فهم الذين يساهمون في بناء مساكننا التي نأوي اليها والطرق التي نستخدمها وعملوا معنا جنبا الى جنب في القطاع الحكومي او الخاص ويقدمون لنا الخدمات التي تكفل لنا العيش الرغيد في منازلنا فشكرهم واجب علينا ونحن من سندفع ثمن رحيلهم إذا تمت بطرق غير منظمة بدءأ من الركود الاقتصادي إلى الآثار التضخمية ، ودورهم لا ينحصر على الفترة الماضية بل يمتد للفترة الحالية والمستقبلية ولهم منا كل الشكر والتقدير والاحترام.

الانتقاد موجه الى اسلوب استثمار ثروات المنطقة حيث ان الطموحات الكبيرة للبرامج الاستثمارية في الخطط التنموية وطبيعة معظم المشاريع الواردة فيها تؤدي إلى زيادة الاعتماد بصورة أساسية على العمالة الوافدة من جهة وزيادة الباحثين عن عمل من المواطنين من جهة اخرى  بسبب عدم انسجام تلك المشاريع مع الإمكانيات البشرية الوطنية من حيث الكم والنوع ، لقد ذكرنا في المؤتمر انه تم خلال العقد الماضي توفير حوالي 7 ملايين وظيفة جديدة قي دول مجلس التعاون أكثر من 70% منها ذهبت للوافدين، جزء كبير منها في قطاع البناء وفي وظائف منخفضة الأجر و لا تتطلب مهارات عالية وجزء أخر إلى المتخصصين من ذوي المستويات التعليمية العالية بسبب نقص المهارات الوطنية المطلوبة لشغل تلك الوظائف ، و في الوقت نفسه من المتوقع أن توفر دول الخليج 6 ملايين وظيفة جديدة مع 2015 أكثر من ثلثيها سيذهب للوافدين، بينما من المتوقع أن يصل إلى سن العمل حوالي 4,5 مليون مواطن ، و أن تبلغ البطالة بين مواطني دول المجلس 3 ملايين في نفس الفترة.

والموضوع كذلك مرتبط بنمط التنمية التي يجب أن تنطلق من الاتفاق على مفهوم التنمية الشاملة المستدامة والتي أكد المؤتمر الأخير للجمعية على تعريفها بأنها “عملية مجتمعية واعية ودائمة موجًّهة وفق إرادة وطنية مستقلًّة من أجل إيجاد تحوُّلات هيكلية وإحداث تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية تسمح بتحقيق تصاعد مطًّرد لقدرات المجتمع وتحسين مستمر لنوعية الحياة فيه” ، ويكون محورها الأساس المواطن وحاجة الوطن بدلا من المشاريع التي لا تحقق عوائد  اقتصادية واجتماعية حقيقية ، وتسعى بالتعاون مع قطاعات المجتمع المختلفة على تحقيق العدالة وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد وتحقيق المكونات الأساسية الثلاثة للتنمية كما ذكرتها تقارير التنمية البشرية الدولية وهي: تحقيق الرفاهة و تحقيق التمكين والقدرة على التغيير، والمقصود بالتغيير هنا تغيير الحكومات وليس الانظمة حيث يتوجب على الانظمة ان تنأى نفسها عن الحكم وان تراقب وتحاسب الحكومات وتتأكد من قيامها بواجباتها.

إننا نريد من دولنا أن نتجنب خمس أصناف من النمو الاقتصادي التي أوصى تقرير التنمية البشرية لعام 1996 بضرورة تجنبها إذا أريدا للتنمية البشرية في أية دولة التقدم والاطراد وهي:

  1. النمو الذي لا يتيح فرص عمل، وتزداد معه معدلات الباحثين عن عمل بكل شرورها الاجتماعية ومخاطرها السياسية.
  2. النمو الغير رحيم، أي الذي تعود غالبية ثماره على الأغنياء.
  3. النمو الأبكم، أي النمو غير المقترن بالديمقراطية أو التمكين من تحقيق حقوق المشاركة والحريات الأساسية.
  4. النمو المنبت الجذور، أي الذي يطمس الهويات الثقافية.
  5. النمو الذي لا مستقبل له، حيث يبدد الجيل الحالي الموارد التي تحتاج إليها الأجيال التالية.

وبالتالي يجب أن تكون الامور متوازنة فتوفير فرص العمل الكريمة للمواطنين حق ، ولا أقول لا ينكره احد بل أقول انه لم يمنح ما يستحقه من الاهتمام في المرحلة السابقة بسبب انماط التنمية وضعف التأهيل والتدريب، والعمالة الوافدة دخلت دولنا بطريقة شرعية لتنفيذ المخططات الحكومية التي يقوم بتنفيذها القطاع الخاص.

  • تستثمر دول الخليج في المشروعات العقارية والسياحية بما لايتناسب مع تعداد سكانها ،ما يعني الحاجة المستمرة لاستقدام المزيد من العمالة الوافدة، بل أحيانا لمن يستفيد من هذه المشروعات الخدمية المتزايدة…فكيف تتصورون امكانية كسر هذه الحلقة الجهنمية المفرغة؟!

لقد بدأنا الخطوة الاولى بالتحذير الذي صدر عن المؤتمر من خطورة المشاريع العقارية التي لا تخدم المواطنين وأوصى بوقف أية مشاريع عقارية موجهة إلى المشتري الأجنبي ، حيث يجب الاعتراف بخطورة تفشي ظاهرة المشاريع العقارية في دول المنطقة وانعكاساتها على المجتمع والتركيبة السكانية وذلك يتطلب إلغاء القوانين التي تربط المشاريع العقارية بالإقامات للمشتري الأجنبي ، وتم استعراض ورقة عمل حول هذا الموضوع نشرت لأول مرة وهذا جزء من العملية التوعوية والتنبيه بخطورة تلك المشاريع ولا اتوقع حلا سريعا له حيث ان هنالك الكثيرين من اصحاب النفوذ المستفيدين من مثل تلك المشاريع المرتبطة بالأراضي ، خاصة أن هذا القطاع من أكثر القطاعات التي تتسم بالفساد وفي اعلى المستويات.

  • في ظل التطورات المتسارعة اقليميا وعربيا ودوليا بمعدل يفوق قدرة العقل الرسمي الخليجي على ملاحقتها..هل تعتقدون بأن الخلل في التركيبات السكانية بدول المنطقة أصبح “حالة مستعصية” ..حالة مرضية متأخرة يصعب علاجها؟

الأرقام تؤكد أن الوضع في عمان والسعودية أفضل عن البحرين والتي هي أفضل نسبيا عن الكويت والإمارات وقطر حيث تتراوح العمالة الوافدة ما بين 30 و40% في المجموعة الأولى و ما بين 70 وأكثر من 90% في المجموعة الأخيرة وربما يكون معالجة الأمر أسهل ضمن المجوعة الأولى من المجموعة الثانية، وقبل أن نحكم ما إذا كانت الحالة مستعصية أم متأخرة ويصعب علاجها يجب أن نتسأل هل توجد الرغبة والإرادة السياسية لمعالجة الوضع وهل هنالك سقف للنمو وبحيث يتم وضع حد أقصى للوافدين من إجمالي السكان المواطنين ، بالنسبة لنا في سلطنة عمان بإمكاني أن أوكد لك بأن القيادة العمانية تدرك خطورة هذا الوضع وان وزارة العمل لديها إطار استرشادي للعمل به وسقف بنسب الوافدين المفترض أن لا تتعداها، حتى لا يصبح حال مواطني عمان بعد فترة غير طويلة مثل الهنود الحمر في أمريكا ، وأتمنى ألا يتم تجاوز تلك النسب وألا تكون مجرد حبر على ورق ، وأوكد هنا على ضرورة دعم ومساعدة وزارة القوى العاملة على تنفيذ ذلك والمقصود بالدعم هنا عدم اعتماد المشاريع التي تساعد على خرق النسبة المعتمدة، بالنسبة لدول المجموعة الثانية يجب الانطلاق من الإعلان عن سياساتها بهذا الشأن بوضوح وشفافية وتحديد كيف تنوي معالجة أوضاعها ، ومن ثم وضع سياسة خليجية موحدة بهذا الشأن تلتزم بها جميع دول المنطقة لأنها تطال أمنها ومستقبلها خاصة أنها كتلة واحدة والتبعات ستطال الجميع.

  • ما هي رؤيتكم لمخاطر الوضع الراهن للتركيبة السكانية في دول الخليج العربية على “الهوية العربية”.. وهل نتأهب لتسمية هذه الدول بدول الخليج الهندية أو الفارسية مثلا؟؟

تتباين الاحصائيات حول الوضع القائم حيث يعتقد انه يوجد في دول الخليج، ما بين 70 إلى 180 جنسية في كل دولة من دوله ، تتحدث بعشرات اللغات المختلفة، ولدى جالياتها مدارسها الخاصة وكنائسها ومعابدها وأعيادها ، وفي الوقت نفسه لا يوجد أي تفاعل يذكر بينها وبين المواطنين ، كما تفوق نسبة الأجانب في بعض دول الخليج نسبة المواطنين وعندما يصبح المواطن أقلية في وطنه، فإن ذلك يعني هيمنة الثقافات والعادات المستوطنة على الثقافة الاسلامية والعادات والتقاليد العربية.

ولمقارنة الوضع مع الدول الاخرى يمكننا ان نورد المثال البريطاني حيث تم منذ بضع سنوات اعداد دراسة حول التغييرات الديموغرافية المحتملة في بريطانيا ، وتم عرضها على رئيس الوزراء البريطاني ، وقد توصلت تلك الدراسة إلى أن سكان المملكة المتحدة سيبلغ تعدادهم سنة 2030 حوالي 70 مليون نسمة وان 10 في المائة منهم سيكونوا  من الأجانب ، وبعد قرأة الدراسة أرسل مكتب رئيس الوزراء رسائل الى وزراء الحكومة البريطانية تطلب منهم الاستعداد لزيادة السكان وبالذات لزيادة نسبة الأجانب وتحديد كيف ستتعامل وزارة الداخلية والوزارات الخدميّة مع التركيبة السكانية الجديدة لبريطانيا و كذلك تحديد ما هي الآثار السلبيّة والإيجابية والأخطار التي قد تهدد الهويّة البريطانية وما هي الضغوط المتوقعة على الخدمات المقدمة للمواطنين.

بالرغم من كون نسب العمالة الوافدة في الدول الاوروبية الكبرى التي لديها جاليات اجنبية تعتبرها كبيرة مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا هي في حدود 10 في المائة فقط ، الا اننا نلاحظ قلق تلك الدول والمناقشات المحتدمة في البرلمانات وخارجها حول كيفية التعامل مع الاخطار التي ستنجم عنها. لقد كان إجمالي العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون سنة 2005 إثني عشر مليون نسمة وبعد أربع سنوات قفز إلى 16 مليون. ونجد ان هنالك علاقة طردية بين اسعار النفط والعمالة الوافدة فكلما زادت اسعار النفط زادت العمالة الوافدة ، وفي بعض الدول الخليجية رغم ان العمالة الوافدة اصبحت اليوم اغلبية مطلقة وبدأت بعض دول المنطقة تفقد هويتها الوطنية والقومية حيث تصل نسب تلك العمالة  90% من اجمالي السكان ان لم يكن اكثر ، إلا اننا لا نعرف ما هي سياسات دولنا وكيف سيتم معالجة الوضع ، والادهى ان دول العالم تضع لنا المخططات وتعقد المؤتمرات والندوات وتضع لنا الخطط وتحدد مواقفها الاستراتيجية في منطقتنا خلال العقود القادمة، ونحن نقف في صف المتفرجين ومواقفنا لا تتعدى ردود افعال والاهتمام بالإستثمارات الاجنبية  التي لن تخدم شعوبنا في نهاية المطاف ، بل وفوق ذلك كله تدرس بعض دولنا الاستثمار في إنشاء صناديق تقاعد خاصة بالوافدين وربما يعقبها منح اقامات دائمة بعد التقاعد.

  • هناك شعورا لدى الكثيرين – تبرره وقائع فعلية – بأن دول الخليج لا ترغب بوجود عمالة عربية كثيفة في بلدانها..وأنها تفضل العمالة الاسيوية..هل يرجع ذلك الى أسباب سياسية أم سيكولوجية؟

قبل أن نحكم بأن دول الخليج لا ترغب بوجود عمالة عربية كثيفة في بلدانها كما تبرره الوقائع الفعلية ، فإنه يجب أن نستبعد العاطفة ونتعامل مع ترتيب الأحداث بنوع من الواقعية، شخصيا فإن ميولي كانت وستبقى قومية عربية ، ولكنني في الوقت نفسه أرى انه من المجحف وضع مثل هذه التهمة على دول المنطقة وتحميلها كامل المسؤولية ، إذا عدنا قليلا إلى الوراء نجد أن مسيرة التنمية في المنطقة توسعت بعد الطفرة النفطية الأولى في المنطقة التي بدأت في سنة 1975 إثر زيادة أسعار النفط آنذاك بعد حظر تصدير النفط الخليجي للغرب بسبب حرب رمضان – أكتوبر 73 ، وقد بدأت في تلك الفترة التي اتسمت بتوفر السيولة والنقص في الموارد البشرية الوطنية والخبرة في الإدارة عملية استقدام العمالة الوافدة لتشييد البنية التحتية والمنشآت الحكومية والخاصة ، وتولى القطاع الخاص تنفيذ معظم تلك المشاريع وبالعودة الى الوضع آنذاك نجد انه لم تكن هناك الكثير من شركات القطاع الخاص العربية التي لديها الخبرة والقدرة على المنافسة في تنفيذ مثل تلك المشاريع على أسس تجارية خاصة ان معظم المشاريع التي كانت تنفذ في الدول العربية كانت تنفذ من قبل شركات حكومية او تهيمن عليها الدول سواء كان ذلك في مصر او سوريا او العراق او الجزائر وبالرغم من محاولات دول الخليج إستقدام الشركات العربية في تلك الفترة كما هو الحال مع شركة عثمان محمد عثمان على سبيل المثال لا الحصر والتي كانت تعتبر من الشركات الرائدة آنذاك، إلا ان تلك الشركات لم تتمكن من المنافسة في الأسواق المفتوحة بل اختارت ان تستخدم العمالة الاسيوية بكثافة اعلى من العمالة العربية. يجب ان نتذكر ان القطاع الخاص العربي كان حديث عهد آنذاك ومحدود الخبرة ، وبالتالي دخلت إلى الأسواق الخليجية شركات هندية وانجليزية وغيرها من الجنسيات التي لديها الخبرة في الادارة والقدرة على الاستثمار ، وكان قرار استقدام العمالة قرار تلك الشركات التي رأت أنها الأنسب لتنفيذ مشاريعها ولم تعارض حكومات دول المنطقة على ذلك  لأنها كانت تنظر الى الموضوع بنظرة اقتصادية وبما ينسجم مع الأوضاع السياسية التي سادت في تلك الفترة التي تزامنت مع الفراغ الذي تسببه رحيل جمال عبدالناصر ، بينما كانت معظم الشركات المنفذة للمشاريع تنظر إلى الموضوع بنظرة استثمارية وربحية اكثر من سيكولوجية او قومية.

  • كان مطروحا تجنيس العمالة العربية المتواجدة في الخليج لفترات معينة،الا أن ذلك لم يلق قبولا لدى الكثيرين..ما السبب أو الاسباب في اعتقادك؟..وألا تعتقد بأ هذه الخطوة – ان تمت – قد تكون “مخرجا أمنا” من مأزق الخلل في التركيبة السكانية..أم أنكم تؤمنون بالمثل القائل :”مطرب الحارة ميطربش”؟

لا اعتقد انه من المناسب تبسيط الوضع الى درجة تشبيهه بمطرب الحارة فالموضوع اعقد من ذلك بكثير وبحاجة الى حزمة من الحلول تأخذ في الاعتبار بعض الثوابت الي ينبغي الاتفاق عليها حتى قبل تحديد الخطوات التي ينبغي اتخاذها، هنالك بعض المقترحات التي طرحت في دول المنطقة ، من ضمنها تلك التي طرحت في احدى دول المنطقة بتجنيس 50 الف عالم سنويا من مختلف التخصصات للمساهمة في العملية التنموية في تلك الدولة ، ولكن يبقى السؤال من اين سيؤتي بهولاء العلماء وانا اجزم بأنه لو كان هناك علماء عرب تنطبق عليهم الشروط المحددة في تلك الدولة الخليجية لتم منحهم الاولوية ، من جانب آخر اخبرني احد الزملاء انه في احدى دول المنطقة تم انشاء كلية جديدة للطب بالتعاون مع احدى الجامعات العالمية الرائدة في تعليم الطب ، وقبل إنشاء تلك الكلية كان يتم ابتعاث عدد من طلاب تلك الدولة لدراسة الطب في الخارج ، إلا انه تم اتخاذ قرار بعد إنشاءها بعدم الاستمرار في ابتعاث طلاب تلك الدولة الى الخارج وان يتم ارسالهم بدلا من ذلك للدراسة في تلك الكلية ، ولكن انظمة الكلية لم تمكن من قبول اكثر من طالب او طالبين من مواطني تلك الدولة سنويا للدراسة في الكلية ، وعندما اثار صديقنا الموضوع مع عميد الكلية وعده بدراسة الموضوع وعرضه على المسؤولين لاتخاذ قرار حوله وعندما قابل عميد الكلية بعد عدة اشهر ابتسم قائلا لقد تحدثت مع المسؤولين وقد تم وضع الحلول المناسبة ، وعندما سأله عن تلك الحلول قال له تجنيس جميع الخريجين بعد تخرجهم بجنسية تلك الدولة.

اعتقد ان هنالك حساسية في دول المنطقة، لدى المواطنين قبل الحكومات ، عندما يصل الموضوع الى عمليات التجنيس بشكل عام ، بغض النظر عن الجنسيات التي يمكن ان تجنس ولا اعتقد وفق الثقافة السائدة حاليا ان يرى الكثير من المواطنين ان الحل سيكمن في منح الجنسية لمواطني الدول العربية وإذا كان الأمر كذلك ما هي الجنسيات العربية التي يجب ان تمنح الأولوية ووفق أية معايير،  في ضل الأوضاع السياسية السائدة حالياً  والعلاقات العربية المتقلبة تواجه دولنا مشكلة في منح بعض الجنسيات العربية تاشيرات زيارة فما بالك بالتجنيس، شخصيا أومن بأننا امة عربية واحدة ويجب أن ننظر إلى العلاقات العربية من المنظور الاستراتيجي الطويل الأمد ولا يجب أن نغتر بالاقتصاد الريعي الذي نستمتع به حاليا لأنه مؤقت ولن يدوم ومن الضروري تفعيل التعاون العربي وانتقال العمالة العربية بيسر ولكن ذلك يتطلب استقرار سياسي وامني في المنطقة العربية بجانب الكفاءة والتنافسية في العمالة المستخدمة، واعتقد أن الجهود  يجب أن تبذل من اجل إيجاد حلول للمشاكل العربية لا في تفاقمها ونأمل آن تستكمل ثورة 25 يناير مسيرتها وان يعود قرار مصر للمصريين ، لأنه إذا استردت مصر دورها القومي والوطني فإننا سنشاهد نهاية للكثير من المهازل التي نشاهدها في المنطقة.

  • ما هي رؤيتكم لمستقبل دول مجلس التعاون الخليجي خلال العقدين القادمين..وهل نتوقع تغيرات “دراماتيكية” في التركيبة السكانية – وربما السياسية – سواء كانت بالاتجاه الايجابي أو السلبي؟؟

كما اوضحت سابقا فإن الوضع يختلف في عمان والسعودية والبحرين نوعا ما عن الامارات وقطر والكويت ، وان ما سيحدث غدا رهين بما سنعمله اليوم ، ولكنني اخشي انه ما لم نتدارك الوضع الأن  فإنه بعد عقدين من الزمن سيكون الكثير من سكان المنطقة الوافدين حاليا من مواليد دول المنطقة وبعضهم سيكون من مواليد دول المنطقة عن اب و جد،  وسيكون من حقهم اكتساب الحقوق السياسية وليس فقط جنسيات الدول التي يعيشون فيها وفق ما تنص عليه الاتفاقية رقم 97 لسنة 1949 المختصة بحقوق العمالة المهاجرة في دول العالم والتي وقعت عليها معظم دول الخليج،  وكذلك “الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم” التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 1990 ، صحيح أن دول الخليج لم توقع على الاتفاقية الثانية بعد ، إلا انه من المؤكد أنها مع الوقت ستتعرض لضغوط دولية للتوقيع والمصادقة عليها.

واخشى أن تنشأ كانتونات جديدة في منطقة الخليج ( 2 أو 3 ) ستكون مستقلة ويرأسها أفراد منتخبين من أبناء  الوافدين للمنطقة اللذين لا يجيدون اللغة العربية ولا علاقة لهم بثقافة المنطقة،  وستكون تلك الكانتونات مدعومة من دول عظمى نعتبرها صديقة وتحميها أساطيل أجنبية ، التاريخ يقول لنا أن الأندلس ضاعت بسبب حروب الطوائف ، وأخشى أن يذكرنا التاريخ بأننا الجيل الذي اضاع جزء من وطنه مقابل أطماعنا المادية وامتيازات تتمثل في الابراج والاستثمارات الاجنبية والوكالات التجارية للماركات العالمية  ، للأسف الشواهد كثيرة وهي ظاهرة للعيان ونحن نقف موقف المتفرجين .

  • هل تعتقد بأن سيناريو ما يسمى”الربيع العربي” قابل للاستنساخ في دول خليجية معينة..وكيف تنظرون الى تأثيرات ما يجري في اليمن على دول خليجية ملاصقة؟؟

اعتقد أن كل شيء وارد وربما ستكون العوامل الداخلية أكثر تأثيرا من العوامل الخارجية التي قد تدعمها ، واقول هنا لن يحمي بلادنا إلا التلاحم الداخلي ووحدة ابنائها ، وأمن دولنا مصدره الامن الداخلي النابع من الآمن الاجتماعي والاقتصادي بجانب العلاقات الجيدة مع جميع جيراننا لأن ذلك كفيل بضمان استقرار دولنا وليس من خلال التسليح والدعم الخارجي ، وبناء على ذلك يجب علينا اعادة ترتيب اولوياتنا واستثماراتنا ، انه يؤلمنا ان نجد انه كلما تجمعت لدينا بعض الاحتياطيات المالية تزورنا الوفود التي تتدخل في شؤوننا الداخلية وتسوق لنا ما لا حاجة لنا به،  وكما قلت في كلمتي الافتتاحية في مؤتمر الجمعية الاقتصادية الأخير أننا بحاجة إلى إعادة صياغة العقد الاجتماعي واعتبار التنمية منظومة متكاملة لدول المنطقة ، ووضع آليات التشاور مع المجتمع وبناء قدراته الفنية والمسآلة الاجتماعية والرد على الاستفسارات ليس لأنه حق بل لأنه من متطلبات التنمية ، ويجب علينا ان نعمل على اساس ان الحكامة الجيدة تكمن في النظر إلى مفهوم المشاركة على أساس أنها حق وليس هبة وتتطلب بناء العلاقة بين شركاء الوطن مبنية على ثقة الحكم في المجتمع وثقة المجتمع في الحكم،  وعلينا كذلك أن ندرك أن أفضل توعية هي التي يحس بها المواطنين وتمنحهم الشعور بتحسن مستوى حياتهم المعيشي وان تحقيق التنمية المستدامة تتطلب التخطيط السليم والتوقف عن تناقض الأهداف والسياسات ، كما ان الوحدات الحكومية لا يجب أن تكون محطات تجارب ، وإدارة التنمية يجب أن تتولاها الكفاءات المتخصصة ، وولاء الجميع سيبقى دائما للأوطان ، هذا الأمر أصبح اليوم أكثر إلحاحا في المنطقة بعد أن تخلخلت الفروقات الاجتماعية في المنطقة وخلقت المؤسسات الحديثة فجوة هي الأكبر في تاريخها بين الحكام والمحكومين ، وبسبب التهديدات الأمنية الناجمة عن تطورات الأوضاع العالمية في السنوات الماضية.

  1. هل تعتقد بأن مجلس الشورى بتركيبته الراهنة قادر على ممارسة صلاحياته الرقابية في شأن مكافحة الفساد المالي والاداري؟وما هو تقييمكم لوضعية الفساد ومؤشراته في دول الخليج ..ما اذا كان يشهد تصاعدا أم انحسارا؟

وفق منظمة الشفافية الدولية فإن استئصال الفساد سواء كان ذلك في سلطنة عمان او في غيرها من مناطق الخليج او دول العالم ، يتطلب إشراف قوي من البرلمانات و قضاء قوي ومستقل وهيئات مكافحة فساد قوية ومستقلة  وقوانين نافذة تمنع تضارب المصالح و تطبيقات صارمة وفاعلة للقوانين و شفافية في الميزانيات العامة وإعلام مستقل و مجتمع مدني حيوي وشفافية في الحصول على المعلومات وما لم تتوفر هذه العوامل فإنه لا يمكن لأية برلمانات تحقيق الكثير.

افضل واحدث تقرير يمكن ان تستسقى منه اوضاع دول المنطقة هو تقرير مدركات الفساد للعام 2011 والذي كشف تباين أداء دول مجلس التعاون الخليجي على المؤشر الذي يقيس مدى استشراء الفساد في المعاملات الرسمية لقد حققت دول الخليج افضل النتائج عربيا ، حيث حافظت قطر على المركز الأول بين دول الخليج بالرغم من تراجعها 3 مراكز عالميا ونجحت البحرين والامارات في تعزيز مواقعها حيث حققت المركز الثاني والثالث خليجيا ، بينما تبادلت الكويت والسعودية الترتيب السادس والخامس لتحل السعودية الترتيب الاخير خليجيا و57 عالميا ، وكانت سلطنة عمان أكثر دول الخليج  تراجعا حيث تراجعت من المركز ال 41 عام 2010م  إلى المركز ال 50  عام 2011 ، وخليجيا تراجعت من المركز الثالث إلى المركز الرابع ، إلا أننا نامل ان يتحسن وضع السلطنة في السنوات القادمة خاصة بعد التعديلات الوزارية التي تمت في العام الماضي ومنح المزيد من الصلاحيات الرقابية المالية والادارية لمجلسي الدولة والشورى (مجلس عمان) واعادة صياغة قانون حماية المال العام وتضارب المصالح.

  1. ذكرتم بأن نسبة البطالة في السلطنة بلغت 24% ان صحت تعني وجود “حوالي ربع مواطن عماني بدون عمل”؟؟

لقد استعرضت في المؤتمر بيانات IIF)) معهد التمويل الدولي “Institute of International Finance”، التي صدرت في منتصف العام الماضي والتي أكدت على أن أعلى نسب البطالة في العالم تلك الخاصة بالدول العربية التي حصلت على المرتبة الأولى عالميا في نسبة بطالة الشباب المتعلم، وبالرغم أن معدل البطالة الكلي فيها عام 2009 كان نحو 11.5%، إلا أن بطالة الشباب كانت أكثر من ضعف تلك النسبة حيث بلغت 25.2%، بينما نجد أن هذه المعدلات لجنوب وشرق آسيا 4.8% للبطالة الكلية و11.3% لبطالة الشباب ، وفي أمريكا الجنوبية  7.7% و15.7%، والغريب أن الوضع لم يختلف كثيرا بين الدول العربية الغنية والفقيرة، فمعدل البطالة الكلي في السعودية على سبيل المثال طبقاً لنفس المصدر هو 10.2% وضمنه بطالة الشباب 23.2%، وفي مصر 9.5%  للبطالة الكلية، و27.2% لبطالة الشباب.

وقد يكون الوضع في بعض دول الخليخ أسوأ من المعلن لأن الكثير من الدول لا تنشر أرقاماً صحيحة عن وضع البطالة أو لا تتوفر لديها بيانات دقيقة حولها ، بالنسبة للسطنة اعتقد ان الشفافية كانت متوفرة وقد استندت الى النتائج المعلنة للتعداد السكاني لسنة 2010،  والتي اشارت  أن حجم القوى البشرية العمانية كانت حوالي 1.266,635 نسمة حيث تم احتساب مجموع القوة العاملة على اساس مجموع المشتغلين (446966 ) + الباحثين عن عمل سواء من الذين سبق لهم العمل او لم يسبق لهم العمل (143892 ) ، بينما اجمالي القوة البشرية من السكان تشمل اضافة الى ذلك فئات خارج القوة العاملة بما في ذلك تلك المتفرغة للأعمال المنزلية (320492) والطلاب المتفرغين (252699) والمكتفين غير الراغبين في العمل (38598) وغير القادرين على العمل (63941)  وغير المبينين (47)  وبإضافة الفئات التي تقل اعمارها عن 15 سنة (690701) نتوصل الى اجمالي السكان ( 1957336). 

في السلطنة ، كما هو الوضع في بقية دول الخليج، لا توجد بيانات شهرية دقيقة حول الباحثين عن عمل يمكن الاعتماد عليها إلا انه من المؤكد ان عددهم زاد بعد الاعلان عن صرف منح مالية للباحثين عن عمل عقب الاحداث التي حصلت خلال العام الماضي ، الجدير بالذكر هنا انه حسب دراسة صندوق النقد الدولي المنشورة على موقع الصندوق أن من بين الوظائف الجديدة التي سيتم انشاءها في القطاع الخاص الخليجي في الفترة الممتدة الى سنة 2015م فإن نصيب المواطنين منها في قطر اقل من 2% وفي الامارات حوالي 7% وفي عمان ستكون في حدود 22%.

  1. هل تعتقدون بفاعلية الاليات المتبعة حاليا من جانب وزارة القوى العاملة وغيرها من الجهات المعنية في مواجهة مشكلة البطالة في السلطنة؟..وكيف تقيمون دور القطاع الخاص في هذا المجال؟..وما هو المطلوب في المديين القصير والمتوسط؟

لقد أعلنا في المؤتمر انه إذا كنا نريد معالجة مشاكل هذا القطاع فإنه من الخطاء أن نبحث عن الحلول في وزارات القوى العاملة الخليجية وفي دهاليز الجهات الاخرى واننا بحاجة الى اعادة النظر في برامجنا ونمط خططنا التنموية لمواجهة تحدي التوظيف في القطاع الخاص دون إحداث تشوهات كبيرة في السوق وفرض تكاليف كبيرة لتنفيذ الأعمال والتي من شأنها الحد من القدرة التنافسية .

المشكلة تكمن في الخطط والسياسات الحكومية ، والبطالة كما هو الحال مع العمالة الوافدة ليست سوى افرازات لتلك الخطط والسياسات ، ونجاح وفشل سوق العمل مرتبط بنمط خططنا التنموية ولحل المشكلة يجب العودة إلى جذور المشكلة بدلا من افرازاتها؟ ومواءمة ثلاث قضايا رئيسة هي: عرض فرص العمل، والطلب على فرص العمل، وتوازن السوق. و لا اعتقد أن للقطاع الخاص دور كبير في هذا لأن دوره ينحصر في تنفيذ المشاريع الحكومية المعتمدة وبالتالي فإنه على الحكومات الخليجية  وضع الضوابط الكفيلة ببناء اقتصاديات وطنية هدفها الرئيس تحقيق تنمية مستدامة ومنصفة محورها الأساس المواطن وحاجة الوطن وتحقق فرص العمل المناسبة للمواطنين وبحيث لا يتجاوز عدد الباحثين عن عمل نسبة تحددها  و ألا يتجاوز عدد الوافدين نسبة تحددها من إجمالي عدد السكان ولا يتجاوز إجمالي زيادة العمالة الوافدة السنوية نسبة النمو في السكان المواطنين .

  1. ألا تعتقدون بوجود مشكلة “ثقافية” تتعلق بسيادة الروح “الاتكالية” لدى العديد من المواطنين في التعاطي مع قضية التوظيف؟

قد يكون هذا صحيح في بعض المجتمعات الخليجية ولكن ليس في السلطنة إلا في حالات محدودة ولدينا نماذج عمانية  ناجحة ليس على مستوى عمان فقط بل على المستوى الإقليمي والدولي ، اعتقد كما سبق ان  قلت أن مشكلتنا تكمن في وجود فجوة بين نوعية المشاريع المخطط لها والإمكانيات البشرية للسلطنة، حيث تؤدي محدودية الإمكانيات البشرية الوطنية من حيث الكم والنوع التي تتطلبها تلك المشاريع إلى زيادة الاعتماد بصورة أساسية على العمالة الوافدة. ان عملية تمكين المواطنين لشغل المزيد من الوظائف في القطاع الخاص مرتبط بمستويات الاجور التي يمكن ان تمنحها مختلف انشطة القطاع الخاص وتضييق الفجوة بينها وبين اجور ومزايا القطاع الحكومي،  الإ انه قد لا يكون بالإمكان تحقيق ذلك دون معالجة الاشكاليات التي ستنجم عن تأثير ذلك على تنافسية القطاع الخاص خاصة عندما يتم التعامل مع سلع لها علاقة بالتجارة الخارجية ، وربما قد يتطلب الامر التركيز بداية على السلع التي لا علاقة لها بالتجارة الخارجية مثل القطاعات الخدمية والعقارية والنظر في كيفية تحسين مستويات الاجور التي تقدمها الشركات العاملة في تلك القطاعات.

لقد كتبت مقالا في يناير الماضي قلت فيه انه من المتوقع أن تؤدي الطموحات الكبيرة للبرامج الاستثمارية في الخطة الخمسية الثامنة وطبيعة معظم المشاريع الواردة فيها إلى زيادة الاعتماد بصورة أساسية على العمالة الوافدة من جهة وزيادة الباحثين عن عمل من العمانيين بسبب عدم انسجام تلك المشاريع مع الإمكانيات البشرية الوطنية. حاليا يتم معالجة هذه الإشكالية بمحاولة إيجاد نوع من التوازن من خلال تطبيق سياسة التعمين الملزمة بالتوظيف بحكم القانون بدلا من متطلبات كفاءة السوق ، إلا أن سياسات التعمين في السلطنة وسياسات التوطين في المنطقة بشكل عام تواجه الكثير من الانتقادات لأنها تسبب تشوهات في سوق العمل وخلل في التنافسية وكفاءة الأداء، وأنها قد تنفع على المدى القصير ولكنها لن تكون قادرة على الصمود والاستدامة على المدى الطويل، وبالتالي فإن الأمر يتطلب ابتكار سياسات تحفيزية بديلة تساهم في زيادة القاعدة الإنتاجية لاننا نعمل في بيئة شديدة التأثر والتأثير بأية قرارات تصدر سواء كانت تلك القرارات على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الدولي ، خاصة اننا أعضاء في كتلة اقليمية وإذا ما اتخذت قرارات مقيدة في أية دولة تحصل الدول الأخرى على ميزة تنافسية أفضل ، كما أننا اعضاء في منظمة التجارة العالمية التي أعادت صياغة منظومة التجارة العالمية في سنة 1995 ، وأصبحت العولمة من ابرز منتوجات تحرير التجارة الدولية وتحرير التجارة يلزم الدول بالتزامات خارجية تنظمها بنود اتفاقية الانضمام لمنظمة التجارة العالمية وخطوات عملية داخلية يتطلب على الدول المنظمة أن تتخذها من اجل زيادة حجم تجارتها وهذا ما اصطلح عليه بالقدرة التنافسية  والتي تمثل العنصر الأساس لمواجهة المنافسة الخارجية.

  1. كيف تنظرون الى ظاهرة “التطاول في البنيان” في  سباق محموم بين عدد من دول مجلس التعاون الخليجي..وما هي المخاطر المستقبلية لظاهرة “الاقامات طويلة المدى” للاجانب الذين يشترون عقارا في بعض دول الخليج،ومن بينها السلطنة؟

سؤال جميل و اعتقد انه يعني جيراننا اكثر مما يعنينا و أن من ابلغ ما قيل عنه ما قاله قائد شرطة دبي اللواء ضاحي بن خلفان، “أنهم يبنون العمارات ويضيعون الإمارات” ، في السلطنة لدينا بعض المشاريع العقارية ولدينا طابعنا المعماري المميز الذي منح مسقط جمال وتناسق في الالوان وكثير منا لا يشعر به الا عندما يسافر الى الخارج والحق يقال ان الفضل في هذا يعود الى السطان قابوس وحسه المرهف وتدخله الشخصي في الكثير من التفاصيل المتعلقة بالامور العمرانية، ولسنا بحاجة الى اثبات أنه ليس لدينا تطاول كبير في البنيان.

لقد تم تقديم بحث في مؤتمر الجمعية عن المشاريع العقارية الدولية وتفاقم الخلل السكاني في دول مجلس التعاون ، واركز هنا على كلمة الدولية حيث انني اتحدث عن المشاريع الاستثمارية التي تستهدف غير المواطنين ولا اتحدث عن المشاريع التي تستهدف المواطنين ، حيث اتضح من الدراسة انه مع بداية الألفية الثالثة غرست بذور نوع جديد من الخلل السكاني، المبني على استقطاب الاجانب للشراء في مشاريع عقارية ضخمة ويعتبر هذا تغير نوعي في الخلل السكاني. حيث تغيرت الرؤية الى الوافدين من عنصر إنتاجي يتطلب تنظيمه وتقنينه، إلى مصدر طلب على الدول اجتذابه وتصميم سياساتها ورؤاها حوله، واصبح مصدر قوة شرائية واستهلاكية يتطلب استقطابها للاستقرار في المنطقة ولم تعد النظرة اليه على أنه خللا سكانيا، بل فرصة استثمارية اقتصادية ،  ولقد بدأت العملية بسن قوانين سمحت للمشترين الدوليين بشراء العقار في دول مجلس التعاون في البحرين عام 2001 ، دبي عام 2002 ، قطر عام 2004 ، رأس الخيمة عام 200  ، عمان وأم القيوين عام 2006 ،  عجمان عام 2008 ، ابوظبي و السعودية عام 2010.

و تم ربط شراء العقار بالحصول على اقامات طويلة المدى للمشتري وعائلته في كل من البحرين والإمارات و قطر و عمان حيث يخطط في هذه الدول بناء 1.3 مليون وحدة سكنية دولية باستطاعتها استيعاب 4.3 مليون قاطن، اي ما يفوق عدد المواطنين في الدول الأربعة مجتمعة حيث بلغت اجمالي قيمة المشاريع المعلنة في اوج الطفرة في عام 2007م 2.1 تريليون دولار، 57% منها في القطاع العقاري واشارت الدراسة الى ان تلك المشاريع تتطلب طاقات وسياسات توجه نحو المستوطنين الجدد تتمثل في زيادة الصرف على البنية التحتية لمشاريع الطاقة 134 بليون  و المياه 40 بليون دولار بعام 2013، حيث يتوقع ان يزيد الطلب على الكهرباء 10% سنويا و المياه 8% سنويا ، والمثير أن الرؤى التنموية (رؤية البحرين 2030، ابوظبي 2030، دبي 2015، قطر 2030) اعدتها شركات استشارية أجنبية و انصبت في اتجاه زيادة الاستثمار الدولي  واعداد الوافدين والمشاريع العقارية والاستثمارية

وأوردت الدراسة مثال سنغافورة وفيجي كامثلة لعبت فيها التركيبة السكانية دورا محوريا في تحديد مستقبلها ، سنغافورة مثلا كانت مستعمرة بريطانية صغيرة، سكانها من المالاي شهدت طفرة اقتصادية مع الاستعمار، أدت إلى استقطاب وافدين من الصين و تشكل الاثنية الصينية اليوم 75% بالمئة من السكان، وهم المتحكمون اقتصاديا وسياسيا والسكان الأصليين من المالاي لا يتعدون 14% ، أما فيجي فكانت مستعمرة بريطانية  صغيرة منذ 1874م وشهدت طفرة اقتصادية من قصب السكر، أدت إلى استقطاب وافدين من الهند وتشكل اليوم الاثنية الهندية الغالبية في البلاد، اللغة الأولى الانجليزية وتشاهد حروب أهلية وتوترات أثنية

كما قارن البحث بين الخلل السكاني التقليدي والخلل المبني على المشاريع العقارية الدولية في منطقة الخليج  وتوصل الى ان الخلل السكاني التقليدي تمحور حول ازدياد أعداد ونسبة الوافدين في سوق العمل، وتهميش دور المواطنين إنتاجيا وعماليا وعدديا و تشوه الهوية العربية في المنطقة، وتواصل حالات الاضطهاد التي يتعرض إليها الكثير من العمالة الوافدة وتدنى حقوقهم على المستوى الاقتصادي والسياسي والاحساس الشديد بحالة الاغتراب التي يعيشها المواطنين والوافدين معا، اضافة الى تطور مجتمع “بلا هوية” متعدد الإثنيات، يكون القاسم المشترك بينه فقط هو التركيز على النمو في الناتج المحلي والاستهلاك واللغة الإنجليزية.

بينما يتمحور الخلل السكاني المبني على المشاريع العقارية الدولية في بروز ظاهرة المجتمعات المغلقة على غرار ال “كانتونات ” في مدن متحولة تفتقر إلى أية هوية محددة مع زيادة نفوذ الوافدين نظرا لتملكهم العقار وانحدارهم من الطبقة المقتدرة ماديا في دول لها حضورها عالميا. وهذه الفئة هي فئة مستهلكة في المقام الأول، وبذلك يتعدى نفوذها نفوذ الأيدي العاملة الوطنية التي تفتقد النفوذ السياسي والاقتصادي ، وقد تم منح الأجانب المتملكين حق التصويت في الانتخابات البلدية في بعض دول الخليج ، كما توجد مطالبات بأن يكون للمقيمين الأجانب تمثيل في مجالس الشورى والمجالس البلدية بعد دخولهم لمجالس غرف التجارة والصناعة في دول خليجية اخرى.

Shopping Cart
Scroll to Top