مقابلة مع المكرم الشيخ محمد بن عبدالله بن حمد الحارثي
رئيس اللجنة الاقتصادية – مجلس الدولة.
حول الأوضاع الاقتصادية في السلطنة (ديسمبر 2018 )
واجه الاقتصاد العماني العديد من التحديات خلال الاعوام التي شهدت تراجعا كبيرا في اسعار النفط.. كيف ترون كانت استجابته لهذه التحديات؟
بالرغم من المحاولات الجادة لتنويع الاقتصاد عن طريق البرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي “تنفيذ”، ومحاولات التركيز على زيادة حصة الإيرادات غير النفطية الا انه من الواضح ان النفط مازال المؤثر الرئيسي للأداء الاقتصادي ، كما ان السائد فيما يتعلق بتراجع أسعار النفط، يركز بشكل كبير على الاثار المترتبة على المدى القصير ، مثل العجز بالموازنة العامة للدولة، أو تأثر الاحتياطيات من النقد الأجنبي، أو اللجوء إلى الاقتراض من الخارج، ولكن التناول الذي ينبغي التركيز عليه هو إلى أي مدى سنظل نتعامل مع طفرات أسعار النفط، أو تدنيها، بنفس المنهجية، دون الاستفادة من التحديات المتكررة التي تواجه الاقتصاد الوطني بسبب ذلك؟
وعليه، فأن الوضع الاقتصادي السليم في حالة وجود أزمة متوقعة ومتكررة، أن يكون لدينا خطط عدة وبديلة للاعتماد على النفط، بحيث يستفيد من الفوائض في أوقات ارتفاع أسعار النفط، لبناء وتوسعة القاعدة الاقتصادية الإنتاجية على أساس متنوع، لمواجه تقلبات أسعار النفط بالسوق الدولية، وتضمن الاستقرار الاقتصادي ، إن التفكير في معالجة الأمر من خلال المدخل النقدي، مثل ارتفاع معدلات احتياطيات النقد الأجنبي، أو صناديق الفائض لمعالجات الاحتياجات المالية، أو حتى تلك الاستثمارات التي تدور في فلك أسواق الأوراق المالية، لا يبني اقتصاديات قوية، ولا يضمن استدامة الاقتصاد.
ولكن الذي يمكن أن يحافظ على الاستقرار الاقتصادي استخدام عائدات النفط في تمويل استثمارات متنوعة لإحداث ما يعرف في الاقتصاد بالدفعة القوية ” Big Push ” في التنمية الصناعية؛ فقد بذلت السلطنة جهودا لتطوير مقومات البنية الأساسية في القطاع اللوجستي، والشحن، والنقل، والمناطق الحرة بأنواعها المختلفة وكل ما من شأنه أن يؤدى إلى نماء قطاعات الإنتاج والتصنيع المختلفة، وعليه المطلوب الاستفادة من هذه البنية الأساسية التي تم صرف أموال كبيرة لتطويرها، وتوجيه حصة مقدره من الموارد الى القطاعات الانتاجية ذات القيمة المضافة العالية، وأن يرافق ذلك إعادة تأهيل القوى البشرية بالتركيز على التأهيل التقني، للاستفادة من نمو الباحثين عن عمل وإعادة تنظيم مسارات التعليم العام والجامعي، لتؤام متطلبات الثورة الصناعية الرابعة ووظائفها المحتملة، وتعزيز مقدراتنا في الاستثمارات المشتركة، بحيث تكون استثمارات حقيقية انتاجية في القطاعات الواعدة وفقا لخطط التنمية.
وفي هذا الإطار فإن التحدي الذي سيواجه رؤية عمان 2040 سيتمثل في الاخذ في الاعتبار التغيرات المتلاحقة التي ستواجه الاقتصاد الوطني خلال السنوات القادمة، وضرورات الانتقال من الاقتصاد الريعي الى اقتصاد مستدام معتمدا على قطاعات إنتاجية حقيقية ذات قيمة مضافة عالية تضمن استدامة التنمية والنمو الاقتصادي.
ان تفعيل خيار تنويع مصادر الدخل يستلزم ازالة التحديات التـــي تعيـــق تحقيق التنوع وتعزيز هيكل الصادرات العمانية ليتسق مع التجارة العالمية، وتهيئ فرص النجاح، والابتكار فـــي وضـــع المســـتهدفات، وسن السياسات الملائمة، وترجمـــة المبـــادرات الى برامج تنفيذيـــة تفصيلية، وإعداد دراسات الجدوى الاقتصادية الاولية، ورفـــع كفـــاءة الإنفاق والعمـــل المشـــترك بين القطاعين الخاص والعام نحو تحقيق الأهداف الوطنية للتنويع الاقتصادي والتي على رأسها توليد الوظائف المناسبة للباحثين عن عمل و ضرورة اتساق التوجه نحو هذه القطاعات الواعدة للتنويع بتوجيه التشغيل في اتجاهها، وتطوير القدرات التنافسية، وتعزيز الاستثمارات ورؤوس الأموال.
من بين الاجراءات التي تبنتها الحكومة للتكيف مع ازمة النفط ترشيد الإنفاق ورفع كفاءته والبدء في تطبيق موازنة البرامج والأداء في بعض الجهات الحكومية …. الى اي مدى ينعكس ذلك على أداء الموازنة؟
كما هو معلوم يتطلب رفع كفاءة الإنفاق العام وتحقيق الكفاءة في استخدام الموارد والحد من الهدر، إجراء مراجعة شاملة ودقيقة للأنظمة واللوائح المالية في جميع الأجهزة الحكومية للتحول من التركيز على سلامة الإجراءات فحسب إلى مفهوم فاعلية الصرف وارتباطه بتحقيق أهداف محددة يمكن قياس فاعليتها بما يحفظ استدامة الموارد والأصول والموجودات، وإلى نشر ثقافة كفاءة الإنفاق بين مختلف المستويات الإدارية في الجهات الحكومية ابتداءً من المسؤول الأول لكل جهة. ووضع مسارات تدريب متخصصة في هذا المجال لتطوير أداء الموظفين ذوي العلاقة، وتحسين الأداء في الإدارات المالية وإدارات المراجعة الداخلية.
تبذل وزارة المالية جهود مقدره في هذا الاتجاه، كما يتضمن مشروع الموازنة العامة للدولة هدفا في هذا الإطار، وعن طريق مؤشرات أداء البرامج والمشاريع التي تسعى وزارة المالية إلى تحقيقها من خلال موازنة البرامج والأداء المعنية بالبرامج والمشاريع، حيث إن مؤشرات موازنة البرامج والأداء تعنى بكفاءة الانفاق.
هل المتغيرات الحالية في مجال زيادة الايرادات غير النفطية تمثل دعما ملموسا لتقليص الاعتماد على عائدات النفط والغاز؟
ليس من الواضح تماما، مدى انعكاس زيادة الإيرادات غير النفطية، فهنالك علاقة عكسية بين تراجع أسعار النفط وبين حصة الإيرادات غير النفطية، فعندما تنخفض أسعار النفط وتتراجع الإيرادات النفطية، فتظهر المؤشرات كأنما هنالك في ارتفاع حصة الإيرادات غير النفطية الى اجمالي الإيرادات العامة، الا ان ذلك نتاج لتراجع حصة الإيرادات النفطية الى اجمالي الإيرادات العامة.
عليه، ينبغي العمل على ان تحقق الإيرادات غير النفطية مستوى مناسبا يساوى على المدى القريب الانخفاض في الإيرادات النفطية، ويتطلب ذلك تهيئة الاقتصاد لمزيد من الاستثمارات وتعزيز القدرات التنافسية وغيرها من المتطلبات التي تعزز جانب الإيرادات غير النفطية.
للوصول إلى تفعيل الطاقة الكامنة للقطاعات التي تقود النمو.. ما هي السياسات والمؤسسات التي ينبغي استحداثها لتحقيق هذا الهدف؟
قبل الانتقال الى مرحلة السياسات، ففي سبيل التوصل لنموذج نمو اقتصادي مستدام، لا بد من بناء قطاعات تتضمن سلعا وخدمات قابلة للتصدير. فإن تنوع وتطور الصادرات في السلطنة متدن حاليا، ولم يتحسن منذ سنوات عديدة. وقد قدمت الدراسات المختلفة عدد كبير من التوصيات في هذا الجانب، والتي تقع من ضمنها وجود جهة مختصة بعملية وضع السياسات التنموية، والذي أصبح مطلب ضروري ومهم في ظل انقضاء رؤية 2020، ومع البدء في وضع رؤية 2040 يتطلب إجراء تصحيح هيكلي في منظومة التخطيط التنموي باستحداث وحدة مختصة بهذا الجانب، مع ضرورة استقلالية جهة تقييم الخطط التنموية المختلفة، وتحديد مدى تحقيق المستهدفات عن طريق مؤشرات قياس للأداء يتم تصميمها ومراقبتها بصورة دقيقة.
كيف تقيمون مساهمة استثمارات القطاع الخاص وتشجيع الشراكة الاستثمارية بين القطاع العام والقطاع الخاص في دعم النمو الاقتصادي وتخفيف اعباء الموازنة دون تأثير على النمو؟
جار العمل من قبل الحكومة على اعداد قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، كما ان هنالك جهود مقدره في اطار تحسين مؤشرات التنافسية وسهولة ممارسة الاعمال ، ويتضمن مشروع الموازنة العامة السنوية للدولة أهداف تتعلق بتوسيع مشاركة القطاع الخاص في تنفيذ وإدارة بعض المشاريع والمرافق والأعمال، وتسعى الحكومة خلال المرحلة القادمة الى إسناد عدد من الخدمات والاعمال التي تقوم حاليا بها الجهات الحكومية إلى القطاع الخاص وهو امر جيد ومطلوب ، والتي سيؤدى استكمال إسنادها إلى خفض المصروفات الحكومية الجارية.
ان تطوير مكانة وأداء القطاع الخاص يعتبر قضية جوهرية ترتكز عليها السياسات الاقتصادية من خلال تبني استراتيجية مثلى لتطوير القطاع الخاص تعكس الفهم الصحيح والتصور الواضح لآليات وسبل تفعيل دوره في النشاط الاقتصادي، لذا لابد أن يكون للحكومة دور ابرز في وضع السياسات والاجراءات المناسبة لتحفيز وتعزيز القطاع في المرحلة الراهنة. حيث سيسهم زيادة مساهمة القطاع الخاص في عملية الإنتاج وكفاءة استعمال الموارد الاقتصادية إلى جانب تفعيل التكامل والتشابكات القطاعية التي ستعمل على تحفيز الكثير من القطاعات الانتاجية محدودة المساهمة في الاقتصاد الوطني كالقطاع الزراعي والسمكي والتجاري والخدمي وغيرها من القطاعات الاقتصادية.

