بيان المكرم الشيخ محمد بن عبدالله الحارثي
رئيس اللجنة الاقتصادية- مجلس الدولة
حول مشروع قانون العمل
معالي الشيخ رئيس المجلس،
المكرمون والمكرمات أعضاء المجلس
سعادة الأمين العام ،،،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى،
يعتبر قانون العمل من أهم القوانين الاقتصادية والاجتماعية، حيث يعتبر سوق العمل أحد العوامل الثلاثة الأساسية التي تحدد مستوى النمو الاقتصادي إضافة الى (سوق المال، والتقدم التكنولوجي)، وللقانون آثاره المباشرة على الاستثمار، وتطوير بيئة ومناخ الأعمال.
لذلك ركزت اللجنة الاقتصادية عند دراسة مشروعَ قانون العمل المحال من مجلس الوزراء إلى مجلس عُمان على دراسة روح القانون وأنه ليس مجرد نصوص قانونية جامدة، بل على أنه وسيلة لتحقيق غايات تنموية محددة وبحيث تساهم نصوصه في تحقيق أهداف التنمية، ويمكن أن يحقق القانون مردودا كبيرا على النشاط الاقتصادي، ويمثل عامل جذب مهم لزيادة فرص العمل للعمانيين، وزيادة الإنتاجية والمساهمة في النمو الاقتصادي.
مع ضرورة إيجاد توازن بين الكثير من المتناقضات، ومن منطلق فلسفة أن الأداء الاقتصاد القوي هو الذي يولد فرص العمل وأن التشغيل للمواطنين لن يتحقق بدون تأهيل ورفع المهارات ، وما سيحدد جودة القانون من عدمه صياغته على أساس أنه قانون تحفيز لشركاء في التنمية و يلبي احتياجات جميع الأطراف وليس قانون عقوبات وترهيب وقدرته على التعامل مع أكبر قدر من التناقضات.
و تتعين بداية الإشارة هنا ثلاثة نقاط هامة :
الأولى :- أن مستهدفات التعمين بنهاية رؤية 2020 كانت تحقيق نسبة تصل إلى 75% من إجمالي العاملين العمانيين في القطاع الخاص ، إلا أن النتائج بنهاية الرؤية لم تتجاوز 15% وحسب التقييمات الحكومية فإن سوق العمل كان الأكثر بعدًا عن المستهدفات بين جميع القطاعات الأخرى؛
والثانية :- لدينا قطاع خاص تركيبته هشة للغاية و جميع العمانيين العاملين به يعملون لدى 10% من منشآتها النشطة فقط وليس بإمكانه مقابلة العرض من الكوادر الوطنية في وضعه الحالي ومن خلال ذات السياسات التي يريد مشروع القانون أن يكرسها.
والثالثة :- أنه رغم أن مشكلة إيجاد فرص عمل والباحثين عن عمل من المخاطر التي تحدد الأمن الاجتماعي للدول فإنه وفق ما أوضحته المذكرة التوضيحية لمشروع قانون الحماية الاجتماعية تم إرجاء إطلاق منفعة الباحثين عن عمل لأول مرة في مشروع قانون الحماية بسبب عدم وجود سياسة تشغيل فاعلة تُمكن استيعاب هذه الفئة في سوق العمل خلال فترة صرف المنفعة، ولتجنب الامتعاض المحتمل بعد انقطاع المنفعة دون توظيف.
لذلك سعت اللجنة الاقتصادية إلى معالجة هذه الإشكاليات الجوهرية في مشروع القانون بوضع السياسات الفاعلة ومنظومة متكاملة للتشغيل من خلال وضع تعريف للتعمين يشمل منظومة متكاملة الـتأهيل والتشغيل للعمانيين (المادة 1)، ووضع آليات تفعيله (المادة 19)، وتحديد نسبة للأجور للعمالة العمانية والوافدة وإعادة تدويرها في القطاع الخاص من خلال الصندوق المقترح (المادتين 21 و25)، وتسهيل حركة العمالة في القطاع الخاص بأدنى حد من القيود، وتحسين كفاءة استخدام العمالة المتوفرة محلياً بما يوجد البيئة المناسبة للاستثمار وزيادة الإنتاجية وربط استغلال العمالة الوافدة بأهداف الاقتصاد الكلي للسلطنة. (المادة 27).
و تؤكد اللجنة هنا بأن جميع التعديلات المقترحة في مشروع القانون تستند إلى التوصيات المعتمدة من دراسات مجلس الدولة : (1) “تحديات تنمية القطاع الخاص وسياسات سوق العمل” يناير2017م، و (2) “تحديات القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص” يونيو 2020م، و (3) “مُسرعات نمو الاقتصاد العُماني” يوليو2021م ، والتي اتفق مجلس الوزراء الموقر إجمالا مع توصياتها وأكد أنها تتلاقى في مجملها مع رؤية وجهود الحكومة. و أكد أنه “يعول كثيرا في هذا الجانب على مجلس الدولة في تقديم الدعم والمساندة للمركز (المركز الوطني للتشغيل) في تحقيق الأهداف المرسومة له”.
الإخوة والأخوات المكرمين ،،،،
التحدي الكبير في القانون يكمن في :-
- التعامل مع الإشكاليات الفنية لنظام التعمين الحالي الذي أخفق في تحقيق الأهداف المحددة له والذي يركز على القطاعات بدلا من المهن ولا تتسق منهجيته في تعمين نفس المهن بين قطاع وآخر وأسس تحديد النسب فيه بعيدة عن واقع العرض والطلب للقدرات العمانية.
- كيفية تصحيح الوضع الراهن لسوق العمل الذي حال دون إمكانية وجود سوق قائم على المنافسة يسمح بزيادة الرواتب وتحسين ظروف وشروط العمل وأوضاع العمال ، بل أحدث خللاً في سوق العمل ، حيث نجد بسبب عدم تطبيق منظومة الترخيص المهني أن العامل الوافد راتبه قليل نسبيا ويفعل كل ما يطلب منه أو يمارس التستر التجاري ، والمواطن راتبه أكبر نسبيا ويطالب بالمزيد ، وهذا وضع يقلل من فرص العمالة الوطنية في الحصول على وظائف حقيقية لدى القطاع الخاص في الوقت الذي تشبعت فيه الوحدات الحكومية بالموظفين و من غير المجدي استمرارها في التوظيف.
- كيفية مساهمته في إعادة تنظيم العلاقة بين مختلف الأطراف التي لديها مطالبات متناقضة مع مراعاة المحافظة على حقوق العامل المواطن والعامل الوافد وصاحب العمل والدولة والمجتمع .
- مدى اتسامه بالمرونة خاصة أنه لا يمكن النظر إلى القوى العاملة ككتلة واحدة فالقوى العاملة الوطنية قد لا تصل فعليا وليس رسميا 15% من حجم العمالة العاملة في القطاع الخاص، وحتى القوى العاملة الوافدة لا يمكن النظر إليها ككتلة واحدة و أنما يجب الأخذ في الاعتبار الاختلافات الأساسية القائمة في درجة وطبيعة حاجة الاقتصاد العماني لكل شريحة أو فئة من فئات القوى العاملة الوافدة، ومن ثم يجب رسم سياسات عمالية مختلفة يتم تصنيفها حسب حاجة سوق العمل من أنواع العمالة المختلفة التالية :-
- قوى عاملة وافدة مميزة مثل المديرين والخبراء يستدعيها التفاعل مع الاقتصاديات العالمية وجلب الخبرات العالمية ، ومحدودية الكفاءات العمانية، وعدم قدرة حجم العرض على سد النقص في تخصصات محددة مطلوبة.
- قوى عاملة اختصاصية وفنية يمكن إحلالها ، ولكن يحتاج الأمر إلى وقت لإعداد القدرات العمانية من خلال التخطيط السليم وحوكمة نظام التعليم والتأهيل والتدريب.
- قوى عاملة ماهرة وقليلة المهارة يحتاج الاقتصاد إلى أعداد كبيرة منها و لا يتوفر لها طالبو عمل بالعدد المطلوب ، ويتطلب الأمر توعية وتأهيل مستمرين للكوادر الوطنية مع فتح المجال للاستقدام وفق التصنيف المهني لمقابلة احتياجات المشاريع التنموية.
- مهن يتوفر لها عدد كبير من طالبي العمل من المواطنين بشكل فوري .
هذه هي التحديات الحقيقية التي تم التعامل معها من خلال منهجية التصنيف و برامج التأهيل والتمكين تأخذ في الاعتبار طبيعة سوق العمل العماني الذي يتسم بالتشوه الذي خلقته الاحتياجات التنموية في المرحلة السابقة والذي كانت من نتائجه رغبة الكثير من المواطنين للعمل في القطاع الحكومي وعزوفهم عن العمل في القطاع الخاص بسبب الفروقات في الأجور والحوافز وظروف العمل بين القطاعين ، كما تضمنت التعديلات رسم سياسات واضحة تمثل المرجعية في القرارات الحكومية الخاصة بسوق العمل من قبيل كيفية الحد من :-
- عملية هروب العمالة الوافدة من عملها.
- الاتجار بالبشر
- عملية توليد وظائف وهمية للمواطنين
- إغراق السوق بالعمالة الرخيصة والأمية
- التحايل على الأنظمة عن طريق إنشاء شركات تابعة بالقطاعات ذات النسب الأدنى من التعمين واستقدام العمالة الوافدة بوظائف غير تلك المصرح لها
- تهم الفساد في الإدارات والمؤسسات الحكومية والأهلية للاستقدام أو نقل العمل التي أدت إلى التجارة المستترة والتحكم في قطاع المقاولات والتأثير على أسواق قطاعات السلع الاستهلاكية والتجارة العامة والسلع الغذائية والتحويلات المالية للخارج.
الإخوة والأخوات المكرمين ،،،،
حسب نتائج دراسة سبق إعتمادها من مجلس الدولة سابقة فقد ساهمت سياسات العمل خلال فترة الرؤية 2020 في تدهور الإنتاجية في سوق العمل وأوضحت مؤشرات معدلات نمو الإنتاجية في السلطنة أنها ما زالت دون المستوى المطلوب وفي تراجع مستمر، فمتوسط إنتاجية العمل في السلطنة أقل مقارنة مع باقي دول العالم، ونمو الإنتاجية لم يكن مرضيا بسبب اعتماد النمو الاقتصادي على تراكم عوامل الإنتاج بدلا من تحسن الإنتاجية ، وكما قلت في البداية لقد تعاملت اللجنة مع القانون على أساس أنه وسيلة لتحقيق أهدافنا التنموية وليس غاية بحد ذاته ، و ندرك ضرورة أن نكون واقعيين و أن القانون لن يحل جميع مشاكلنا ، ولكن التعديلات المقترحة يمكن أن تمثل الإطار العام والأرضية اللازمة للانطلاق نحو إيجاد الحلول المناسبة لها.
الإخوة والأخوات المكرمين ،،،،
وقبل أن أتقدم بجزيل الشكر والتقدير لكل من ساهم في ابدأ الملاحظات على مواد مشروع القانون، أود التأكيد على طلب اللجنة الاقتصادية بالموافقة على رفع المذكرة التوضيحية بالمبررات العامة لتعديلات اللجنة الاقتصادية على مشروع قــانــون العمل في إطــار رفع كفاءة أداء الاقتصاد الوطني وتعزيز سياسات تنمية رأس المال البشري العُماني لتمكين العمالة الوطنية مع رأي المجلس حول القانون لأهميتها القصوى لكونها تختصر المبررات العامة لجميع التعديلات على مواد القانون على مستوى الاقتصاد الكلي وتمثل منظومة فنية متكاملة و أي تعديل فيها قد يؤثر على مواد أخرى و على فعالية الأداء الكلي للمنظومة والتي تطلب اللجنة الاقتصادية اعتمادها قبل مناقشة القانون حيث سوف يؤدي ذلك الى اختصار الوقت في المناقشات و تجنب تكرار المناقشات في نقاط مرتبطة ومكملة لبعض الأخر.
ختاما اخص بالشكر المكرمين المكرم الأستاذ محمد العلوي الذي توافقت مجمل مرئياته مع مرئيات اللجنة الاقتصادية حول الملاحظات على مرئيات مجلس الشورى و أعضاء اللجنة القانونية الذين لم يسعفهم الوقت الضيق للوقوف على كافة التعديلات على مشروع القانون كما أكدوا لنا في مذكرتهم، وجميع الأعضاء المكرمين الذين أبدوا ملاحظاتهم بدون ذكر أسماء، كما اشكر أعضاء اللجنة الاقتصادية، والفريق الفني المساعد وأخص بالشكر هنا ……
كما أشكر مقدما أعضاء المجلس المكرمين، بتقديمهم أية مقترحات أو ملاحظات إضافية والتي من شانها أن تسهم في تعزيز مواد مشروع هذا القانون، وبما يحقق أهداف مشروع القانون.
والله ولى التوفيق،

