كلمة الجمعية الاقتصادية العمانية
في حفل افتتاح المؤتمر السابع للجمعية
سياسات العمل التنمية المستدامة
مسقط ، سلطنة عمان ، الأحد والاثنين 9 – 10 مارس 2013 م
يلقيها
الشيخ محمد بن عبدالله بن حمد الحارثي
رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية العمانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين
أصحاب السمو المعالي والمكرمين والسعادة
الأخوة والأخوات رؤساء وأعضاء الجمعيات الاقتصادية الخليجية وممثلي الجمعيات المهنية العمانية والإعلام وممثلي الجهات الراعية.
الأخوة والأخوات الضيوف والحضور الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل سنة عقدت الجمعية الاقتصادية العمانية مؤتمرها السادس تحت عنوان “التنمية المستدامة والإنصاف: بين التخطيط والواقع ” وقد أوصى المؤتمر بـ ” إعداد دليل وطني للتنمية يمثل رؤية استراتيجية جديدة للسلطنة تتسم بالديناميكية لمواجهة التحديات المستجدة وضمان تحقيق التنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية يكون محورها الأساس “عمان التي نريد ” وأن يتم من خلاله تقييم الخطط الحالية وتحديد الخيارات المستقبلية بناءً على معايير ومؤشرات تنموية ذات أهداف محددة قابلة للقياس” .
و تقدمت الجمعية بعد ذلك بمبادرة ” الدليل الوطني للتنمية ” الذي تضمن تصوراتها الأولية لمتطلبات التخطيط لبدائل التنمية وتحقيق التنمية المستدامة واتضح من خلال تقييم أداء الرؤية المستقبلية عمان 2020 وجود خلط بين مفهوم الرؤية المستقبلية والأهداف الاستراتيجية والسياسات والبرامج ، وأنها لم تتضمن تسلسلاً منهجياً بين هذه العناصر. كما اتضح جلياً أن نمط الأداء والاجتهادات الحالية لن يكون بوسعها إصلاح هيكلة الاقتصاد العماني بسبب ضعف منهجية عملية التخطيط ، كما أنه لن يتمكن من مواجهة تحديات المرحلة المقبلة وتوفير أكثر من 450.000 الف فرصة عمل لـلمواطنين الباحثين عن عمل ، و للذين سيدخلون سوق العمل لأول مرة خلال الفترة الممتدة من الآن إلى سنة 2020 م .
بناء عليه حاولت الجمعية الاقتصادية العمانية قراءة واقع سوق العمل العماني وأعدت ورقة ثانية بعنوان سياسات العمل والتنمية المستدامة ، وكشفت الورقة عن وجود تحديات كثيرة ومتشعبة تقتضي معالجتها بصورة ممنهجة ومدروسة قادرة ان تساهم في التحول من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد إنتاجي وقادر على استيعاب التحديات المتعلقة بسوق العمل ، لقد توصلت الدراسة إلى الحاجة لمراجعة سياسات خطط التشغيل في السلطنة ، وتتم وفقاً لسيناريوهات متعددة، تراعى التبادلات والتفاعلات بين مكونات الاقتصاد المختلفة، وأن تبدأ بقياس التأثيرات المحتملة لتقليص الحجم الأكبر للعمالة ذات المهارات المتدنية وانتهاءً بالمهارات الأعلى، ويتطلب الأمر وضع سيناريوهات واقعية توازن بين هدفين متناقضين الأول إحداث التوازن السكاني الأمني (الاقتصادي والاجتماعي والثقافي) بين اوزان الجنسيات الوافدة، والثاني هدف استدامة النمو الاقتصادي والتنمية الشاملة وهو هدف يعتمد على فتح باب الهجرة والتوسع في الانفاق والنشاط الاقتصادي، مما قد يعمق من فجوة التركيبة السكانية لصالح الأجانب، وتتوقف هنا عمليات التعجيل المطلوب لاستيفاء متطلبات رأس المال البشرى العماني للإحلال، ولكنه سيؤدى للانتعاش وتوسيع حجم السوق والسكان. بعكس الهدف الأول الذي تصحبه إجراءات انكماشية مثل الحد من الهجرة، مع انتقاء أعداد وجنسيات القادمين، وهي إجراءات قد تساعد في الحد من النشاط الاقتصادي وتؤدي الى الركود إذا لم يتم التعامل معها بمسؤولية كبيرة. واستناداً لذلك قررت الجمعية عقد مؤتمرها السابع بهدف دراسة تلك التحديات والمعوقات واقتراح الحلول المناسبة لها.
مما لاشك فيه إن البطالة تعتبر من أهم المشكلات الاقتصادية و الاجتماعية و الإنسانية التي رافقت النظام الرأسمالي عبر مساره التاريخي الطويل وتمثل أحد التحديات الأساسية لهذا النظام. واحتل البحث في أسبابها و سبل مواجهتها، مكانة مهمة و متميزة في تاريخ الفكر الاقتصادي على اختلاف مدارسه واتجاهاته ، وفي علم الاقتصاد تفسر البطالة بنقص في النمو و الاستثمار لاستيعاب طالبي العمل ، وحل مشكلتها يكمن في تحفيز النمو و الاستثمار واتخاذ السياسات الكفيلة باستدامة نموه، كما يرى الاقتصاديون أن سياسة التشغيل تندرج ضمن السياسة العامة للاقتصاد الكلي ولقد عرًفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سياسة التشغيل على أنها سياسة تغطي كامل السياسة الاقتصادية والاجتماعية، وتتمثل في مجمل الوسائل المعتمدة من أجل إعطاء الحق في العمل لكل إنسان، و تكييف اليد العاملة مع احتياجات الإنتاج.
لقد ركزت سياسات توليد الوظائف بالسلطنة على محاولة تحسين برامج التدريب المهني والتعليم لمواءمة الطلب (أي مواءمة احتياجات السوق من العمالة بمستويات محددة من التخصص والمهارة). وتم اتخاذ إجراءات لحل مشكلة قلة فرص العمل بأساليب متعددة، إلا أنها في الأغلب الأعم تقدم حلولاً جزئية تتلخص في توليد الوظائف ويغلب عليها الطابع الآني وتفتقر إلى سياسة عامة مستقبلية ومستمرة وفى إطار منظومة التنمية المستدامة ، و لم تولِ اهتماما كافيا للمشكلة الكبرى التي تكمن في جانب الطلب نفسه، وتحديداً في فشل هيكلة الاقتصاد وعدم قدرته على توليد عدد كاف من فرص العمل للمواطنين ، وعليه من الأهمية التأكيد على أن الأدوات المستخدمة حالياً لتوليد الوظائف ، ستكون ذات آثار محدودة على المدى القصير، وذلك لاعتمادها على الفعل السياسي والذى غالباً ما يؤتي ثماره بعد وقت قصير وسرعان ما يزول وتبدأ المشكلة في الظهور من جديد و أن استخدام الأدوات الاقتصادية المناط بها حل مشكلة التشغيل ستكون آثاره أعمق وهى التي يجب أن تتولى امتصاص التدفق الطبيعي للقوى العاملة بشكل سلس ومرن دون تدخلات و املاءات سياسية تعرقل التطور الطبيعي للاقتصاد كالإملاءات على القطاع الخاص بتوفير وظائف للمواطنين من دون قدرة حقيقية على استقبال تلك الوظائف، وتحديد الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص على أنه أداة لإعادة توزيع الدخل دون اعتماد مقاربة متوازنة تضم المكاسب والتكاليف ، إضافة إلى النظر إلى قضايا التشغيل على أنها هم كمي وليس نوعياً حتى لا يتولد عنها آثار مغايرة.
ولا يعنى هذا بأي حال من الأحوال أن تقف الدولة موقفاً حيادياً تجاه قضايا التشغيل، بقدر ما يعني إعادة النظر في دورها بما يتلاءم مع حجم المشكلة عليه، فخطط التشغيل يجب أن تأخذ منحى مغايراً عن نمط التفكير السائد الآن، حيث أن الزيادة في أعداد العمالة الوافدة وتبعاتها ما هي إلا نتاج التخطيط، إذ انعكست اثارها السالبة بصورة متوازية مع البرامج المطروحة من قبل الحكومة، مما يعنى أهمية شمولية البرامج تحت إطار النشاط الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للدولة ككل، والتركيز بدرجة أكبر في تحسين إنتاجية الفرد من خلال تمليكه القدرات الأساسية للإنتاج وتحقيق الذات ، مع ضرورة دراسة هيكل سوق العمل لمعرفة الآثار المترتبة عن اتخاذ مختلف السياسات ويتطلب ذلك وجود نموذج لتحليل مؤشرات سوق العمل للمتغيرات الأربعة ذات الاهتمام وهي الإنتاج والعمالة، ومعدل البطالة والقوى العاملة وإعداد توقعات بشأنها وعمل نموذج اقتصادي بهدف تحديد تقديرات مرونة العمالة-النمو باستخدام مجموعة متنوعة من الطرق القياسية الاقتصادية بما في ذلك انحدارات السلاسل الزمنية والبيانات المقطعية وبحيث يعرض النموذج مخرجات سوق العمل بعد اختيار المرونة المناسبة للسيناريوهات المختلفة.
كما يتطلب الأمر إعادة تقييم الإجراءات المتبعة حاليا للتشغيل عن طريق فرض نسب محددة للتعمين حيث تشير نتائج العديد من الدراسات والتحليلات إلى أن الآثار السلبية لإجراءات التوظيف والحصص الوظيفية للتوطين في دول الخليج تفوق آثارها الإيجابية ، حيث ساعدت تلك الاجراءات على زيادة الأجور بشكل عام، الأمر الذي أفضى إلى خفض الطلب على العمالة الوطنية ، كما عمدت بعض الشركات إلى توظيف عمالة وهمية لمجرد الالتزام بمتطلبات النسب المحددة ، وخلصت إلى أن محاولات وضع الحلول لمشكلة البطالة لن يكتب لها النجاح دون بحث ومعالجة العوامل المسببة لتلك الظاهرة وأن الأمر يتطلب التخلي عن السياسات الحالية واعتماد سياسات بديلة من شأنها إجراء إصلاحات شاملة لسوق العمل. وتشمل السياسات المقترحة خفض حالة التجزؤ التي يعاني منها سوق العمل تدريجياً وتحسين قابلية العمالة الوافدة للحركة والتنقل بحرية ، وكذلك الارتقاء بمستوى إنتاجية المواطنين مع تعزيز العلاقة بين النظام التعليمي وسوق العمل.
هناك العديد من التحديات التى تواجه سوق العمل العمانى ويمكن اختصارها فى النقاط التالية:
- تركيز الاستثمارات فى المشروعات كثيفة رأس المال ، وضعف الأداء العام للقطاعات غير النفطية ساهم في عدم نجاح الجهود المبذولة لرفع نسبة المشاركة الكلية للمواطنين فى سوق العمل.
- العدد الأكبر من الباحثين عن عمل في المرحلة العمرية 18-29 سنة حيث تمثل هذه الفئة حوالى 71% من إجمالى الباحثين عن عمل، أما بالنسبة للمستوى التعليمى فتشير الإحصاءات إلى أن 88% من العمانيين لم يتعد تعليمهم الثانوية العامة وحوالى 6.2% حاصلين على شهادة البكالوريوس بينما يقل عدد الحاصلين على الماجستير والدكتورة عن 1%.
- الزيادة في العمالة الوافدة لم تسهم في زيادة الانتاجية فى أغلب قطاعات الاقتصاد العمانى، حيث تشير إحصاءات انتاجية العمل للسلطنة خلال الفترة 2003-2011 إلى تذبذب واضح فى معدلات نمو الإنتاجية خلال السنوات التسع بل وانخفاضها فى معظم السنوات حيث انخفضت بنسبة 3.03% عام 2009 على الرغم من زيادة الايدى العاملة الوافدة فى ذلك العام بحوالى 13% بالمقارنة مع العام 2008، كما أن إنتاجية العمل الحقيقة أخذت منحنى تنازلياً مع كل زيادة فى أعداد القوى العاملة الوافدة منذ العام 2009، وهو ما يعني أن الزيادة فى الطلب على العمال الوافدين في السلطنة فى كثير من الأحيان وخاصة فى حالة العمالة غير الماهرة غير مرتبط بالإنتاجية ، و انما مرتبط بعوامل رخص الأجر وعدم رغبة المواطنين فى ممارسة مهن معينة، بالإضافة إلى ظاهرة (البحث عن الريع) المرتبطة بتجارة التأشيرات .
لقد توصلت الدراسات كذلك الى أن التحدي الأشمل أمام السياسات – التي تمكن من توفير فرص العمل – يتمثل في ضمان تحقيق النمو القوي والقابل للاستمرار على المدى الطويل من خلال تعزيز الموارد العامة للدولة و معالجة أسباب ارتفاع البطالة والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي ودعم تطوير القطاع المالي . وتحقيق ذلك يتطلب استيعاب ديموغرافية سوق العمل العماني ووضع حزمة متكاملة من السياسات لمعالجة إشكالياته تشمل أسلوب التخطيط الاقتصادي وأداء القطاع الحكومي وأداء القطاع الخاص ، مع اعادة صياغة سياسات التعليم والتدريب وحماية المشاريع الصغيرة والمتوسطة وإيجاد البيئة التي يمكن أن تساهم في نجاح مشاريعها
ولكن يبقى هنالك سؤال واحد كبير ، هل مؤسساتنا قادرة على استيعاب ذلك والعمل معا كفريق واحد لبلورة السياسات العامة وصياغة البدائل الملائمة والتنسيق بينها لتحقيق الترابط والتكامل بين أعمالها خاصة مع وجود جهات متعددة تسعى لتنظيم سوق العمل ورسم الاستراتيجيات ووضع السياسات التي تحكم سوق العمل ؟
دعونا نقف وقفات سريعة على بعض الوقائع التي لمسناها جميعا ونسأل اسئلة ربما تكون ساذجة ولم نتمكن من استيعاب المغزى الحقيقي لها ولنترك لكل واحد منا فرصة الاجابة عليها.
الوقفة الاولى وفق ما نشر في وسائل الاعلام مؤخرا من خلال عرض وزارة النفط والغاز أمام أعضاء مجلس الشورى فإن الاحتياطي المؤكد من النفط على مستوى الانتاج الحالي يمثل 15 سنة قادمة وبالتالي سينتهي قبل نهاية النصف الاول من الرؤية 2040 ، وما لم يتم إضافة أي جديد على مستوى الإنتاج النفطي فإن مرحلة عصر النفط في السلطنة تنتهي في سنة 2029 وسينحصر الانتاج فقط على الاحتياطي القابل للاستخلاص خلال النصف الثاني من الرؤية 2040.
- كيف سيتم وضع الرؤية 2040 م هل سيكون نصفها الأول مبني على الاقتصاد الريعي والنصف الثاني على الاقتصاد الإنتاجي وما مدى تأثير ذلك الحدث على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟
الوقفة الثانية اذا اخذنا بتعريف منظمة التعاون الاقتصادي واعتبرنا سياسة التشغيل هي مجموعة التدابير و الإجراءات التي تضعها و تنفذها الأجهزة الحكومية بالتعاون مع منشآت القطاع الخاص، من أجل زيادة معدل التشغيل للسكان في سن العمل والتي لا يمكن تحقيقها بدون وجود سياسات مالية سليمة لإدارة للاقتصاد الكلي والتي تلعب الدور الاساس في توفير نمو مستدام و محفز للتشغيل ، وتضمن التحكم في التضخم في نفس الوقت ، والتي يجب أن يصاحبها اتباع سياسات نقدية مرنة تساعد على الإبقاء على تكلفة الاقتراض منخفضة، بهدف تحفيز الاستثمار وتحسين الإنتاجية ، نجد أن سياسات العمل لا تخص وزارة القوى العاملة ولا وزارة الخدمة المدنية فهي من صميم سياسة الاقتصاد الكلي للدولة و نجد كذلك أنه في مايو 2012 م تم إنشاء المجلس الأعلى للتخطيط بهدف وضع الاستراتيجيات والسياسات اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة في السلطنة ، وإيجاد الآليات التي من شأنها تطبيق تلك الاستراتيجيات والسياسات ، وصولا إلى تحقيق التنوع الاقتصادي والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية المتاحة .ولقد منح القانون المجلس في سبيل تحقيق أهدافه وضع معايير لتحديد أولويات مشروعات التنمية وأساليب التخطيط التنموي ، بما يضمن تحقيق التوازن بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي للتنمية.
ولكن قبل نهاية سنة 2013 تم تشكيل اللجنة الرئيسية للرؤية المستقبلية “عُمان 2040م” ، وذلك بهدف إعدادها وبلورتها وصياغتها بإتقان تام ودقة عالية في ضوء توافق مجتمعي واسع، وبمشاركة فئات المجتمع المختلفة، وبحيث تكون مستوعبة للواقع الاقتصادي والاجتماعي ومستشرفة للمستقبل بموضوعية ، لكي يتم الاعتداد بها كدليل ومرجع أساسي لأعمال التخطيط في العقدين القادمين.
- لماذا وجود مجلس و لجنة في الوقت ذاته وهل تم تشكيل اللجنة بسبب اخفاق المجلس؟ آلم يَحِن الأوان لإعادة تقييم مؤسساتنا الشكلية وإعادة هيكلتها وتطعيمها بخبرات تمكنها من تحقيق اهداف التنمية والقيام بدورها كاملاً و لا تكون شبيهة بمؤسسات التجارة المستترة وينحصر مهامها في تعيين الاستشاريين الذين يقدمون استراتيجيات غير قابلة للتطبيق ومصيرها أدراج المكاتب؟
الوقفة الثالثة :- في موسم احتفال السلطنة بعيدها الوطني في شهر نوفمبر الماضي صدر مرسوم سلطاني بانضمام السلطنة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وتكون بذلك من اواخر الدول العربية التي تلحق بالركب ، كما شهدت السلطنة محاربة العديد من قضايا الفساد في الفترة الاخيرة .
يرى الكثير من الاقتصاديين أن من أكبر أنواع الفساد في الدول النامية تعيين اشخاص في مراكز قيادية وهم ليسوا أهلاً لتلك المسؤولية حيث إن آثار مثل تلك التعيينات في الكثير من الحالات تكون أكثر تدميرا من سرقة الملايين حيث تعتبر القيادات في الوحدات الحكومية أو في أي مجتمع من أكثر الشخصيّات تأثيراً في حياة مجتمعاتها ونتائج أعمالها تؤثر على مقدرات أوطانها وتحقيق نهضتها ، لذا يجب أن تخضع عملية التعيينات والإعفاءات لمعايير دقيقة يعرفها الجميع ، وبحيث تتمتع تلك القيادات برؤية ملهمة وبالقوة والقدرة على التجديد والتغيير و لديها الكفاءة والتأهيل ، ويتم تحديد مدة محددة لبقائها وبرنامج عمل محدد لانجازه ووضع معايير قابلة للقياس لمتابعة ومراقبة أدائها ، وبناء على نتائج أعمالها يتم تجديد مهامها أو اعفاؤها منها ، وبحيث تخضع كافة القيادات العليا في الوحدات الحكومية وبدون استثناء لذلك التقييم.
لقد توصلت الكثير من الدراسات و التجارب إلى أن التحول الاقتصادي للمجتمع ما هو إلا وجه واحد من أوجه عديدة للتطور الاجتماعي والسياسي و أن نجاح خطط التنمية والنمو الاقتصادي أمر مرهون بالإصلاحات السياسية والاجتماعية والإدارية ، وهو ما يطلق عليه اليوم مصطلح “الحكم الراشد” او “الحوكمة” ، كما تؤكد الأدبيات الاقتصادية الجديدة على حتمية نجاح الأنظمة التي تتمكن من توفير بيئة من الحريات الأساسية السياسية والفكرية والاقتصادية والتي يتسم عملها باللامركزية ومساهمة مجتمعها على مستوى المناطق ومؤسسات المجتمع المدني ، وترى أن الحكم الراشد هو الضامن لتحويل النمو الاقتصادي إلى تنمية إنسانية مستدامة و عليه، فإن مسألة الحكم الرشيد القابل للمساءلة يمكن تلخيصها كما وردت فى الأدبيات المختلفة لهذا الموضوع فى وضع عملية اختيار ومراقبة وتغيير الحكومة ، ومقدرة الحكومة على صياغة وتنفيذ سياسات صائبة وبطريقة فاعلة ، واحترام المواطنين والدولة للمؤسسات التى تحكم التفاعل السياسى والاجتماعى فيما بينهم.
- التحدي الأكبر الذي نواجهه اليوم ليس الإعداد لـ 2040 ولكن كيف نصل إلى 2020 ، فهل سنستفيد من دروس غيرنا ونبدأ بإدخال إصلاح جذري في مؤسساتنا ومنهجية عملنا ، و نقيّم ممارساتنا ونحدد خياراتنا المستقبلية ، ونكتشف أين تكمن قدراتنا التنافسية ، ونعيد النظر في فكرنا التنموي وكيفية إدارة اقتصادنا الوطني بمهنية ونستفيد من المنهجية التي رسمها الدليل الوطنية للتنمية ” عمان التي نريد” حتى نتمكن من مواجهة التحديات الماثلة امامنا خلال الفترة الممتدة من الآن إلى سنة 2020 والتي نحن بأمس الحاجة لتحديد معالم لتعامل معها حتى تكون لدينا أسس سليمة للانطلاق الى 2040؟
الوقفة الرابعة ، حسب البنك المركزي العماني من خلال مجلته الرسمية “المركزي ” فإن سلطنة عمان تمتلك صندوقاً سيادياً تقدر قيمته (8.2) مليار دولار وإذا زاد الإنفاق الحكومي في خضم فترة من تراجع أسعار النفط وتباطؤ النمو الاقتصادي أو في حال حدوث أي مؤشر ينذر بانخفاض معدلات الناتج المحلي مع الزيادة في الإنفاق في السنوات المقبلة ، سيكون امام السلطنة أحد خيارين “الخيار الأول هو أن تبدأ في تصفية أصول في الخارج لدعم الإنفاق المحلي ، والخيار الثاني أن تبدأ برنامجا للاقتراض الخارجي العام المقبل على أقرب تقدير ” والملاحظ ان هذه حلول وقتية قصيرة المدى وغير قابلة للاستدامة.
في الوقت نفسه نشرت وكالات الأنباء قصة (بريان أكتون) الذي تقدم بطلب العمل في شركة فيسبوك قبل خمس سنوات ورفضت توظيفه ، وكتب أكتون على حسابه في تويتر آنذاك فيسبوك رفضت توظيفي. كانت فرصة رائعة للتواصل مع أشخاص رائعين. أتطلع لتجربتي القادمة في الحياة ، و لجأ مع صديقه (جان كوم) الى تأسيس شركة واتس آب ، وبعد ذلك بخمس سنوات عقدت فيسبوك معه صفقة لضم شركة واتس اب بقيمة 19 مليار دولار.
هذه العملية سيكون لها تأثيرات كبيرة على شركات الاتصالات الدولية و لن تسلم منها الشركات العمانية خاصة بعد أن أعلنت الشركة توجهها نحو توفير المكالمات الهاتفية المجانية ضمن خدمات تطبيقها على الأجهزة الذكية ليزلزل بذلك هيمنة شركات الاتصالات الوطنية التي لا تملك جوابا لسبل مواجهة الانتشار السريع لبرامج الاتصال المجاني إلا عن طريق الحجب الذي أصبح قابلاً للتجاوز بكل سهولة ، والذي سيكون قريبا من مخلفات الماضي خاصة بعد الاعلان مؤخرا عن انتاج هواتف تقوم بتشفير المكالمات والرسائل وكافة البيانات تُتيح تصفح المواقع من خلال بروتوكول VPN وتُبقي المتحدث مجهولا بحوالي 70 ريال عماني .
- البيانات أعلاه تبين الفرق بين دولة ريعية نفطية واقتصاد ذكي معرفي ابتكاري حيث تمكنت شركة لا يزيد عمرها عن خمس سنوات و لا يزيد عدد العاملين فيها عن خمسين شابا من إنشاء شركة وبيعها بضعف احتياطيات دولة تم توفيرها على مدى عقود طويلة و تعول عليها لبناء مستقبلها ، فما هي مقاييس نجاحنا وما هي خططنا ، وماذا نحن فاعلون لتطوير اقتصادنا؟ و ما هي الآليات التي وضعتها الجهات التخطيطية لوضع أساسات قوية تحقق استقرار الاقتصاد الكلي ، وتُوجد بيئة مواتية لأنشطة الأعمال ، وبناء رأس المال البشري ، وسيادة القانون.
الوقفة الخامسة :- كثر الحديث مؤخراً عن التجارة المستترة والعمالة السائبة ومشاكل العمالة الوافدة وزيادتها بنسب كبيرة في السنوات الأخيرة وبالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها الجهات المعنية إلا أن النتائج ما زالت غير مرضية.
- لماذا نضع حلول لا مجال لنجاحها ولا نبحث عن أسباب وجذور المشكلة التي تعود الى الإجراءات الحكومية وشروط الترخيص للاستثمار الأجنبي ونظام الكفيل او ما نسميه نظام الاستقدام الذي تم استخدامه بشكل سلبي أدى إلى تفاقم مشاكل العمل في السوق المحلي ، ولا نقييم تجربتنا مع هذا النظام غير المطبق سوى في منطقة الخليج لمعرفة انعكاساته على سوق العمل وتأثيراته على الاقتصاد الوطني ، خاصة أن المسوحات تشير إلى أنه قد ترتب عليه الاتجار بالبشر ، وتوليد وظائف وهمية للمواطنين ، وإغراق السوق بالعمالة الرخيصة والأمية، وهروب العمالة من كفلائها والعمل في أماكن أخرى ، وتشويه سوق العمل ، والتحايل على الأنظمة عن طريق إنشاء شركات تابعة بالقطاعات ذات نسب تعمين منخفضة ، واستقدام العمالة الأجنبية بوظائف غير عن تلك المصرح لها، وفتح باب الرشاوى في الإدارات والمؤسسات الحكومية والأهلية للاستقدام أو نقل الكفالة ، وأدى إلى التجارة المستترة والتحكم في قطاع المقاولات ، والـتأثير على أسواق قطاعات السلع الاستهلاكية والتجارة العامة والسلع الغذائية ، وتحويلات مالية كبيرة للخارج. ومتى سنرسم سياسات عمل تزيل المعوقات التي تمنع القطاع الخاص من خلق المزيد من فرص العمل ، و تتيح حواراً حقيقياً وليس شكلياً.
الوقفة الأخيرة لقد صدر مؤخرا كتاب هام بعنوان حرب الوظائف القادمة للكاتب جم كليفتون (Jem Clifton) الرئيس التنفيذي لشركة جالوب العالمية للاستطلاعات والرصد حيث قامت جالوب بمسح ضخم استغرق 6 سنوات، وشمل 150 دولة حول العالم يسأل الشعوب ماذا يريدون وإلامَ يطمحون ، وتوصلت نتائج الدراسة الى نتيجة نهائية ينشدها العالم بأسره وهي ” أن الشعوب تريد وظيفة مناسبة “. ويؤكد رئيس شركة جالوب أن هذه النتيجة هي أهم اكتشاف توصلت إليه الشركة عبر تاريخها الممتد خلال خمسة وسبعين عاماً.
ويرى جم بناءً على استطلاعات جالوب ” أن العالم في السنوات الثلاثين القادمة لن تقوده أمريكا بترسانتها العسكرية، وقوتها السياسية، ولكن العالم سيقاد بالقوة الاقتصادية المتمثلة في توليد الوظائف. فالقوى السياسية والعسكرية لن تكون هي الموجهة للعالم في المستقبل. العالم اليوم في حاجة لقادة يضطلعون بمهام تختلف عن السابق، فالقيادة المهتمة بالسياسة والدفاع والقيم الشخصية والبرامج الاجتماعية لم تعد تناسب مستقبل التنافسية. وأصبح الحديث عن حقوق الإنسان، وتمكين المرأة، والقضايا الاجتماعية ينصب على آثرها على خلق الوظائف “.
ولقد قدم لكتابه بالقول إنه :-
“عندما تتلاشى الوظائف فإن مصير الدولة بأكمله سيتلاشى وان كثيرا من الحكومات والقادة في أمريكا أو الدول التي تحذوا حذوها يسيرون في الطريق الخطأ. فهم يحبطون رواد الأعمال بدلاً من أن يمكنوهم، وهم أيضاً يقودون المؤسسات بجيش من الموظفين المحبطين. وهم أخيراً يجنون على الجيل القادم الذي سيخلق وظائف المستقبل بتعليمه تعليماً سيئاً “.
وخلص الى أن الطريق المستقيم والبداية الصحيحة للتفوق والانضمام الى كتيبة المنتصرين في هذه الحرب القادمة هو التعليم، ثم التعليم، ثم التعليم، ثم يأتي بعده ما تشاء. التعليم القائم على خلق وإنماء وإذكاء الروح الريادية لدى الأجيال القادمة. التعليم التطبيقي القائم على منح الثقة بإمكانية الانجاز والإنتاجية للمساهمة في بناء المجتمع. التعليم القائم على احترام المهنية، والاعتزاز بالتخصص، وتقدير التكاملية في المجتمع. ولكي نصل الى هذه النقلة المستديمة فنحن في حاجة إلى مراجعة مستفيضة لتوجهات التعليم المستقبلية ومدى ملائمة ابعاد العملية التعليمية من مناهج ومعلمين وبيئة تعليمية لمواكبة متطلبات التنافسية العالمية القادمة.
- هل آن الاوان لمراجعة أوليات الانفاق الحكومي الانمائي والمتكرر والاستثماري والاستهلاكي لتحقيق النقلة المستديمة وإعادة النظر في انفاقنا العسكري خاصة ان السلطنة تحتل المراتب الاولى عالميا في نسبة الانفاق العسكري الى الناتج القومي الاجمالي بهدف تحقيق الامن الاجتماعي حتى تكون عملية الانتقال خلال النصف الثاني من الرؤية 2040 اكثر سلاسة ؟
وفى الختام فإن مسؤولياتنا امام وطننا تحتم علينا أن نبدأ من الآن في التحرك إلى المستقبل وإعادة النظر في سياساتنا التنموية والعمل على علاج التشوهات التي يعانى منها سوق العمل، وفق منهجية علمية، ويقترح في سبيل ذلك:
- الاستفادة من الأجندة الوطنية للتنمية التي اقترحتها الجمعية (عمان التي نريد)، والعمل على بناء نموذج اقتصادي جديد.
- مراجعة سياسات العمل الحالية التي كانت ضرورية لخدمة متطلبات التنمية في المرحلة السابقة وانتهت مدة صلاحيتها ولم تعد صالحة لمقابلة تحديات السنوات المقبلة بسبب تغيير الكثير من العوامل ، واعتماد سياسات بديلة من شأنها إجراء إصلاحات شاملة لسوق العمل وتؤدي الى خفض حالة التجزؤ التي يعاني منها سوق العمل تدريجياً والارتقاء بمستوى انتاجية المواطنين مع تعزيز العلاقة بين النظام التعليمي والتدريبي وسوق العمل وبالتالي تعزيز عملية الإحلال، والحد من استقدام الوافدين من خلال تحسين قابلية القوة العاملة الوافدة على الحركة والتنقل مع عدم تدخل الحكومة في كيفية إدارة القطاع الخاص لأعماله.
- استيعاب واقع القطاع الخاص الهش وقدراته المحدودة وإيجاد ارضية مشتركة للحوار الحقيقي والمسئول بين قطاع العمل والعمال وبرعاية الحكومة ، تكون مهمتها العمل على التوصل إلى صيغة للتوافق وبما يخدم مصلحة جميع الاطراف دون الاضرار بالاقتصاد الوطني ويحافظ على الاستقرار العام والتأكيد على مسألة حقوق وواجبات كل طرف ويعمل على حل الخلافات التى قد تنشأ من وقت إلى اخر.
ختاما لا يسعنا إلا أن نرحب بضيوفنا الذين يشاركوننا في هذا المؤتمر وضيوفنا الاجلاء الذين تكبدوا مشقة السفر ، كما نشكر شركاءنا في هذا المؤتمر الجمعية الاقتصادية الخليجية وإخواننا رؤساء وأعضاء الجمعيات الاقتصادية البحرينية والسعودية والكويتية المشاركين معنا في هذا المؤتمر. والشكر كذلك للجهات الراعية للمؤتمر وإخواننا الإعلاميين. وشكر خاص للأخوة الذين سيقدمون أوراق عمل هامة مرتبطة بمحاور المؤتمر.
ضيوفنا الكرام ، سعداء بتواجدكم بيننا في عمان الخير والمحبة والسلام ونتطلع إلى الاستفادة من تجاربكم ورؤاكم حول تحديات سوق العمل ونأمل في أن يساهم هذا المؤتمر في طرح أفكار جديدة لتحديد جذور المشاكل والنظر في البدائل التي تتطلب تحقيق نمو اقتصادي مستدام ونتمنى أن تتكلل مساعينا بالتوفيق والنجاح.
وفي الختام لا يسعني إلا أن أذكر بأن الجمعية الاقتصادية العمانية لا يعمل بها أي موظف ولا تدفع أي أجور أو رواتب وجميع مهامها يقوم بها مجلس الإدارة والأعضاء الذين يقدمون خدماتهم على أساس تطوعي ولا يحقق لهم أي مردود مادي، ويسعون لممارسة نشاطهم بمهنية ومنهجية علمية وفي إطار أهداف الجمعية كشركاء فاعلين في التنمية الشاملة للبلاد ، وعليه اتقدم بجزيل الشكر والتقدير لزملائي من الجمعية الاقتصادية العمانية والمتطوعين على ما بذلوه من جهود لإنجاح أعمال هذا المؤتمر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

