كلمة رئيس الجمعية في ملتقى طلاب الجامعة (2012)

كلمة رئيس الجمعية في ملتقى طلاب الجامعة

سعيد ان اكون بينكم اليوم واود ان أشير هنا بأن اول مؤتمر نظمته الجمعية الاقتصادية العمانية عقد هنا في جامعة السلطان قابوس فى شهر أكتوبر 2005م ، وكان عنوانه الاقتصاد الجديد، وقد تم في المؤتمر طرح قضية الفجوة المعرفية بين الدول النامية والعربية من ناحية والدول المتقدمة من ناحية أخرى، والتى رأى المؤتمر أنها تتعاظم يوما بعل يوم، وأن الحد من حجم الفجوة يتطلب وضع وتطبيق سياسات عامة متناسقة لقطاعات التكنولوجيا والاقتصاد والتجارة تمكن من تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، ومواجهة تهديدات التهميش الناجمة عن العولمة، كما يجب أن ينطلق تكامل السياسات من أعلى المستويات فى الدولة لإيجاد بيئة تنسجم مع إطار العناصر الأساسية للاقتصاد المعرفى الذى حددت معاييره المنظمات الدولية بدقة. كما ناقش المؤتمر دور الاقتصاد الجديد فى إصلاح القطاعين العام والخاص وتحديثهما وتكاملهما فى البلاد النامية، والاقتصاد المبنى على المعرفة كمدخل فى زيادة الاستثمار المبنى على المعرفة فى المنطقة العربية .

وبعد ذلك بسنوات رأينا كيف عصفت الأزمات السياسية بعدد من الدول العربية ووجدنا انها بدأت بدوافع مختلفة حسب خصوصية  كل دولة أو مجتمع ولكن يجمع بينها رفض القائم وعدم معرفة المنتهى. وما حدث في السلطنة لا يمكن النظر إليه  بمعزل عن ما حدث من حراك سياسي في المنطقة العربية ، كما أن هذا النوع من الحراك ليس بجديد في تاريخ الشعوب ولا ينبغي القلق كثيرا من تبعاته لأن التاريخ يؤكد أن نتائجه ستكون في صالح الدول على المدى الطويل بالرغم من السلبيات التي ستواجهها في فترة المخاض.

في دراسة نشرتها شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية في  ديسمبر 2012م ركزت على تونس ومصر، اعتبرت بأن الدول العربية حققت نمو اقتصادي جيد على مدى ثلاثة عقود نتيجة تبني سياسات اقتصادية ليبرالية وذلك بتحرير التجارة والاستثمار والتوسع في الاقتراض وبيع الاصول الحكومية ولكن لم يؤدي ذلك الى تحسن مستوى معيشة الناس بل لقد كان من نتائج نمو الناتج المحلي الاجمالي “تهميش الاهداف التنموية وحقوق الناس الاقتصادية والاجتماعية”.

كما ان السياسات الاقتصادية السابقة والتي ركزت على محاربة التضخم وجذب الاستثمارات الاجنبية المباشرة والانفتاح على التجارة والتدفقات الرأسمالية، والتي تمت بتوصيات ومباركة المؤسسات التنموية والمالية الاقليمية ومتعددة الاطراف ادت الى اضعاف القدرات الانتاجية الوطنية ولم تعالج قضايا التوزيع غير العادل للموارد ولم تؤدي الى تمكين الناس وبناء مجتمعات مدنية قائمة على اساس الحقوق واحترام الواجبات. لذا، كان من نتائج تلك السياسات زيادة نسب البطالة والفقر واللامساواة بالرغم من الارتفاع الجيد والمستمر في أداء اقتصاديات الدول العربية.

ولقد نجم عن ذلك انتفاض الشعوب بسبب ما يروه من انتشار ظاهرة الفساد ومن الاخلال بنسيج المجتمع وإيجاد فوارق كبيرة بين الفئات الاجتماعية وبين المناطق والفشل في قرأة التاريخ الذي يقول لنا إن الأوضاع لن تستقر على المدى الطويل  بدون إصلاح سياسي وإداري يتبعه اصلاح اقتصادي واجتماعي وصولا إلى إعادة صياغة علاقة الدولة بالمواطن على أساس احترام حقوق الانسان وتعزيز مفهوم الحقوق والواجبات.

وكان لا بد لدولنا ان تدفع ثمن افرازات العولمة التي تغلغلت فينا ودمرت نظمنا التعليمية واستبدلتها بنظام جعل من التربية الاسلامية مجرد ثقافة ونزعت منها البعد الوطني والقومي واستبدلت قصيدة ” أخي تجاوز الظالمون المدى”  بثقافة ديكي ودجاجتي وافرغت التعليم من هدفه المتمثل في توفير المعرفة والمهارة والموقف من الحياة ، وما زاد الطين بلة سوء إدارتنا لسياساتنا ومواردنا وتمسكنا بقشور الفكر المستورد وعجزنا عن الاستفادة من الإيجابيات التي كان بإمكاننا استخلاصها منه ، كما لم تتمكن جامعاتنا من القيام بمهامها المتمثلة في اعداد متخصصين في العلوم والآداب والبحث العلمي المتعلق بمشكلات المجتمع وتكوين القيادات الفكرية.

ولفهم أفضل لعمق المشكلة وجذورها يجب علينا فهم المدرسة الاقتصادية التي ركبنا موجها والعودة إلى الوراء قليلا إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث خرجت معظم الدول المتخلفة في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية من مرحلة الاستعمار وسعت حكوماتها إلى تحقيق التنمية الاقتصادية عبر الاستثمار الحكومي في بيئة اتسمت بمحدودية أو غياب لقطاع خاص نشط ، وأنشأت المؤسسات الدولية الثلاث: “صندوق النقد الدولي” (IMF) و”البنك الدولي” (WB) والاتفاقية العامة للرسوم الجمركية والتجارية (“غات” GATT). و لردم الفجوات التي أحدثها نظام غات وبساهمة علماء اقتصاد من العالم الثالث تم انشاء “مفوَّضية الأمم المتحدة للتجارة والتنمية” (“أونكتاد” UNCTAD) .

واستمر الوضع على ذلك النحو حوالي ثلاثة عقود حتى بداية ثمانينيات القرن الماضي حيث بدأ تنامي دور القطاع الخاص وقوى السوق وتراجع دور الدولة في الإنتاج والخدمات ، وعملت إدارتي “رونالد ريغان” في الولايات المتحدة الأميركية و”مارغريت ثاتشر” في المملكة المتحدة على فرض مجموعة من السياسات النيو-ليبرالية التي تخدم مصالح الشركات متعددة الجنسية. وإلى تفكيك اتفاقيات “أونكتاد” وفرضت منظومة “بريتُّون وودز” (Bretton Woods) ومؤسساتها (“صندوق النقد الدولي” و”البنك الدولي” ووزارة المال في الولايات المتحدة) الاسس الجديدة لسياسات التجارة الدولية التي فرضت قيودها على دور وكالات الأمم المتحدة من خلال ما عرف بمصطلح “إجماع  واشنطن” (Washington Consensus) وهو مصطلح صِيغَ آنذاك لتوصيف جملة محدَّدة نسبياً من وصفات سياسية اقتصادية تكون رزمة معيارية  للبلدان مرتبطة بدور قوى السوق يقابله آخر محدود للدولة تلعب من خلاله دور المنظم والمحفز للحركة الاقتصادية وبموجب سياسات غير مباشرة تبلورت ضمن سياسات تحرير التجارة و الترشيد المالي وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وإعادة أولويات المصروفات العامةوالخصخصة والإصلاح الضريبي وإزالة القيود التنظيمية وتحرير السياسة المالية وضمان حقوق الملكيةو تبني أسعار صرف تنافسية.

وجُرفت الكثير من الدول في ذلك المسار شاءت أم أبت وفرضت عليها ليبرالية أو تحريرالاقتصاد الوطني على أساس أنها قوة تاريخية حتمية لا بد من الالتزام بمسارها ولم ينظر اليها كخيارات مرتبطة بالخيارات السياسية العامة لتلك الدول وعما إذا كان تنفيذها سيؤدي إلى تحقيق وضع اقتصادي و اجتماعي افضل للمجتمع مستهلكين وعمالة وأصحاب أعمال ؟ وما هي الحزمة المناسبة من تلك السياسات التي تؤدي إلى تنمية اقتصادية؟ وما هي أفضل آليات تنفيذها ؟

وفي نفس الوقت توسع الجدال حول العلاقة بين التجارة والتنمية ووصل الى أوجه مع الترويج الى أن اقتصاد السوق الحرة سيتبعه النمو الاقتصادي وأنه الاداة لمعالجة التحديات الاجتماعية وقامت المؤسسات الدولية من قبيل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالترويج لسياسات التجارة الحرة وتقليص دور الدولة في الوقت الذي توجت فيه الدول الكبرى هيمنتها بإنشاء مؤسسة جديدة أعلن عنها في مراكش عام 1994م بإسم منظمة التجارة العالمية (WTO) وتم ادراج الخدمات وحقوق الملكية الفكرية والاستثمارات والزراعة ضمن نظام التجارة العالمي، والواقع يؤكد أن معظم البلدان النامية لم تكن آنذاك تدرك العواقب والتضمينات التي نجمت عن انعقاد دورة “منظمة التجارة العالمية” في أوروغواي، على اقتصادياتها وتنميتها، بينما عملت آلة مؤسسات التمويل الدولية على تكريس تحرير التجارة  وتهميش دور الحكومات  واستبدال تأثيرها ونفوذها بدور السوق مع الترويج لحقوق الملكية الفكرية (IPR)، واتفاقيات الاستثمار وقوانين حتى لا يمكنها من مجابهة نفوذ الشركات المتعددة الجنسية.

واصبح إطار العمل القانوني للتجارة الحرة عبر “الغات” و”منظمة التجارة العالمية” يعاني من التناقضات بين ما هو متفق عليه في إطار العمل القانوني وبين ممارسات البلدان المتقدِّمة وعلى تناقض مع استراتيجيات التنمية الوطنية التي تصوغها البلدان النامية. حيث اصبحت التجارة غاية بدلا من أن تكون وسيلة والتنمية وسيلة بدلا من أن تكون غاية ووجدت الدول النامية نفسها تفتقد القدرة على وضع استراتيجياتها وسياساتها التنموية التي تمكنها من خدمة مصالحها وأولوياتها الوطنية ، واليوم تجد الدول النامية الاعضاء في “مجموعة السبع والسبعين” (G77) نفسها في مأزق ، أن النظام التجاري الحر بالكامل الذي اعتقدت مع نهاية التسعينيات أنه ستستفيد منه لا يفيدها ، لأنها تفتقر إلى القدرة على الاستفادة منه، وأن البلدان المتقدمة خدعتها بعقد اتفاقيات ثنائية مجحفة وغير متكافئة أبطلت المرونات التي توفرت لها ضمن أطر “منظمة التجارة العالمية”. وهي اتفاقيات تعدت تقييدات اتفاقيات التبادل التجاري الى الأطر الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتحقق من خلالها المصالح التي أخفقت في تحقيقها من خلال نظام متعدد الأطراف، المتمثل في “منظمة التجارة العالمية”. وتجاوز محتواها تجارة السلع لتشمل الاستثمار والمشتريات الحكومية والتنافس.

أعتقد أن المطلوب داخليا استيعاب روح العصر، و تعزيز المشاركة وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان وكرامته والاهتمام بالحريات العامة والخاصة  ، و محاربة الفساد والبيروقراطية واحتكار السلطة والثروة وتحقيق الشفافية في الحياة المالية والسياسية والمحافظة على المال العام ، وعلى الحكومة يقع عبء حماية الوطن من التأثيرات المختلفة من خلال برنامج واضح ومحدد للتقدم بشعبها نحو تغيير أفضل حتى تسهم بتجنيب المجتمع من الانحدار في منزلقات خطيرة ، إن التغيير هو سنة الحياة ومنهج التطور وهو منطق طبيعي ينعكس على السياسات وهناك شبه إجماع بأن التغيير واجب وحتمي، وذلك حفاظا على استقرارنا ، والعقل يدعو إلى إيجاد صيغ سياسية مقبولة من دون تفريط أو إفراط. وتحديد كيف يمكن نزع مواطن التوتر في المجتمع والتخفيف من حالات الاحتقان،  واستشعار سليم لمجريات الأحداث لمصلحة السير في طريق الإصلاح ، ومما لا شك فيه فإن الامر يتطلب مواجهة الكثير من التحديات التي تتعلق بالنهوض بالمستوى المعيشي للمواطن في السلطنة ، والأمر يتطلب إعادة صياغة الخطة الخمسية الثامنة وعدم إعادة الارتباط بين التخطيط والتنفيذ (المالية والاقتصاد) و وضع آليات لتحقيق الانسجام بين الوسائل والاهداف ، ومعالجة الخلل في الانسجام بين السياسات المخطط لها والتنفيذ الذي يخضع في كثير من الاحيان لتقلبات جذرية بمجرد تغيير في هرم الوزارة بسبب عدم وجود ضوابط لضمان العمل المؤسسي على مستوى الوزارات بما ينسجم مع الأهداف العامة ، ونأمل ان تساهم المنظومة المتكاملة لمؤتمرات الجمعية الاقتصادية العمانية ان تساهم في إيجاد الحلول المناسبة.

Shopping Cart
Scroll to Top