قراءة في مؤشرات الفساد والشفافية
ديسمبر – 2013م
من اهم التقارير العالمية الخاصة بمؤشرات الفساد والشفافية تقرير منظمة الشفافية الدولية الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية ، التي تتّـخذ من برلين مقراً لها، وتقدِّمه للجمعية العامة للأمم المتحدة مع تقرير خاص، و وفق تقرير سنة 2012 يتدرج مقياس مستويات الفساد في اقتصاديات 175 دولة في العالم من صفر إلى 100 ، حيث تعادل الدرجة صفر أعلى مستوى من مستويات الفساد المدرك ، في حين تعادل الدرجة 100 أدنى مستوى من مستويات الفساد المدرك .
ويركز المؤشر على الفساد في القطاع العام ويعرفه بسوء استغلال السلطة المخولة لتحقيق مكاسب خاصة بينما يعرف البنك الدولي الفساد بأنه إساءة استغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة ، و اعتمد المؤشر على بيانات ذات صلة بالفساد يتم جمعها عن طريق العديد من الاستقصاءات المتخصصة التي تقوم بها مؤسسات ومستقلة وتطرح الاستقصاءات المستخدمة في إعداد المؤشر أسئلة ذات صلة بسوء استعمال السلطة لتحقيق مصالح شخصية و لا تميز المصادر بين الفساد الاداري والفساد السياسي ، وبناء عليها يقيم ويرتب الدول طبقا لدرجة إدراك وجود الفساد بين المسئولين والسياسيين في الدولة،
لقد أكد تقرير منظمة الشفافية الدولية للعام 2103 أن نحو 72 في المائة من الدول المدرجة على المؤشر، ومن بينها جميع دول الخليج ما عدا دولة الامارات وقطر أحرزت مجموعاً من النقاط يقل عن 50 نقطة مما يشير إلى وجود مشكلة فساد حقيقية في العالم ، وترى منظمة الشفافية الدولية انه يستوجب على الدول التي جمعت أقل من 70 نقطة على المؤشر المكون من 100 نقطة تنفيذ برامج للإصلاحات الإدارية و محاربة استغلال الوظيفة العامة حيث كشف تقرير العام 2013 تمكن 22 بلدا فقط في العالم من جمع أكثر من 70 نقطة وبالتالي تجنب الحاجة لاتخاذ إجراءات إدارية وتنفيذية لتصحيح أوضاعها. علما ان الامارات تقدمت على قطر بعد تسجيلها 69 نقطة ينما احتفظت قطر بنتيجة السنة الماضية ب 68 نقطة بعد ان سجلت 72 نقطة في تقرير سنة 2011 ولكن يحسب لكل من الامارات و قطر والإمارات انهما حققا النقاط الاقرب من الحد الأدنى. .
والمطلوب من بقية دول الخليج تنفيذ إصلاحات جذرية لمحاربة سوء استغلال الوظيفة العامة بغية تحقيق مكاسب مادية حيث تكمن أهمية المؤشر باستخدامه مع مجموعة مؤشرات أخرى من قبل مستثمرين دوليين لاتخاذ قرارات مرتبطة بالاستثمارات الأجنبية التي تعتبر ضرورية لمعالجة بعض التحديات الاقتصادية مثل إيجاد فرص عمل للمواطنين من جهة فضلا عن انعكاسها لثقة المجتمع التجاري الدولي للدول المستقطبة سواء بالنسبة للقوانين أو الآفاق التجارية.
وتعتبر السلطنة عمان أكثر دول الخليج تراجعا في المؤشر منذ سنة 2009 عندما حلت في المركز 39 دوليا لتنخفض درجتين في سنة 2010 ومن ثم تراجعت تسعة مراكز من المركز 41 إلى المركز ال 50 في سنة 2011 وواصلت اللتراجع بعد ذلك الى المركز 61 دوليا في سنة 2012 واستقرت في نفس المركز سنة 2013 م ليصل اجمالي انخفاضها 22 مركز منذ سنة 2009 م.
اعتمد التقرير في بياناته المقدمة عن السلطنة على 5 مصادر للبيانات مستمدة من مؤسسات مستقلة وتقيس هذه المصادر مدى إدراك حجم الفساد (من خلال مدة التكرار أو/ حجم الرشاوى) في القطاعين العام والسياسي ، وقد جمعت البيانات خلال الفترة ما بين ديسمبر 2012 و سبتمبر 2013م و بناءً على عمليات التحليل يتضح التالي :
وبمقارنة وضع السلطنة في سنة 2013م مع وضعها في سنة 2012م نجد انها تراجعت في مسح استطلاع رأي منفذي الاعمال ( رجال أعمال ذوي مناصب عالية) من 75% الى 69% وهذا المؤشر يقيس مدركات الفساد في المدفوعات غير الموثقة التي لها صلة بالاستيراد والتصدير ، الخدمات العامة ، الضرائب ، اسناد المناقصات وعقود الخدمات العامة والأحكام القضائية المنحازة .
كما تراجعت السلطنة في مؤشر التحول من 32% الى 28% وهذا المؤشر يقيس مدى محاكمة او معاقبة اصحاب المناصب العامة في حالة سوء استخدام السلطة ؟ و مدى تمكن الحكومة من احتواء الفساد ؟
بينما احتفظت السلطنة بنسبة 41% في مؤشر دليل مخاطر الدول الدولي الذي يقيم مدى الفساد في منظومة النظام السياسي وأكثر انواع الفساد شيوعا التي تواجه الشركات هو الفساد المالي في شكل مطالبات بدفع رشاوى مرتبطة بتراخيص الاستيراد والتصدير، وتقدير الضرائب المستحقة ، وحماية الشرطة، والحصول على القروض. يتم التركيز على حالات المحسوبية او الواسطة او التوظيف او تبادل المصالح والعلاقات الوثيقة المريبة بين السياسة والأعمال.
كما احتفظت السلطنة بمستواها المتدني البالغ 38% في مؤشر تصنيف المخاطر في الدول والذي يتطرق لموضوع وجود إجراءات ومساءلة واضحة تنظم تخصيص واستخدام الأموال العامة ؟ و اختلاس للأموال العامة من قبل الوزراء / الموظفين العموميين للاستخدامات الخاصة او لأغراض سياسية حزبية ؟ ووجود مخصصات خاصة او صناديق لا تخضع للمساءلة ؟ هل توجد انتهاكات للموارد العامة ؟ هل يتم توظيف أعداد كبيرة من الموظفين في الخدمة المدنية عن طريق الحكومة بطرق مباشرة ؟ هل توجد جهة مستقلة تقوم بتدقيق إدارة المالية العامة للدولة ؟ هل توجد جهة قضائية مستقلة لها سلطة محاكمة الوزراء / الموظفين العموميين عن الانتهاكات التي يقومون بها ؟ هل هناك تقليد دفع رشاوى لضمان كسب العقود او التفضيل في المعاملات
الامر الايجابي في التقرير كان في مؤشر مؤسسة البصيرة الدولية لتصنيف مخاطر الدول والذي يعني بتأثير الفساد، على تنفيذ الاعمال. ويركز على تحليل الدوافع الاقتصادية والسياسية للمشكلة. من وجهة نظر الأعمال التجارية ، وعما اذا كان الفساد مصدر قلق فيما يتعلق بالحصول على تصاريح الأعمال وسياسة المحاباة وكيفية تخطيط القرارات. ويتم تقييم تجربة الشركات عن كثب فيما يخص هذه العمليات حيث نجد تحسن مدركات وضع السلطنة من 52% الى 63 %
وفي نفس الفترة نجد أن قطر تراجعت من ترتيبها الدولي في المركز 22 في سنة الى المركز 28 في سنة 2013م و الامارات من المركز 20 الى المركز 26 والبحرين من المركز 46 الى المركز 57 والكويت من المركز 66 الى المركز 69 بينما بقت السعودية في نفس المركز 62 بالرغم من ارتفاع درجاتها من 42 درجة الى 46 وتخلت للكويت المركز عن الاخير ليكون ترتيبها الخامس خليجيا بعد البحرين وعمان التي احتلت المركز الثالث والرابع على التوالي .
وتؤكد الارقام الى انه لا يمكن الجزم بأن السبب الرئيس في تراجع ترتيب دول الخليج في السنوات الاخيرة الى زيادة مستويات الفساد ولكن الى عدم تمكنها من رفع مستوياتها بنفس الدرجة الذي تمكنت فيه العديد من الدول الاخرى من تحسين اوضاعها والحصول على درجات اعلى في المؤشر وبالتالي تحسين درجة تصنيفها الدولي.
وترى منظمة الشفافية الدولية الفساد ان تحسين مستوى الدول يتطلب تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بشكل أكثر صرامة باعتبار انها المبادرة العالمية الوحيدة التي تشمل وجود إطار عمل من أجل وضع حد للفساد والقضاء عليه ، كما تؤكد على ضرورة تنفيذ بند الاتفاقية الخاص بإنشاء هيئة مستقلة مالياً وإدارياً لمكافحة الفساد تشكل من شخصيات وطنية مشهود لها بالاستقامة وعدم تلوثها بأي عمليات فساد بالإضافة الى منظمات المجتمع المدني المعنية المستقلة تماماً والتي تمارس عملها باستقلالية عن أية مؤثرات. وترى ان المبررات التي تسوقها بعض الدول من ان اسباب عدم انشاء هيئة مستقلة هو رغبة الحكومة بعدم تضخم الهيئات المستقلة انه سبب غير مقبول و لا مبرر.
اضافة لذلك فإن تحسين مستوى الدول في المؤشر يتطلب اتخاذ عدد من الاجراءات مثل اصدار قانون حق الإطلاع وحرية الحصول على المعلومات و التوسع في خيار إنجاز المعاملات الرسمية عن طريق الحكومة الإلكترونية و راجعة وتطوير المؤسسات العامة حتى تكون عنصر هام في تمكين “الحكم الرشيد” وما يحتويه من قيم الشفافية والنزاهة والمساءلة والعدالة و تفعيل تطبيق القوانين من خلال تطبيقها دون استثناء أو إبطاء .
| السنة | 2009 | 2012 | 2013 | |||||||
| الدول | الدرجة من 10 | الترتيب دوليا | الترتيب خليجيا | الدرجة من 10 | الترتيب دوليا | الترتيب خليجيا | الدرجة من 10 | الترتيب دوليا | الترتيب خليجيا | |
| قطر | 70 | 22 | 1 | 68 | 27 | 1 | 68 | 28 | 2 | |
| الإمارات | 65 | 30 | 2 | 68 | 27 | 1 م | 69 | 26 | 1 | |
| عمان | 55 | 39 | 3 | 47 | 61 | 4 | 47 | 61 | 4 | |
| البحرين | 51 | 46 | 4 | 51 | 53 | 3 | 48 | 57 | 3 | |
| السعودية | 42 | 63 | 5 | 44 | 66 | 5 م | 46 | 63 | 5 | |
| الكويت | 41 | 66 | 6 | 44 | 66 | 5 | 43 | 69 | 6 | |
لقد اثبتت الدراسات أن عمليات الفساد تسلب البلدان طاقاتها وتمثل عقبة كأداء في طريق التنمية وأن مقاومته وتحقيق الشفافية هي احد معايير كفاءة الإدارة الرشيدة ويتطلب ذلك تحديد مواطن الخلل والضعف التي تفتح الباب للفساد ، وفي سلطنة عمان نجد ان النظام الاساسي للدولة منح منذ سنتين مجلس عمان حق التشريع لذلك يتوجب عليه العمل على سد الفجوات القانونية التي يمكن ان تؤدي الى الفساد خاصة انها اخر دولة خليجية انضمت الى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي جاءت لكي تمثل إعلانا عن تصميم دولي لمناهضة شاملة لظاهرة الفساد بصورها المختلفة التي بينتها الاتفاقية وجاء مضمونها متوافقا مع نتائج مؤتمر مونتيري لتمويل التنمية الذي عقد بالمكسيك للتوعية بما للفساد من تأثير مدمر على التنمية .والاتفاقية تمثل اتفاقيات خطية دولية ملزمة بين مجموعات من الدول التي تسير وفق قوانين ومعايير متفق عليها بالإجماع وتعبر عن قدر عال من الالتزام السياسي المشترك .وتبنيها من قبل الجمعيات العامة للحكومات ، مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة أو المنظمات الإقليمية ، يشكل إجماعا دوليا حول القضايا التي تشملها هذه الاتفاقيات. هذا الاجتماع يتعزز بشكل أكبر عندما توقع الاتفاقيات من قبل عدد كبير من الحكومات .
و تلزم اتفاقية مكافحة الفساد في فصولها الثمانية ، وموادها الإحدى والسبعين ، الدول بتطبيق تدابير واسعة النطاق ومفصلة لمكافحة الفساد تؤثر على قوانينها ومؤسساتها وممارساتها . تهدف هذه التدابير إلى تعزيز الوقاية من أفعال الفساد وضبطها ومعاقبة مرتكبيها ، بالإضافة إلى التعاون بين الدول الأطراف في الاتفاقية حول هذه الأمور اتفاقية مكافحة الفساد فريدة ، مقارنة مع غيرها من الاتفاقيات . ليس بسبب عالميتها فحسب ، بل أيضا للتفصيل المستفيض لأحكامها .
بعد التوقيع على الاتفاقيات هنالك الكثير والكثير من المستحقات المترتبة عن الانضمام والتي يتوجب اتخاذها في الفترة المقبلة ، بالرغم من أن السلطنة شهدت في سنة 2011 جهود تشريعية لمحاصرة الفساد واجتثاث جذوره لتجنب آثاره السيئة والسلبية ، حيث تضمن المرسوم رقم 111 / 2011 بإصدار قانون الرقابة المالية والإدارية للدولة مواد بالغة الاهمية مثلت قفزة نوعية كبيرة عما كان متبع سابقا حيث اوجبت المادة 22 من المرسوم جهاز الرقابة المالية والإدارية إبلاغ الإدعاء العام لاتخاذ إجراءاته بشأن المخالفة في حالة كونها تشكل شبهة أو جريمة جنائية ، كما الزمت الإدعاء العام في حالة إصدار قرار بحفظ التحقيق إعلان الجهاز والجهة التي وقعت بها المخالفة ، وللجهاز أو الجهة المعنية التظلم من قرار الحفظ ، وفي جميع الأحوال الزمت الرئيس إبلاغ الإدعاء العام بأي مخالفة تشكل شبهة أو جريمة جنائية ، ونجد ان هذه المادة سحبت من رئيس جهاز الرقابة المالية والإدارية سلطة تقدير احالة المخالفة من عدمه كما كان الوضع سابقا ، كما انها سحبت السلطة المطلقة التي كان يتمتع بها الادعاء العام في حفظ القضايا ووضعت ضوابط منظمة لها.
وفي الوقت ذاته وضع القانون عقوبات بالسجن مدة لا تقل عن ستة أشهر في حالة عدم تمكين أعضاء جهاز الرقابة المالية والإدارية من مراجعة أي من الحسابات أو الأوراق أو المستندات أو الوثائق أو غيرها مما يحق لهم مراجعتها أو الاطلاع عليها طبقا للقانون أو إخفاء المعلومات أو البيانات أو المستندات أو تقديمها غير صحيحة لهم وكذلك عدم الرد على التقارير والملاحظات أو المكاتبات المتعلقة بالرقابة أو التأخير في الرد عليها بغير مبرر .
و كذلك تضمن المرسوم مواد ادت الى انتفاء السرية المطلقة على التقارير السنوية بنتائج اعمال جهاز الرقابة المالية والإدارية التي كانت ترفع مباشرة الى جلالة السلطان فقط حيث الزم القانون ارسال نسخة منها الى مجلس الوزراء ومجلسي الشورى والدولة قبل نهاية السنة التالية.

