قراءة في الخطة الخمسية الثامنة –  نهاية فبراير 2011

قراءة في الخطة الخمسية الثامنة

فبراير 2011

لنجاح اية خطة  تنموية يجب ان يكون مفهوم التنمية واضحا ومن ثم توضع اهداف ووسائل لتحقيق تلك الاهداف وبدون تناغم الوسائل والاهداف لا يمكن لاي خطة ان تنجح. وقد أكد المؤتمر الرابع للجمعية الاقتصادية العمانية  على تعريف التنمية المستدامة بأنها ” عملية مجتمعية واعية ودائمة موجًّهة وفق إرادة وطنية مستقلًّة من أجل إيجاد تحوُّلات هيكلية وإحداث تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية تسمح بتحقيق تصاعد مطًّرد لقدرات المجتمع وتحسين مستمر لنوعية الحياة فيه”.

و تحقيق التنمية المستدامة  يتطلب وجود استراتيجية سكانية وطنية لتحقيق الاهداف المنشودة ، بالنظر الى ما نشر عن الخطة فإنه لا توجد مؤشرات قوية الى وجود برامج جدية تمكننا من تحقيق التنمية المستدامة والانتقال إلى الاقتصاد الإنتاجي واقتصاد المعرفة القادر على الاستقلالية والتنافس والنديُّة والتفاعل مع عالم معرفي عولمي جديد ، لأن اقتصاد المعرفة ليس مجرد شعارات بل يتطلب استراتيجية واضحة تحقق إنتاجاً مستمراً ومتنامياً للمعرفة و يتطلب تكويناً وتنظيماً لإنتاج المعرفة من جهة وإبداعاً في توفير وخلق تكنولوجيات يتم تداولها من قبل أوسع مجموعة من المواطنين.

من المؤسف ان يكون نمط التنمية الذي نتجه اليه ينطبق مع التحذيرات التي سبق ان أطلقها بعض المفكريين الخليجيين منذ زمن غير قصير والتي صنفت نمط التنمية السائد في أقطار مجلس التعاون”بالتنمية النفطية” وهي مجرد محصلة تلقائية متقلبة  للتغيرات التي صاحبت عصر النفط في دول المنطقة وأبعدتها عن أنماط التنمية الحميدة ، حيث انصرف المخططين عن الأمر الهام والمصيري وهو تحقيق تنمية ذات وجه إنساني تستثمر عائدات النفط بدلا من استهلاكها،  ولذلك تأرجح نمط “التنمية النفطية” بين “ضياع فرص التنمية” ونمط “تنمية الضياع” وصلت الى درجة تشجيع التوطين بموجب ربط الإقامة الدائمة بمجرد شراء حق الانتفاع بعقار.

في الوقت الذي ما  زال اقتصادنا يتسم بالريعية وقاعدته الانتاجية ضعيفة وارتباطه بالخارج اقوى من ارتباطه بالداخل فإنه ليس أمامنا سوى أن نتسآل ما هي القطاعات التي سيعول عليها قيادة التنوع الاقتصادي واين هي المشاريع التي ستقود التنمية المستدامة في خطة التنمية الثامنة ، ولماذ ننفذ مشاريع سيكون تأثيراتها الاجتماعية والبيئية كارثية (طريق الباطنة السريع)، ومشاريع تمثل مغامرات كبيرة في الوقت الذي ننتقد فيه غيرنا على تلك الانواع من المشاريع ( المساحات الشاسعة للمجمعات التجارية في مرتفعات المطار )، ومشاريع سيكون لها تأثير سلبي على التركيبة السكانية وعلى زيادة المديونية خاصة في قطاع المنشآت بعضها معرفة والاخرى ما زالت سرية (مشاريع الدقم) ، بعضها في اطار الخطة وأخرى خارج الاطار العام للخطة ، ولماذا نقسم المشاريع الى قسمين بعضها داخل اطار الخطة واخرى خارجها ، ولماذا يتم استبعاد مصروفات الاستثمارات في الهيئات والشركات الحكومية من جداول المصروفات الاستثمارية في الخطة المعتمدة ، ام ان الحكومة لن تقدم لها اية ضمانات بما في ذلك مشاريع الكهرباء والمياه والصناعة والسياحة والاهم استثمارات ميناء الدقم الذي لا يعلم الا الله والقائمين عليها عن جدواها وما يخبئه لنا المستقبل من مفاجآت حول مشاريع لا يعرف جدواها ، ام ان الديون والعجز الناجم عن تلك المشاريع لن يكون على حساب الحكومة؟

من المؤكد ان الخطة الثامنة سوف تحقق نموا اقتصاديا ولكنه من المؤكد كذلك انها لن تتمكن من تحقق تنمية  مستدامة دون  رفع معدلاتها في المؤشرات المتعارف عليها دولياً مثل:-

  1. تحقيق دخل اكبر لأفراد المجمتع
  2. زيادة فرص التعليم والتأهيل
  3. توقعات الحياة نتيجة الصحة والتغذية
  4. أجواء الحرية السياسية وحماية حقوق الانسان
  5. المساواة في الفرص المتاحة لجميع افراد المجتمع
  6. التمكين من المشاركة في عمليات التنمية والاستفادة منها
  7. تهيئة بيئة نظيفة.

يمكن القول ان أهداف خطة التنمية الخمسية الثامنة مقبولة لو امكن تحقيقها  ولكن ذلك يتطلب فك الارتباط بين التخطيط والتنفيذ (المالية والاقتصاد) وتوفير الموارد التي تتطلبها الوسائل المقترحة و تحقيق التناغم في العمل المؤسسي بين الاهداف العامة و التنفيذ من جهة و وجود جهة مستقلة تقييم فاعلية وكفاءة تلك السياسات خاصة على المستوى الجزئي من جهة اخرى.

علما ان التنمية الاقتصادية لا يمكن أن تقوم في غياب سوق عمل وسوق رأس المال ناضج وقوي ، حيث انه  من المتعارف عليه ان قطاع سوق العمل و قطاع البنوك من  القطاعات الاساسية للإقتصاد الوطني والتي تلعب دور محوري في التنمية بإعتبارهما من أهم عوامل الإنتاج التي يقوم عليها الإقتصاد.

ومن القرأة السريعة للبرامج الاستثمارية في الخطة الثامنة نجد فجوة كبيرة بين متطلبات تنفيذ المشاريع الواردة فيها والإمكانيات البشرية للسلطنة، وقد قيل ان تنفيذ الخطة قد يتطلب توفير ما يصل الى 275000 وظيفة جديدة ، وفي الوقت نفسه فإن معظم المشاريع التي سيتم تنفيذها خلال الخطة الخمسية القادمة من مشاريع المقاولات والانشاءات ، وستؤدي محدودية الإمكانيات البشرية الوطنية من حيث الكم والنوع إلى زيادة الاعتماد بصورة أساسية على العمالة المستوردة من جهة وزيادة الباحثين عن عمل من العمانيين في الوقت ذاته بشكل عام وفي قطاع المقاولات والانشاءات بشكل خاص بسبب صعوبة العمل من جهة وتدني الاجور من جهة أخرى ، إلا اذا كان ذلك الزاميا بموجب القانون وذلك سيسبب خلالا في التنافسية وكفاءة الاداء، وينتج عنه اضافة الى ذلك تعيين العمال في وظائف بأجور متدنية وسيكون لذلك انعكاسات سلبية على المؤشرات العامة للتنمية بسبب زيادة نسب العمالة المتدنية الاجور.

وفي الوقت نفسه ستكون فرص التشغيل في الوظائف الفنية محدودة ، حيث يعاني القطاع الخاص حاليا من غياب العمالة الوطنية المؤهلة والمدربة لأن العملية التدريبية في السلطنة ما زالت تخضع وللأسف ومنذ عشرين سنة للكثير من التجارب والتقلبات لم تكن دائما نحو الأفضل ولم يحالفها الحظ الاستقرار حتى الآن بالرغم من وجود استراتيجية للتنمية البشرية والسبب الرئيس لذلك هو غياب التخطيط السليم على المستوى الجزئي(Micro Economics)   وعدم كفاءة الاجهزة القائمة على التدريب واجتهاداتها غير الموفقة التي تفتقد الاستمرارية وتتقلب  بما ينسجم مع  الرؤى القاصرة للقائمين عليها في مراحلها المختلفة ، فمن الناحية الاجرائية نجد انه بالرغم من توقف العمل في برامج التأهيل على المؤهلات المهنية الوطنية بموجب  اجراءات ادارية منذ سنة 2001 حيث تم تجميدها بدون صدور قرار رسمي بذلك فإنه لم تصدر أية لائحة بديلة لها ولقد نجم عن ذلك الكثير من المشاكل خاصة من الناحية التنظيمية والإجرائية ويتحمل مسؤولية ذلك الوزارة المعنية وغياب الرقابة على السياسات وعدم وجود جهاز للرقابة الادارية في الدولة.

اما من الناحية المالية نجد ان الدولة خصصت بندا مستقلا  لتنمية الموارد البشرية خلال الخطة  الخمسية السادسة بمبلغ 207 مليون ريال عماني اي بمعدل يزيد عن 40 مليون ريال عماني سنويا وفي الخطة الثامنة نجد تراجعا كبيرا في ذلك ، ففي الوقت الذي تحصل فيه الحكومة اكثر من 110 مليون ريال في السنة كمساهمات من القطاع الخاص اقرت اساسا للتدريب المهني وتعدل مسماها الى رسوم استقدام عمالة وافدة حيث تم اعتماد حوالي 27 مليون ريال فقط  لمشاريع التدريب الوطنية اي بواقع حوالي 5 مليون ، وهذه المبالغ تكفي لتأهيل ما بين 1600 و 2000 متدرب في السنة أي اقل من 3 % من الاعداد المفترضة كفرص عمل متوقع ان توفرها الخطة ، بينما الامر يتطلب ان يشمل ما لا يقل عن 50% من العمالة الوطنية الجديدة لضمان اكتسابهم حرفة وفرص عمل افضل ولضمان خروجهم من دائرة مستوى الحد الادنى من الاجور.

لقد اعتمدت الندوة الثالثة لتشغيل القوى العاملة الوطنية الكثير من القرارات للمساهمة في رفع نسب التعمين في القطاع الخاص ومن بين تلك القرارات إعداد خطة خمسية للتدريب في مؤسسات وشركات القطاع الخاص بهدف تأهيل وتشغيل العمانيين حتى تتمشى مع الخطة الخمسية القادمة للحكومة لتنمية وتطوير الموارد البشرية ، ولم يتم تنفيذ ما يتعلق بتلك القرارات إلا زيادات النسب السنوية من التعمين وهنالك مشكلة كبيرة وستزداد مع سنوات الخطة السابقة للتوفيق بين العرض والطلب في القوى العاملة الوطنية ولمعالجة هذه الفجوة يجب انشاء صندوق لتمويل برامج التدريب والتأهيل لخطط التعمين المعتمدة من لجان التعمين القطاعية ويؤول اليه جميع رسوم استقدام العمالة الوافدة ، واعتقد ان هذا مطلب أمني قبل ان يكون اقتصادي.

 بالرغم من وجود محاولات لمعالجة هذا الوضع والتوجه الى دول مثل سنغافورة للإستفادة من تجاربها إلا انني لا اعتقد ان نجاحات تجارب سنغافور المتميزة ستنفعنا إذا لم نتمكن من تقويم ودراسة تجربتنا ومعرفة أسباب اخفاقاتنا ، لقد زرت سنغافورة منذ حوالي عشر سنوات للإطلاع على تجربتها التي تعتمد على منظومة متكاملة بدءًا من تأهيل مواطنيها من خلال مسارات مختلفة منسجمة تعيد المتسربين الى النظام العام بعد المرور من خلال المسارات البديلة ، وتمنح حوافز كبيرة للمتدربين أثناء التدريب والتأهيل حيث ترى الحكومة ان تلك التكلفة العالية ستكون أقل بكثير من تكلفة تسكع المواطنين في الشوارع وما لذلك من مشاكل بدءاً من الفراغ وانتهاءًا بالمخدرات وانتهاءًا الى بيئة عمل كريم لمواطنيها تأخذ في الاعتبار التوازن بين الاجور وتكلفة المعيشة.

أما فيما يتعلق بالمحور الاخر وعلى صعيد القطاع المصرفي الذي يعتبر من أهم القطاعات الإقتصادية لما له من دور محورى في الدورة الإقتصادية  فانني سأكتفي هنا بالإشارة الى تصنيف البنك الدولي، حول سهولة ممارسة أنشطة الأعمال في الدول والذي  يعني بقياس  سهولة البدء في العمل ومزاولة النشاط نجد ان السلطنة تراجعت من الترتيب 125 الى 128 في سنة 2011م من بين 183 دولة في مجال الحصول على ائتمان ونحن بحاجة الى آليات جادة لمعالجة هذا الموضوع في الخطة ووجود استراتيجية واضحة لتطوير الاعمال الصغيرة والمتوسطة والحد من احتكار شركات بعينها تمارس نشاطها بعشرات الاسماء المختلفة و لا تترك صغيرة و لا كبيرة إلا وتخوض فيها وكأنه لا هدف لها الا منافسة المشاريع الصغيرة والمتوسطة .

خلال السنوات الاربعين الماضية قد قطعت الدولة شوطا كبيرا لا يمكن لأي شخص انكاره ، ومؤخرا احتفلنا بمرور 40 سنة من بداية المسيرة وها نحن نستقبل بعد تلك الاحتفالات الخطة الثامنة للتنمية ولكن في ضل مشهد مختلف تماما عن المشهد الذي كنا عليه في سنة 1970م ، وأمامنا تحديات ستزداد صعوبة سنة بعد أخرى ، لقد اصبح شهود ما قبل سنة 1970 اليوم أقلية صغيرة وتتناقص اعدادها سنة بعد اخرى ونسبتها من اجمالي عدد السكان لا يصل 14%  من اجمالي السكان بينما أكثر من 86% من سكان السلطنة اليوم من مواليد ما بعد سنة 1970 . لديهم ثقافتهم وتطلعاتهم وطموحهم ومشاكلهم المختلفة تماما عن تلك التي كان لدى  اباؤهم واجدادهم .

لقد عادت بي الذاكرة الى الوراء وانا اتصفح الخطة الخمسية الثامنة وأحاول استيعاب مضمونها ، وتوصلت الى قناعة بأن أساليب اعداد الخطط الخمسية الاولى وآليات متابعاتها كانت اكثر تقدما مما هو حاصل مع خططنا الحالية بالرغم من الامكانيات الكبيرة وما وفرته لنا التطورات التكنولوجية ،  ومن المؤكد كذلك أنني بالرغم من محاولاتي المتكررة  لم أتمكن من النظر اليها كخطة تنمية مستدامة ولا كخطة متوازنة بل مجرد خطة تسويقية عامة ، لوزارة المواصلات نصيب الاسد فيها ، حيث سيخصص لها حوالي 65% من اجمالي الاستثمارات الحكومية المعتمدة في اطار الخطة وحوالي 35% منها للمطارات ، فتهنئة خاصة للقائمين على وزارة المواصلات والتهنئة موصولة لشركة المقاولات الاجنبية والى وكلاء ادارات الفنادق العالمية والله وراء القصد .

محمد بن عبدالله بن حمد الحارثي

رئيس الجمعية الاقتصادية العمانية

نائب رئيس اللجنة المشتركة للتعمين في قطاع التعليم الخاص (الجامعات والمدارس والمعاهد الخاصة)

Shopping Cart
Scroll to Top