بيان المكرم الشيخ محمد بن عبدالله الحارثي
رئيس اللجنة الاقتصادية- مجلس الدولة
“مقترح تعديل قانون التنمية الاقتصادية”
معالي الدكتور رئيس المجلس،
المكرمون والمكرمات أعضاء المجلس
سعادة الدكتور الأمين العام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يعتبر قانون التنمية الاقتصادية الذي صدر بالمرسوم السلطاني رقم (9) سنة 1975م، والذي تم التأكيد عليه في ديباجة مرسوم الخطة الخمسية التاسعة بعد النظام الأساسي مباشرةً، القانون الذي من المفترض أن يعنى بتحديد النمط التنموي الذي تسير عليه الدولة في تطوير منظومتها الاقتصادية وتحديثها، واعتباره قانونًا محوريًا ترتكز عليه العملية التنموية برمتها، – إذا تم إجراء التعديلات اللازمة عليه- يمكن اعتباره المظلة التي تجتمع حولها الوحدات الحكومية الفاعلة لمكونات النشاط الاقتصادي، وتستمد أدوارها المكملة لبعضها الآخر من هذا القانون.
وبما أن قانون التنمية الاقتصادية قد تم إعداده منذ فترة طويلة، يمكن اعتباره من أقدم القوانين المنظمة لمجال التخطيط الاقتصادي والاجتماعي في السلطنة، فقد رأت اللجنة الاقتصادية أهمية دراسة تعديل هذا القانون، للمبررات التي تم الإشارة اليها في صفحة (2) من الدراسة، ولينسجم مع أحكام المادة (44) من النظام الأساسي للدولة ولتمكينه من المساهمة في تحقيق الأهداف التنموية.
لقد غطى تقرير الدراسة ثلاثة محاور: المسار التنظيمي المرتبط بالتنمية الاقتصادية وهو المحور الأول من الدراسة؛ وذلك من خلال تتبع المسار التنظيمي المرتبط بالتنمية الاقتصادية، والمحطات المختلفة التي مرت بها التخطيط الاقتصادي بالسلطنة بدءًا من المراحل الأساسية للنهضة المباركة (1971م -1973م) حتى الوقت الراهن.
أما المحور الثاني من الدراسة فقد تناول المسار التخطيطي المرتبط بالتنمية الاقتصادية ومن بين المحطات الرئيسية المنوطة بها التخطيط لمسيرة التنمية تم الإشارة إلى تجربتي مجلس التنمية وأمانته العامة والمجلس الأعلى لتخطيط وأمانته العامة، ومقارنة بين منهجية عمل كل منهما في مجالات أسلوب التخطيط، والمتابعة ووضع السياسات، والفروق الجوهرية بينهما.
ويتضح من نتائج التجارب التي تم التوصل إليها في المحور الثاني من الدراسة فيما يتعلق بمساري التنظيم والتخطيط بدءًا من الخطة الخمسية الأولى حتى الخطة الخمسية التاسعة، أن المعالجات الحالية لن يكون بوسعها تحقيق الأهداف التنموية ومواجهة تحديات المرحلة المقبلة وتوفير فرص عمل لـلمواطنين الباحثين عن عمل الذين سيدخلون سوق العمل لأول مرة. حيث إن منهجية التخطيط الحالية والسياسات والبرامج لا تتضمن تسلسلاً منهجياَ بين هذه العناصر ولا تربط بين الموازنة العامة السنوية والخطة الخمسية وبين الخطة والرؤية المستقبلية، مع غياب مؤشرات الأداء والنجاح الرئيسية، وضعف جهات الإشراف والرقابة والمحاسبة وآليات لمعالجة انحرافات الخطط عن مسارها.
ووفقا لنتائج الدراسة، فإن الأمر يستوجب معالجة أوجه القصور القائمة حالياَ من خلال تعديل قانون التنمية الاقتصادية، على أساس أن القوانين بحاجة إلى مراجعة وإجراء تعديلات بما يتلاءم مع معالجة الإشكاليات التي تواجه الوضع القائم، مع الاخذ في الاعتبار أهمية التحليل الاقتصادي للقانون، وهو ما نقترح ان يؤكد عليه مجلس الدولة عند مناقشة مشروعات القوانين المختلفة.
ومن خلال هذه الدراسة يمكن التأكيد على أهمية اتباع هذه المنهجية في ضرورة تشخيص الإشكاليات التي على ضوئها يتم اقتراح إطار عام لما يجب ان يتضمنه القانون، وفقا لم تم تناوله في المحور الثالث من الدراسة الإطار المقترح لتعديل قانون التنمية الاقتصادية.
لقد توصلت الدراسة إلى ضرورة استحداث قانون جديد يحل محل قانون التنمية الاقتصادية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (9) عام 1975م، وفقًا للموجهات المفصلة والمشار إليها في هذه الدراسة.
ومما يجدر ذكره هنا، ان آليات الربط بين الخطة الاستراتيجية والموازنة و”الاتساق بين الخطة والميزانية العامة للدولة”، يتطلب تحديد سياسات الربط بين الأهداف الموضوعة للخطة وبين الموازنة العامة في وثيقة الخطة، وذلك لأن عملية إعداد الموازنة يتطلب تخصيص الموارد للبرامج ذات الأهداف الواضحة والنتائج المحددة وبشكل يربط بين توزيع الموارد والنتائج التي تسعى الحكومة لتحقيقها ويتوجب الاشارة الى ذلك في القانون الجديد.
بالرغم من ان الدراسة تهتم وبشكل رئيسي على قانون التنمية الاقتصادية ومحتواه ، الا انه بجانب ذلك يتطلب الامر اعادة هيكلة جهاز التخطيط ، فمن الواضح – وفقا لنتائج الدراسة – ان هنالك إشكالية في التمكن من تحقيق أهداف الاقتصاد الكلي في الخطط الخمسية بسبب ضعف منهجية التخطيط و عدم كفاءة نموذج الاقتصاد الكلي و بالتالي خلل في كفاءة توزيع الموارد ورسم السياسات – وهو ما اكدت عليه نتائج الخطط الإنمائية والاستضافات المختلفة – ، حيث تتغير السياسات في الكثير من الاحيان مع تغير المسؤولين وفي الوقت ذاته تتناقض مع متطلبات تحقيق اهداف الوحدات الحكومية المختلفة في احيان أخرى ، وعليه فقد اوصت الدراسة بإنشاء “مركز وطني للسياسات التنموية“، يمثل الجناح الثاني للمجلس الاعلى للتخطيط بجانب المركز الوطني للإحصاء والمعلومات ، يقوم بعد توزيع الموارد بكفاءة وفق نتائج نموذج الاقتصاد الكلي برسم السياسات القطاعية المختلفة لتحقيق أهداف الرؤية والخطط ويضع لها مؤشرات للأداء والقياس بالتنسيق مع الوحدات المعنية بما يضمن انسجام وتناغم وعدم تضارب سياسات الوحدات الحكومية ، و بحيث تكون تلك السياسات ملك الدولة ولا يحق للوحدة الحكومية تعديلها الا بعد التنسيق وموافقة المركز ، وبالتالي استقرار السياسات وتمكينها من تحقيق الأهداف التنموية ، ويمكن في الوقت ذاته مسألة الوحدات على تنفيذ تلك السياسات ومؤشرات الاداء المحددة لها.
وختامًا يسرني أن أتقدم بجزيل الشكر والتقدير للجنة المصغرة لفريق إعداد الدراسة، وأعضاء اللجنة الاقتصادية، والفريق الفني المساعد.
كما أشكر مكتب المجلس على الملاحظات التي أبداها على الدراسة والتي تم الأخذ بها.
و لا يفوتني أن اشكر ممثلي الجهات التي تم استضافتهم، وقد أثرت آرائهم المختلفة وأفكارهم الدراسة.
و أشكر مقدما أعضاء المجلس المكرمين، بتقديمهم أية مقترحات أو ملاحظات إضافية والتي من شانها أن تسهم في تعزيز نتائج هذه الدراسة.
والله ولي التوفيق ،،،،