بيان المكرم الشيخ محمد بن عبدالله الحارثي
رئيس اللجنة الاقتصادية- مجلس الدولة
حول دراسة تحديات القوى الوطنية في القطاع الخاص
معالي الدكتور رئيس المجلس،
المكرمون والمكرمات أعضاء المجلس
سعادة الدكتور الأمين العام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
بداية لا يسعني إلا أن أقر أنه مما لا شك فيه أنه في العقود الماضية قد تم بذل الكثير من الجهود من خلال الخطط التنموية ومختلف البرامج الحكومية لمعالجة تحديات سوق العمل من خلال القوانين والسياسات والأنظمة، والتعليم والتدريب وتنمية الموارد البشرية و الحوافز و الحظر و التقييدات وغيرها من الجهود التي لا حصر لها.
إلا أنه بالرغم من تلك الجهود المؤسسية والتشريعية لتعزيز دور القطاع الخاص في تشغيل العمانيين، تشير محصلة تلك الجهود الكمية ، إلى عدم تجاوز القوى العاملة العمانية العاملة في القطاع الخاص مع نهاية فترة الرؤية 2020 نسبة 13% من إجمالي من النسبة المستهدفة البالغة 75%.
حيث تؤكد الدراسات والأرقام أن سياسات وإجراءات سوق العمل التي تم اتباعها خلال العقود الماضية قد أخفقت ونجم عنها الحد من المنافسة وإلى بيئة تفتقر إلى تكافؤ الفرص مما شكلِّ تحدياً كبيراً على نمو القطاع الخاص وإيجاد فرص العمل. و خلال الفترة من 2010 إلى 2019م بلغ المتوسط السنوي لنمو حجم قوة العمل (عدد السكان النشطين اقتصاديا) نحو 8% بينما بلغ معدل نمو التوظيف نحو 6%، وهذا يعنى أن هنالك فجوة سنوية في المتوسط بحدود 2%، ومن الملاحظ اتساع الفجوة بين حجم قوة العمل من إجمالي السكان وبين إجمالي العاملين منذ العام 2013م .
و أوضحت الدراسة أن الجهود الكبيرة والمراحل المتعددة التي قطعتها إجراءات تنفيذ البرامج التدريبية في القطاع الخاص رغم نجاحاتها المحدودة لم تتمكن من تحقيق أهدافها الكلية على مستوى الاقتصاد الكلي، ومن الضروري أن تكون لدينا سياسة وخطة تدريبية وطنية تدرج ضمن الخطة الخمسية للدولة مبنية على معايرة عناصر ومكونات العملية التدريبية من منظور السياسات الوطنية في التدريب والتأهيل بهدف تحقيق مستهدفات النمو الاقتصادي، من خلال تخطيط وتفعيل وقياس مردود وعوائد تلك المنظومة ومعالجة إشكاليات حوكمة التدريب ومنظومة الإدارة والأداء المؤسسي، بما يتسق مع المعايير المقترحة في الدراسة.
لقد أوضحت أرقام و بيانات الدراسة كذلك أن واقع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يقع من ضمن تشوهات سوق العمل في السلطنة وتُفَاقِم من تحديات علاج توظيف الباحثين عن عمل، حيث إن تركيبة العاملين في القطاع الخاص تدل على وجود خلل كبير في نظام التعمين الحالي حيث توجد هنا إشكاليتين رئيسيتين:
الإشكالية الأولى عدم شمولية التطبيق حيث تقوم حوالي 10% فقط من منشآت قطاع الخاص النشطة بتشغيل كافة العمانيين العاملين في القطاع الخاص، مقابل تشغيل 50% من الوافدين، بينما لا تقوم بقية أل 90% من المنشآت التي تشغل بقية أل 50% من العاملين الوافدين في القطاع الخاص بتشغيل أي عماني.
الإشكالية الثانية وهي مرتبطة بالأولى وجود 173 ألف مؤسسة جميع العاملين فيها من الوافدين و لا يشتغل بها عماني واحد وهذه المؤسسات تعتبر من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي يعمل بها في الحالات المشابهة حوالي 80% من القوى العاملة الوطنية في مختلف دول العالم. ولا يسمح للوافدين بمنافسة مواطنيها، وهذه حالة تنفرد فيها السلطنة ودول مجلس التعاون الخليجي خلاف ما هو حاصل في معظم دول العالم.
كما أثبتت المنهجيات التي تم اتخاذها على مدى العقود الماضية عدم قدرتها على تحقيق مستوى مستدام من التوظيف للمواطنين، ولا يمكن حل مشكلة تنامي أعداد الباحثين عن عمل المتجددة سنويا، وتدني مساهمة العمالة المواطنة في سوق العمل في القطاع الخاص، ما لم تتمكن السياسات من علاج إشكالية منافسة العمالة الوافدة المتدنية المهارة والأجر للعمالة الوطنية.
لقد سبق أن أعد مجلس الدولة دراسة حول “تحديات تنمية القطاع الخاص وسياسات سوق العمل في الدورة الماضية و قد أكدت رسالة الأمانة العامة لمجلس الوزراء الموقر التي تم استلامها بعد موافقة مجلسكم على إعداد هذه الدراسة إلى أن مجلس الوزراء ” يتفق إجمالا مع التوصيات الواردة بالمقترح والتي تتلاقى في مجملها مع رؤية وجهود الحكومة، …. كما تم إحالة التوصيات الأخرى الى المركز الوطني للتشغيل والى الجهات المختصة لدراسة تنفيذها ” واختتمت الرسالة بالإشارة إلى أنه يعول “كثيرا في هذا الجانب على مجلس الدولة في تقديم الدعم والمساندة للمركز في تحقيق الأهداف المرسومة له”.
إذ نثمن إتفاق مجلس الوزراء الموقر مع التوصيات التي وردت في دراسة “تحديات تنمية القطاع الخاص وسياسات سوق العمل” فإننا تعتبر ذلك خطوة مهمة لبداية معالجة تلك التحديات. وعليه اقترحت هذه الدراسة التعديلات القانونية الضرورية لتفعيل تلك السياسات والتوصيات و بعض السياسات التكاملية التي يتوجب اعتمادها لتمثل منظومة متكاملة للحد من إشكاليات هذا الملف .
معالي الرئيس المكرمون الأعضاء
مع تراجع حصة القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص، وتنامي أعداد الباحثين عن عمل ، ومع زيادة معدلات إنهاء خدمات العاملين في القطاع الخاص في الآونة الأخيرة، ونظرا لتراكم الأزمات والتحديات الاقتصادية ، تواجه السلطنة خيارا حاسم الأهمية في سعيها لتعزيز نمو القطاع الخاص وتوفير المزيد من فرص التشغيل؛ فإما إجراء تعديلات جوهرية على النظام الحالي، أو المخاطرة باستمرار تدني المستوى الحالي لإيجاد الوظائف في القطاع الخاص وما سيتبعه من تحديات اجتماعية و أمنية.
إن التحديات المستجدة المترتبة على جائحة كوفيد 19، و ما قد يسفر عنها من إفلاس عدد كبير من المؤسسات التجارية وفقدان الكثيرين من العاملين عملهم ، تؤكد ضرورة الحاجة للإسراع في مواكبة التغيرات المستقبلية المتسارعة بالمعالجات اللازمة لتحريك السوق، وتجنيب الاقتصاد من الدخول في مستويات ركود عميقة. إن تفعيل عملية التعمين والإحلال تتطلب رؤى واضحة لدى صانع القرار ومعالجات مباشرة لهذه الإشكالات من خلال السياسات التي يمكن أن تعالج (1) إشكالية تفضيل الشركات تشغيل العمالة الوافدة ، (2) إشكالية عزوف المواطنين عن الرغبة في العمل في الوظائف المتوفرة في القطاع الخاص بسبب بيئتها وحوافزها التي يرونها غير مناسبة لهم من جهة، و (3) البرامج الحكومية التي تمكن من سد الفجوة بين العرض والطلب في المهارات التي تتطلبها السوق من جهة أخرى.
إن الأمر يتطلب معالجة تلك التحديات في إطار منظومة متكاملة من السياسات خاصة فيما يتعلق بإتاحة المزيد من المنافسة، وتطوير سياسات التدريب والمعايير المهنية، وفي الإجراءات العاجلة المطلوب اتخاذها لإيجاد بيئة تمكن تشغيل الباحثين عن عمل ، وبما يتماشى مع المتغيرات التي تمر بها السوق المحلية والدولية.
معالي الرئيس المكرمون الأعضاء
لقد قدمت الدراسة مجموعة توصيات وإجراءات مكملة للمعالجات اللازمة بما يتلاءم مع التحديات الحالية التي يمر بها الاقتصاد الوطني ، وبالرغم من الإدراك بأن تلك المقترحات لا يمكنها معالجة جميع الإشكاليات إلا أنها ستمثل خطوة مهمة للخروج من المأزق الحالي ووضع أسس العلاج والأمر سيتطلب التقييم الدوري لمدى تأثير هذه السياسات وتطويرها للتعامل مع مختلف المستجدات في هذا القطاع الذي يتسم بالديناميكية المستمرة
وختاما يسرني أن أتقدم بجزيل الشكر والتقدير لأعضاء لجنة الدراسة ولزملائي أعضاء اللجنة الاقتصادية، والفريق الفني المساعد على مساهماتهم في إعداد هذه الدراسة، والشكر الجزيل لمعالي الدكتور رئيس المجلس و أعضاء مكتب المجلس وسعادة الدكتور الأمين العام ومساعديه على سعة صدورهم وملاحظاتهم القيمة في إخراج هذا التقرير بما يتسق مع سياسات المجلس.
كما أشكر مقدما أعضاء المجلس المكرمين، لتقديمهم أية مقترحات أو ملاحظات موضوعية والتي من شانها أن تسهم في تجويد هذه الدراسة. أما الملاحظات اللغوية والأخطاء المطبعية فيرجى تزويدنا بها كتابيا حتى تؤخذ في الاعتبار عند صياغة النسخة النهائية، مع جزيل الشكر والتقدير.
والله ولى التوفيق،

