حول تعيميم ربط المؤهلات بالأجور (2020)

مقابلة مع المكرم الشيخ محمد بن عبدالله بن حمد الحارثي

رئيس اللجنة الاقتصادية – مجلس الدولة.

حول تعيميم ربط المؤهلات بالأجور (جريدة عمان 2020)

بداية من الضروري قرأة تعميم  وزارة العمل رقم 3/2020 بشأن عدم ربط المؤهلات بالأجور من الناحية القانونية ، بإعتبار ان احترام القوانين والإلتزام بها واسقرارها من المتطلبات الأساسية لتشجيع الاستثمار وقياس مدى مصداقية الحكومات بالإلتزام بالحوكمة وحكم القانون ، بالرجوع إلى تعميم الوزارة و بعد استعراض حيثياته نجد أنه نص على” إلغاء الحد الأدنى للأجور المرتبط بالشهادة” وبالرجوع للمادة (50) من قانون العمل نجد أنها تنص على أن “يضع مجلس الوزراء الحد الأدنى للأجور وفقاً لما تقتضيه الظروف الاقتصادية وله أن يضع حداً أدنى لأجور فئة بذاتها من العمال الشاغلين لوظائف أو مهن تقتضي ظروف أو طبيعة العمل بها هذا التحديد ، ويصدر بالحد الأدنى للأجور قرار من الوزير”

وبالتالي نجد أن هذا التعميم جاء لإصلاح الممارسات والاجتهادات المخالفة لقانون العمل ، بإعتبار أن فرض “الحد الأدنى للأجور المرتبط بالشهادة” بالرغم من أنه قد تم استخدامه منذ فترة قصيرة فقط وبنطاق محدود جدا و غير رسمي وانحصر على تحديد الحد الأدنى لأجور خريجي الجامعات لا يوجد له أي سند قانوني في قانون العمل وهو مخالف للأحكام التنظيمية للحد الأدنى للأجور التي أجازت لمجلس الوزراء وضع حد أدنى للأجور لوظائف او مهن تقتضي ظروف أو طبيعة العمل بها هذا التحديد” ومجلس الوزراء لم يعتمد سوى الحد الأدنى لأجور العاملين العمانيين في القطاع الخاص ، وبالتالي نجد أن هذا التعميم ألغى التجاوزات غير القانونية لأحكام المادة 50 من قانون العمل العماني.

من الناحية الاقتصادية نجد أن تعميم  وزارة العمل يتسق مع الممارسات وقوانين العمل الدولية وتصحيحا للوضع السابق الذي يعد مخالفا ولا يتماشى مع القواعد الأساسية لاقتصاد السوق، وسيعمل التعميم الجديد على تجسير الفجوة بين العرض والطلب، ويمكن اعتباره طريق مختصر للحصول على  الوظيفة ويرفع الطلب عليها، وبما يؤدي إلى زيادة فرص العمل المتاحة ومعدلات الإنتاجية على المستوى الكلّي.

كما نجد أن التعميم يتسق مع مبدأ ترك مسالة تحديد وإدارة الأجور لقوى السوق، بدلا من ربطه بالمؤهل عند التوظيف حيث أن الإجراء السابق وضع قيدا على معدلات توظيف المواطنين الباحثين عن عمل، في الوقت الذي كان بالإمكان تمييز التعويضات النقدية الأخرى – غير الأجر- بالعديد من المعايير الأخرى – غير المؤهل الأكاديمي- مثل معايير الأداء، المجهود، المهارات، صعوبة العمل، الأقدمية، وغيرها من المعايير التي تمنح تعويضات كبيرة في الأجر. ويجب أن تنظم العلاقة بين صاحب العمل والعامل بالقطاع الخاص وفقًا لعقد العمل الموقع بينهما وبما لا يخالف معايير العمل الدولية.

تعتبر الأجور من أكبر تكاليف الإنتاج لشركات القطاع الخاص، عليه فمن الطبيعي أن تسعى هذه الشركات إلى ما يتناسب مع قدراتها، ويجب أن ندرك أن قانون الشركات التجارية عرف الشركة التجارية بانها كيان قانوني ينشأ بموجب عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يسهم كل منهم في مشروع يستهدف الربح، وذلك بتقديم حصة في رأس المال تكون إما حقوقا مادية، وإما معنوية، وإما خدمات، لاقتسام أي ربح أو خسارة تنتج عن المشروع ، وبالتالي لا يجب فرض إجراءات تعارض أهداف قيام تلك الشركات المحددة بموجب القانون.

في الوقت ذاته المتعارف عليه في اقتصاديات السوق أن هنالك عوامل وأسس تتخذها المؤسسة لتحديد قيمة الأجر المناسب لكل وظيفة، وحسب طبيعية واستراتيجية المنشاة والقدرة التنافسية في السوق، ووفقا لاعتبارات أن الأجر ثمنًا للعمل؛ بمعنى أنّه يتم تحديد الأجر كما يتم تحديد أيّة سلعٍ أخرى مرتبطة بعامل العرض والطلب، مع الأخذ بعنصر التكلفة بالتأكيد، والأصل في طرق تحديد الأجر أن يقبل العامل صراحة أو ضمنًا الأجر المعروض عليه من قِبل صاحب العمل ، وهذا لا يعني في أي حال من الأحوال أنه سيتم تخفيض أجور العاملين في القطاع بل سيخلق تنافسية ستؤدي في الكثير من الحالات إلى زيادة أجور العاملين في القطاع الخاص، كما أن المستهدف من هذا التعميم الداخلين الجدد إلى القطاع الخاص وليس الموجودين على رأس عملهم حيث لا يمكن المساس بأجورهم.

والأهم من ذلك كله لا يمكن النظر في الموضوع بمعزل عن الإشكاليات المرتبطة بهيكلية القطاع الخاص في السلطنة  حيث أوضحت الإحصائيات ونتائج المسوحات مع نهاية  2018م ، وجود نحو 191 ألف مؤسسة مشغلة مسجلة في وزارة العمل، ونحو 173 ألف مؤسسة لا يشتغل بها عمانيون. وبالتالي فإن اقل من 10% فقط من شركات القطاع الخاص تشغل 100% من العاملين فيه ، بينما أكثر من 90% من المؤسسات لا يعمل بها عمانيين. وفي الوقت ذاته نجد أن تلك المؤسسات التي لا يعمل بها عمانيين تشغل حوالي 50% من إجمالي العمالة الوافدة في القطاع الخاص.

وبالتالي نجد أن تركيبة العاملين في القطاع الخاص تدل على وجود خلل كبير في نظام التعمين الحالي حيث توجد هنا إشكاليتين رئيسيتين:

الإشكالية الأولى عدم شمولية التطبيق حيث تقوم حوالي 10% فقط من منشآت قطاع الخاص بتشغيل كافة العمانيين العاملين في القطاع الخاص، مقابل تشغيل 50% من الوافدين، بينما لا تقوم المنشآت التي تشغل بقية ال 50% من العاملين في القطاع الخاص بتشغيل أي عماني.

الإشكالية الثانية وهي مرتبطة بالأولى وجود 173 ألف مؤسسة لا يشتغل بها عمانيون وهذه من المؤسسات المفترض أن تكون من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي من المفترض أن ينحصر العمل فيها على المواطنين فقط كما هو حاصل في جميع دول العالم حيث يعمل في مثل تلك المنشآت مواطني تلك الدول فقط ولا يسمح للوافدين بمنافسة مواطنيها، وهذه الحالة تنفرد فيها السلطنة ودول مجلس التعاون الخليجي خلاف ما هو حاصل في معظم دول العالم.

وبالتالي نجد أن الشركات المشغلة للعمانيين معظمها وصلت لطاقتها الاستيعابية ولا يمكنها توفير المزيد من الوظائف والتعميم سوف يمكن بقية الشركات التي تعاني أصلا ولا تحقق أرباح مجزية من توفير فرص عمل للمبتدئين تكون انطلاقة لهم ويكتسبون نوع من الخبرة ومن يثبت جدارته سوف تكون لديه فرص لتحسين نوع عمله وأجره .

لقد أثبتت المنهجيات التي تم اتخاذها على مدى العقود الماضية عدم تمكنها من مواجهة تحديات تحقيق مستوى مستدام من التوظيف للمواطنين، ولا يمكن حل مشكلة تنامي أعداد الباحثين عن عمل المتجددة سنويا، وتدني مساهمة العمالة المواطنة في سوق العمل في القطاع الخاص، بدون تعديل الكثير من السياسات وهذه أبسطها وإتخاذ قرارات قد تكون صعبة في بدايتها ولكنها ضرورية للمعالجات اللازمة لتحريك السوق، وتجنب الاقتصاد من الدخول في مستويات ركود عميقة.

الجدير بالإشارة أن الكثير من الدراسات أكدت على أن قدرة أسواق العمل على إيجاد وظائف جديدة فيما بعد أزمة كوفيد 19 ستتأثر بعاملين اثنين: الأول هو الركود المتحقّق من الأزمة، فلا القطاع الحكومي ولا القطاع الخاص سيكون مهيأً لاستقطاب المزيد من القوى العاملة.  أما العامل الثاني فهو الاستفادة من نتائج الأزمة على تغيير أنماط العمل .

وهذا التعميم يمكن أن ينظر إليه في هذا الاطار مع ضرورة أن يلحقه إيجاد الحلول المناسبة لمعالجة تحديات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتنفيذ السياسات اللازمة لتطوير بيئة مواتية للأعمال التجارية، من خلال السياسات التجارية، سياسة القيمة المحلية المضافة والمحتوى المحلي والبيئة التنظيمية، وتطوير خدمات دعم الأعمال التجارية وفق المعايير المحددة في تقرير ممارسة سهولة الأعمال، ومعالجة مشكلة الائتمان، حتى تتمكن من إيجاد فرص عمل للعمانيين.

Shopping Cart